"صكوكُ"
التأمينِ الصحيِّ
ربما كانت تجربةً مريرةً لم أستفدْ منها سوى المزيدِ من الإحباطِ.. بعد سنواتٍ قررتُ أن أُجرِّبَ بطاقتي الصحيةَ الخضراءَ، بطاقةَ التأمينِ الصحيِّ.. وداخلَ عياداتِ مستشفى 6 أكتوبرَ بالدقيِّ زادتِ المرارةُ في حلقي بدايةً من استحداثِ نظامٍ جديدٍ وهو حجزُ العياداتِ من خلالِ الإنترنتِ والذي تسببَ في خفضِ أعدادِ روادِ العياداتِ، حيث أنَّ كثيرًا من روادِها بسطاءُ لا علاقةَ لهم بالإنترنتِ، وهو نظامٌ في ظاهرِهِ الرحمةُ حيث تقلُّ أعدادُ المتقدمينَ من المرضى في كلِّ عيادةٍ ولكنهُ العذابُ لأنَّ الكثيرَ من المرضى لا يعرفونَ التعاملَ مع هذا النظامِ ولا يوجدُ مرشدونَ لهُ وظيفتُهم مساعدةُ كلِّ من يتفاجأُ بهذا النظامِ، فمثلًا لماذا لا تُخصصُ غرفةٌ بها أجهزةُ كمبيوترَ وموظفون يقومون بالحجزِ للمرضى ومساعدتِهم على استخدامِ هذا النظامِ؟
أما الإحباطُ الأكثرُ والأهمُّ فهو اختفاءُ عددٍ كبيرٍ من الأدويةِ، فمثلًا كنتُ أحتاجُ إلى دواءِ تخفيضِ ضغطِ الدمِ وهو دواءٌ هامٌّ جدًّا وضروريٌّ لأنهُ علاجٌ لمرضٍ مزمنٍ ومنتشرٍ وللأسفِ لم أجدْ هذا الدواءَ.. كنتُ في احتياجِ دواءٍ لتخفيضِ تخزينِ المياهِ في الجسمِ وهو الشهيرُ باللازِكسِ ولم أجدْ حتى هذا الدواءَ، ومن خلالِ طوابيرِ صيدليةِ العيادةِ اكتشفتُ أنَّ هناكَ أدويةً كثيرةً اختفتْ من التأمينِ الصحيِّ وللأسفِ لأمراضٍ مزمنةٍ لا يمكنُ الاستغناءُ عنها، علاوةً على ضجرِ الصيادلةِ وقلةِ عددِهم، حيث تقومُ صيدلانيةٌ واحدةٌ فقط بصرفِ الدواءِ لأعدادٍ كبيرةٍ من المواطنينَ الذين يصطفونَ سيداتٍ ورجالًا ولا تتوقفُ ألسنتُهم عن الاحتسابِ والشكوى من الظلمِ، أما لأسلوبِ الصيدلانيةِ الجافِّ والتي غالبًا ما لا تُجيبُ على أيِّ أسئلةٍ للمرضى الواقفينَ أمامَها، وأما لعدمِ وجودِ الأدويةِ..
بالفعلِ لقد تحولَ التأمينُ الصحيُّ إلى مأساةٍ تزيدُ من سخونةِ ودرجةِ حرارةِ الغضبِ لدى المواطنِ الذي يتلقى لطماتِ الحكومةِ ويتجرعُ أسوأَ أنواعِ العذابِ سواءً من الغلاءِ الفاحشِ أو ارتفاعِ أسعارِ البنزينِ الذي اشتعلَ في وجهِ المواطنِ ولم يجدْ ما يُهوِّنُ عنهُ اللطماتِ والكوارثَ التي أدتْ أيضًا إلى مرضِهِ واحتياجِهِ إلى التأمينِ الصحيِّ والذي هو أيضًا تخلى عنهُ وأصبحَ المواطنُ بلا مالٍ بلا صحةٍ بلا حتى صوتٍ يستطيعُ أن يعبرَ بهِ عن غضبِهِ..
التأمينُ الصحيُّ أهمُّ مؤسسةٍ هدفُها علاجُ المواطنِ من خلالِ اشتراكٍ يدفعُهُ وليس علاجًا مجانيًّا أو خدمةً مجانيةً، كما يحبُّ أصحابُ البلاطي البيضاءِ معاملةَ المواطنِ على أنهُ لاجئٌ يتسولُ العلاجَ..
ارحموا من في الأرضِ يرحمْكم من في السماءِ.