بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

«يا خبر»

زيارة «السيد العجوز»

فى علم السياسة، يُشار دائمًا إلى أهمية التوقيت، عندما نكون بصدد قضية مطروحة. ومما لا شك فيه أن توقيت زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى المنطقة بالغ الحساسية، خاصة أن الولايات المتحدة فاعل سياسى، لا نبالغ لو قلنا إنها متداخلة فى شتى القضايا العالمية. وفيما يخص منطقتنا «الشرق الأوسط»، يسعى الرئيس ترامب إلى لعب دور الوسيط لإنهاء الصراعات فى ظل تعقيدات متزايدة على أكثر من جبهة.

البيت الأبيض أعلن أن ترامب سيزور السعودية وقطر والإمارات من 13 إلى 16 مايو الجارى، وفى حين نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن إسرائيل قد يتم ضمها إلى الزيارة، سرعان ما خرج نفى أمريكى أن تكون إسرائيل ضمن الزيارة، ونقل موقع أكسيوس عن مسؤول أمريكى قوله إنه لا جدوى حاليًا من زيارة ترامب لإسرائيل فى إطار هذه الجولة.

بات واضحًا أن استمرار الحرب فى غزة بهذه الوتيرة هو السبب فى عدم شمول إسرائيل ضمن جولة ترامب بالشرق الأوسط، خاصة بعد قرار مجلس الوزراء الإسرائيلى المصغر يوم الثلاثاء الماضى باحتلال غزة وعزم جيش الاحتلال توسيع عمليته البرية فى رفح جنوبى القطاع، والذى أثار جدلًا واسعًا ليس فقط لدى المراقبين والوسطاء ومنهم الولايات المتحدة طبعًا، ولكن أيضًا فى الأوساط الإسرائيلية، إذ رفضته المعارضة وعائلات المحتجزين.

يبدو أيضًا أن شهر العسل بين نتنياهو وترامب قد انتهى وأن الأخير بدأ يستشعر أن نتنياهو صار عقبة فى طريق الطموحات الأمريكية أو بالأحرى «الترامبية» فى المنطقة، فالرئيس ترامب رجل الأعمال الذى يقف على عتبة الثمانين من عمره دخل السياسة كصفقة كبيرة، وليس لديه أى استعداد للخسارة، وعندما عاد للبيت الأبيض وعد بالسلام وتصفير الحروب طامعًا فى جائزة نوبل للسلام، لكنه فعليًا حتى الآن فشل فى تقديم أى حلول حقيقية، وهذا وضعه فى حرج، قد يدفعه لمحاولة انتزاع أى تقدم فى هذا الملف، وزيارته للمنطقة تمثل فرصة أخيرة لإحداث اختراق، خاصة مع تصاعد الضغوط الدولية والعربية لإدخال المساعدات ووقف سياسة التجويع التى تنتهجها إسرائيل فى غزة، وفى حين يسعى ترامب إلى استعادة مسار اتفاقيات أبراهام التى أطلقها فى نهاية ولايته الأولى عبر تعزيز التطبيع مع دول عربية جديدة تحت شعار إنهاء الحروب المزمنة وتحقيق الاستقرار الإقليمى، ويعلم جيدًا أن إنهاء الحرب أولوية عربية، يسعى نتنياهو مدفوعًا من اليمين المتطرف إلى إعادة احتلال غزة، وقد قالها وزير المالية الإسرائيلى اليمينى المتطرف بتسلئيل سموتريتش: «إن على العرب أن يستعدوا لنكبة جديدة»، وهنا فى تقديرى لن يتهاون ترامب مع نتنياهو وسيضطر لإظهار اهتمامه بالأولوية العربية، وفى حال نجح ترامب خلال زيارته بأن يجعل دولًا عربية تضغط لإقناع حركة حماس بقبول صفقة وقف إطلاق النار بهدف انتزاع إنجاز سياسى يعرضه أمام الرأى العام الأمريكى، سيمنح ترامب ورقة سياسية يسوقها للدول العربية كمدخل للتطبيع مع إسرائيل، رغم أن هذه الدول تشترط قيام دولة فلسطينية وليس فقط وقف العدوان، ولذلك نقول إن نتيجة هذه الزيارة لا تحمل مؤشرات فعلية لوقف الحرب، إلا إذا استجابت حماس للمقترح الأمريكى، فى ظل تصعيد إسرائيلى يرافقه حصار وتجويع ممنهج، وفى حين يواصل نتنياهو التصعيد لتحقيق أهدافه العسكرية على الأرض.

هناك ثغرة أخرى يريد ترامب بالطبع التعامل معها وهى أن الدول العربية الرافضة للتهجير لديها رغبة فى أن تلعب دورًا ضاغطًا عليه لدفعه نحو تبنى خطوات حقيقية باتجاه وقف إطلاق النار، وبذكر الضغط يمكننا أيضًا قراءة عدم إدراج إسرائيل ضمن جولة ترامب بالشرق الأوسط أنه يعكس ضغطًا أمريكيًّا غير مباشر لوقف الحرب، ما قد يدفع نتنياهو للقبول باتفاق، قد يتضمن صيغة إسرائيلية-أمريكية، مع تقديم بعض التنازلات لحماس، أبرزها تعهد واشنطن بدعم مسار مفاوضات لوقف الحرب بشكل شامل.

رغم أن الرئيس الأمريكى الآن يسعى إلى توظيف أدواته السياسية والدبلوماسية للضغط على حركة حماس من أجل القبول بمقترح مبعوثه ستيف ويتكوف لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، سواء بشكل مؤقت أو دائم، تتباين التقديرات بشأن قدرته على تحقيق تقدم ملموس فى ملف التهدئة، خاصة فى ظل الجمود الذى يخيّم على المفاوضات، ورفض حماس لأى مبادرة لا تتضمن إنهاء العدوان بشكل كامل. ومع ذلك، تشير المعطيات إلى أن زيارة ترامب المرتقبة ستتضمن محاولات لإحياء مسار التفاوض، وقد تحمل ضغوطًا سياسية جديدة تهدف إلى انتزاع تنازلات من الأطراف المعنية عبر التوصل إلى تهدئة مؤقتة بآلية جديدة، فتأجيل إسرائيل لأى تصعيد عسكرى يشير إلى وجود مفاوضات جدية، تدعمها رغبة أمريكية بإنهاء الحرب لأسباب اقتصادية وتجارية، بينها استئناف الملاحة البحرية.

أخيرًا: فى رأيى أن زيارة ترامب لن تُحدث تحولًا جوهريًا ما لم تقترن بإعادة ضبط للموقف الأمريكى من الدعم غير المشروط لإسرائيل، فالمنطقة لن تشهد تهدئة حقيقية دون كبح جماح العدوان الإسرائيلى المتسارع.