قوائم تشغيل مزيفة ومشاهدات بالملايين.. كيف أصبحت حسابات يوتيوب المنسية وسيلة للاحتيال الرقمي؟

في مشهد يبدو وكأنه من فيلم خيال رقمي، عادت حسابات يوتيوب قديمة، بعضها لم يُستخدم منذ ما يقرب من عقدين، إلى الواجهة بطريقة غريبة ومثيرة للشك. فبينما يستمتع المستخدمون بقوائم تشغيل لألبومات موسيقية نادرة أو مشاهد أرشيفية، يتسلل في الخلفية فيديو غامض يحمل اسمًا بسيطًا: "More" – أو "المزيد".
هذا الفيديو، الذي حقق أكثر من 7.5 مليون مشاهدة، لا يقدم أغنية أو عرضًا فنيًا، بل عبارة عن سرد ممل لتعليمات "كيفية جني المال من الإنترنت"، بدءًا من العملات الرقمية ووصولًا إلى التسويق بالعمولة. لا يحتوي الفيديو على روابط أو دعوات مباشرة، فقط نصوص فضفاضة تدور في حلقة مفرغة، ومع ذلك، فهو يزدهر بفضل خوارزمية يوتيوب وعدد لا يُحصى من قوائم التشغيل المحشوة التي يتم إدراجه فيها.
موقع Engadget رصد أكثر من 58 ألف قائمة تشغيل، أغلبها تتضمن هذا الفيديو أو ما يشبهه، وتعود لحسابات قديمة أنشئت في بدايات يوتيوب، بعضها يعود لعام 2005. هذه الحسابات، التي كان يُفترض أنها هجرت منذ زمن، يبدو أنها استُعيدت أو اختُرقت لتُستخدم كأدوات لترويج مقاطع دعائية ركيكة وتحقيق أرباح غير مشروعة من الإعلانات.
الغريب أن هذه القوائم تُخدع بها خوارزمية البحث على يوتيوب بسهولة. إذ تُظهر النتائج أول مسارين فقط من كل قائمة، بينما يظهر الفيديو الاحتيالي كالمقطع الثالث – فيقع المستخدم في الفخ دون أن يدري. هذا النوع من "التحايل الناعم" لا يُخالف بشكل مباشر قواعد المنصة، لكنه يستغل ثغرات واضحة في واجهة الاستخدام وسلوك المستخدمين.
ويبدو أن الممارسة لا تقتصر على محتالين مجهولين. بعض الفنانين الناشئين وأصحاب القنوات الموسيقية الصغيرة بدأوا في استخدام نفس الأسلوب لتحقيق مشاهدات ضخمة، وذلك من خلال إدراج أغانيهم في قوائم تشغيل مزيفة إلى جانب محتوى رائج أو مطلوب.
ومن بين القنوات المثيرة للاهتمام، ظهرت قناة لسيدة مهيمنة محترفة، تحمل طابعًا غريبًا وتاريخًا ممتدًا منذ 17 عامًا، وتضم مئات القوائم التشغيلية لأعمال موسيقية متنوعة – بعضها نادر، وبعضها يبدو وكأنه ستار لخداع المشاهدين.
المثير للقلق أن يوتيوب، رغم وضوح هذا النشاط، لم يُبدِ حتى الآن أي استجابة فعالة. ومع غياب آليات للكشف السريع عن مثل هذه الممارسات، تستمر هذه القنوات في حصد المشاهدات، وبالتالي، جني الأموال من محتوى خادع أو بلا معنى.
هذه الظاهرة تفتح الباب أمام تساؤلات مهمة: إلى أي مدى يمكن الوثوق في المحتوى الذي يُعرض لنا؟ وهل أصبحت خوارزميات المنصات الرقمية متواطئة – عن غير قصد – في دعم التضليل؟
قد تكون بعض هذه الحسابات مجرد بقايا رقمية من عصر الإنترنت القديم، لكنها اليوم أصبحت سلاحًا في يد من يسعون للربح بأي وسيلة، حتى لو كانت عبر "المزيد"... دون أن نعرف ماذا بعده.