بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

بعد واقعة طفل دمنهور

د.جمال فرويز يكشف لـ"الوفد": علامات توضح التعرض للاعتداء الجنسي وكيفية التصرف|عوامل تؤثر على سرعة العلاج

الدكتور جمال فرويز
الدكتور جمال فرويز

في واحدة من أبشع الجرائم التي هزت الضمير الإنساني والمجتمع المصري بأسره، تعرض الطفل ياسين البالغ من العمر خمس سنوات لجريمة تحرش جنسي مروعة داخل أسوار مدرسته في مدينة دمنهور، على يد مراقب مالي يبلغ من العمر 78 عامًا، لم تقع الجريمة في شارع مظلم أو مكان مهجور بل في مؤسسة يفترض بها أن تكون حضناً تربوياً وتعليمياً آمنا ولكن للأسف تحولت المدرسة إلى مسرح لواحدة من أفظع صور انتهاك الطفولة.

‏ولإلقاء الضوء على الآثار النفسية العميقة التي تخلفها مثل هذه الجرائم على نفسية الطفل أجريت "بوابة الوفد الإلكترونية" ‏تصريح خاص مع الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وعلاج الأطفال والبالغين، والذي قدم تحليلا دقيقا حول ما حدث، وأوضح كيف يمكن للأسرة والمجتمع التعامل مع ضحايا التحرش.

 

الدكتور جمال فرويز
الدكتور جمال فرويز

‏كيف يؤثر التحرش الجنسي على الصحة النفسية للطفل في مثل عمر ياسين؟


‏أوضح دكتور جمال فرويز أن تأثير التحرش الجنسي على الطفل يرتبط بثلاثة عوامل أساسية: سن الطفل، عدد مرات التعرض، ونوع التحرش، فإذا كان الطفل أقل من ثلاث سنوات وتعرض لملامسة خارجية فقط، قد لا يتكون لديه وعي واضح بالحدث، وبالتالي التأثير قد يكون محدوداً، لكن إذا كان هناك عنف أو إصابات جسدية ‏فإن الأثر يكون ممتداً مدى الحياة.

‏أما في سن الأربع سنوات فأكثر، الطفل يكون في مرحلة بدأ فيها تكوين ذاكرة ووعي نسبي بما يدور حوله، وبالتالي أي حادثة تحرش تُسجل داخل ذاكرته وتظل ملازمة له، وقد تؤثر على الثقة في الآخرين وتقديره لذاته والتعبير عن ما يشعر بها، كما تخلق شعورا دائما بالذنب أو الخجل أو الرغبة في الانتقام دون قدرة على التنفيذ.

 

‏ما العلامات التي قد تشير إلى تعرض الطفل للتحرش جنسي حتى إذا لم يفصح بذلك؟


‏يؤكد دكتور فرويز أن الصمت لا يعني الأمان، فغالبية الأطفال لا يتحدثون عن تجاربهم المؤلمة، وقد يكتمونها لسنوات، هناك تظهر بعض العلامات التي يجب أن تلتقطها الأسرة مثل: اضطرابات النوم، فقدان الشهية العظمى الاجتماعية والانطواء، ‏الشعور بالخجل، سلوكيات عدوانية، والرفض القاطع للذهاب إلى مكان معين كان طفله يحبه سابقا (والأغلب يكون هذا المكان هي واقعة التحرش)، ‏بجانب وجود ألم غير مبرر في منطقة التناسلية موجود آثار على ملابسه.

 

‏ما الدور النفسي الذي يجب أن تلعبه الأسرة فور اكتشاف الواقعة؟


‏ يشدد الدكتور جمال فرويز على أن رد الفعل الأول للأسرة حاسم للغاية، ويجب أن يتسم بالدعم والهدوء الكامل، فلا ينبغي أبداً توبيخ الطفل أو التشكيك في روايته أو الصراخ عليه، بل يجب احتواؤه نفسيا.

‏وأكد أن الإحصاءات تشير إلى أن 80% من حالات التحرش تتم في نطاق الأسرة أو المعارف، لذا لابد من اليقظة وعدم الثقة المطلقة في كل المحيطين بالطفل حتى الأقارب، حيث يجب توخي الحذر لأن إذا تكررت هذه الحادثة أكثر من 5 مرات قد يطلب الطفل بنفسه هذا السلوك، نتيجة الخلل في إدراك الصواب والخطأ بعد التكرار، وهنا يكون الخطر النفسي أشد.

 

‏ما مدى أهمية التدخل النفسي المبكر في مثل هذه الحالات؟


‏يقول دكتور جمال فرويز: "التدخل المبكر قد ينقذ حياة طفل كاملة"، فعند ظهور أولى المؤشرات الاكتئاب، اضطرابات النوم، أو ظهور رغبة الطفل الغريبة في تكرار الموقف دون فهم، يجب ‏التوجه إلى طبيب نفسي متخصص على الفور.

‏ويوضح أن التأخر في التدخل النفسي يجعل من الصعب لاحقاً تصحيح المفاهيم المختلفة التي تكونت لدى الطفل، وقد يتسبب في امتداد الأثر مع كبر السن باضطراب نفسية أكثر تعقيداً.

 

‏هل يمكن للطفل أن يتعافى نفسيا بشكل كامل بعد التعرض لمثل هذه التجربة؟


‏نعم، يمكن الطفل أن يتعافى لكن هناك عوامل تؤثر في مدى التعافي مثل: سن طفل وقت التحرش، عدد مرات التحرش، طبيعة الدعم النفسي الذي حصل عليه، المدة الزمنية بين الحادثة وبداية العلاج.

‏كلما كان السن أصغر وكلما حصل التدخل مبكراً، زادت فرص الشفاء الكامل، أما إذا تكرر الاعتداء أو كان ‏الضحية أكبر سناً فالتعافي سيكون أصعب وقد يستغرق وقتا أطول، لكنه ليس مستحيلاً.

كيف يمكننا توعية الأطفال جنسياً بطريقة تحميهم دون التسبب لهم في الخوف؟


‏يرى دكتور "فرويز" أن التوعية الجنسية لا تعني تخويف الطفل، بل تعني تزويده بالمعرفة بلغة تناسب عمره، حيث يمكن للأهل تعليم أطفالهم لا يسمح لأي شخص بلمس أجسادهم خاصةً المناطق الخاصة، ولا يجوز لأحد أن يطلب منهم خلع ملابسهم، عدم الذهاب مع الغرباء أو حتى المعارف في مكان بعيد، ‏تكرار عبارات الحماية دون ترويع مثل: "جسمك ملكك، محدش له حق يلمسه"، "لو حد ضايقك لازم تقول لي فورا".

‏ويوضح أن في بعض المدن والقرى قد يكون هناك أشخاص معروفين بتحرشهم للأطفال ففي هذه الحالة يجب تحذير الطفل من أن يتحدث مع هذا الشخص، مع التزام الأسرة ‏بالزهور الدائم مع الطفل أمام هذا الشخص لأن المتحرش غالباً ما يكون جباناً يستغل ضعف الطفل وعجزه عن المواجهة.

 

هل من الممكن أن يبدأ الضحية مرحلة التعافي بعد مرور سنوات طويلة على الواقعة؟

 

‏يشير دكتور جمال فرويز إلى أن هناك حالات كثيرة بدأت في تذكر حادثة التحرش بعد 30 عاماً وأكثر، وغالبا ما تأتي هذه الذكرى في صورة كوابيس واضطرابات نفسية أو اكتئاب مزمن ‏دون سبب واضح.
‏وبعد الحديث مع الطبيب النفسي وبداية جلسات العلاج، تبدأ عملية "التفريغ النفسي"، والتي تمنح المريض راحة وبدءًا لرحلة الشفاء، خاصة عندما يشعر الضحية أنه ليس وحده وأنه ليس مذنباً، وأنا ما تعرض له لا يقلل من قيمته.

 

الحكم على المتهم في واقعة دمنهور

‏وفي لافتة سرقت قلوب المجتمع بأسره، ظهر الطفل ياسين ‏داخل قاعة محكمة جنايات دمنهور وهو يرتدي ماسك "سبايدر مان"، كرم الشجاعة وعدم الخجل وهو ما ابكى القلوب، وأخذ العدل مجراه وتم الحكم على الجاني بالسجن المؤبد.

‏هذه الواقعة ليست مجرد قضية شخصية بل ناقوس خطر يدق على أبواب كل أسرة، لذلك يجب تكثيف الوعي لدى جميع أفراد الأسرة والتأكيد على الاحتواء والشعور بالأمان داخل كل منزل حتى يستطيع الطفل أن يعبر عن ما يتعرض له دون خوف، فكم طفل مثل ياسين تعرض لهذا الحادث ولم يجد من يحنو عليه ويساعده لتخطي هذه المرحلة الصعبة والعلاج النفسي لبداية صفحة جديدة خالية من التشوه النفسي.