صواريخ
شطحات ترامب.. ومستقبل العالم
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يشكل ظاهرة سياسية جديدة، ليس فى الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، وإنما فى العالم أجمع، وربما يكون هوسه بالإعلام وشغل الرأى العام الأمريكى والدولى بصفة مستمرة، أحد أسباب هفواته وصداماته التى أدت إلى انهيار شعبيته فى الداخل الأمريكى لأدنى مستوى لها خلال المائة يوم الأولى من حكمه، وتسببت فى مظاهرات ضده فى معظم الولايات الأمريكية فى سابقة جديدة لم تعهدها الولايات المتحدة الأمريكية، وتأتى ردود الأفعال الغاضبة فى الداخل والخارج نتيجة سياسات ترامب التصادمية مع الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء، وظهرت جليًا فى حربه التجارية والتى جاءت بنتائج عكسية على الاقتصاد الأمريكى ويدفع ضريبتها الآن المواطن الأمريكى، وهو ما دفع ترامب للتراجع وتأجيل زيادة الرسوم الجمركية لثلاثة أشهر جديدة تحت مزاعم فتح باب التفاوض مع الدول للوصول إلى صيغة اتفاق، بينما استمرت حربه التجارية مع الصين التى فاجأت ترامب بالتصعيد، والثبات على موقفها فى معاملة الولايات المتحدة - الند بالند - لأول مرة فى دلالة على قوة الصين والذهاب إلى عالم جديد متعدد الأقطاب، والذى يساهم ترامب فى تحقيقه نتيجة اندفاعه وقراراته العشوائية.
آخر هفوات ترامب كانت قبل أيام عندما كتب على منصته الاجتماعية الخاصة، أنه يجب السماح بمرور السفن الأمريكية العسكرية والتجارية عبر قناتى بنما والسويس مجانًا، مضيفًا أنه لولا الولايات المتحدة ما كانتا هاتين القناتين، وأضاف ترامب أنه كلف وزير خارجيته مارك روبيو ببحث وتحقيق هذا الهدف مع بنما ومصر، وإذا كان هناك تاريخيًا ما يبرر تصريحات ترامب بالنسبة لبنما، فإن الغريب والمدهش هو حديثه عن قناة السويس، فى سقطة تنم عن محاولة ابتزاز واضحة لمصر، وفى إطار سياسة الابتزاز التى يمارسها على كثير من دول العالم، بهدف خفض الدين العام للولايات المتحدة الأمريكية الذى تجاوز 36 تريليون دولار، ويتجه نحو الزيادة ويشكل مخاطر جمة على الاقتصاد الأمريكى الذى بات يعانى من التضخم، ويبدو أن الرئيس الأمريكى يستدعى المثل المصرى الشهير - الخواجة لما يفلس يبحث فى الدفاتر القديمة - خاصة أن ترامب سبق وأشار إلى أن ضرباته للحوثى فى اليمن بهدف تأمين التجارة فى البحر الأحمر كلفت بلاده مليار دولار يجب أن تتحملها دول المنطقة، فى تناقض شديد للحقيقة والواقع الذى يؤكد أن إسرائيل هى من دفعت الحوثى للاعتداء على السفن المتجهة إليها، ولولا العربدة الإسرائيلية لأصبحت هذه المنطقة أكثر مناطق العالم استقرارًا ونموًا.
الحقيقة أن مصر الرسمية لم ترد على شطحات وفقاعات ترامب، ولكن فى المقابل كانت ردود الفعل تشكل تدخلاً فى السيادة المصرية على قناة السويس التى حفرها المصريون بدمائهم قبل أن يكون للولايات المتحدة وجود، على اعتبار أن فكرة حفر القناة كانت فى بداية القرن 19 بعد تولى محمد على حكم مصر فى 1805 ورفضه للفكرة خشية التدخلات الأجنبية ثم عادت الفكرة بجدية عام 1854 ومنح الخديو سعيد امتياز حفر القناة لديلسبس لتبدأ عمليات الحفر الفعلية عام 1859 وتستمر لمدة عشر سنوات فقدت فيها مصر 120 ألف شهيد، وتم افتتاح القناة عام 1869 فى حفل أسطورى عالمى دعا فيه الخديو إسماعيل ملوك ورؤساء وزعماء العالم، وبالطبع لم تشارك الولايات المتحدة على اعتبار أنها لم تكن دولة موحدة وكانت تعج بالصراعات الداخلية والحرب الأهلية، على جانب آخر أثارت تصريحات ترامب ردود أفعال بعض الخبراء والمتخصصين الذين أكدوا أن مثل هذه الفقاعات الهدف منها تحصيل أكبر فائدة تجارية ممكنة، ولكن فى المقابل مثل هذه التصريحات العشوائية يمكن أن تؤدى إلى فوضى تهدد استقرار الممرات المائية الدولية وتمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.
حفظ الله مصر