الاقتصاد المصرى ينتظر طوق النجاة
الديون تلتهم التنمية

«بدرة»:
خفض سعر الفائدة 2.25% يحسن بيئة الاستثمار ويخفف أعباء الموازنة
«غراب»:
نحتاج إلى دعم وتحفيز القطاعات الإنتاجية
«عبدالسلام»:
ضرورة العمل على الصناعات التحويلية وتطوير الإيرادات غير الضريبية
«المسير»:
«مافيا السبوبة» تحارب توطين صناعة وطنية

رغم أن حجم الديون وفوائدها فى الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجديد 2025 60.3% من حجم الموازنة, إلا أن تحقيق نمو اقتصادى ورفع معدلات الناتج القومى وإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد المصرى, ما زال ممكنا, إذا ما انتهجت الدولة سياسات نقدية توسعية استثمارية خلال العامين المقبلين, من خلال العمل على تطوير منظومة الإيرادات غير الضريبية فى قطاعات الصناعات التحويلية والإلكترونية والسياحة والاتصال والنقل, والاستحواذ على أكبر نسب ممكنة من عقود الغاز الآجلة والاستثمارات المباشرة فى المنطقة, واستبعاد السياسات المالية الادخارية مثل شراء الذهب وتحريك الوقود للحفاظ على سلاسل النقل التى تمثل 30% من قيمة أى منتج, والسيطرة على التضخم وارتفاع الاسعار والرقابة الصارمة على الأسواق, ومحاربة الارتفاعات غير المبررة للمنتجات الأساسية, مع الاستمرار فى تطوير منظومة الصحة والزراعة والتعليم.
«الوفد» تواصلت مع عدد من خبراء الاقتصاد, الذين قدموا حلولا بمثابة (روشة انقاذ) لأوضاع الاقتصاد فى مصر.
اقتراض فى أضيق الحدود

يقول الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادى، إن الاقتراض نوعان (حكومى ـ قطاع خاص) والدولة تسعى إلى تحجيم الاقتراض خلال الأعوام القادمة عن طريق اللجنة العليا للاقتراض، بهدف الحفاظ على معدلات التنمية والنمو ورفع معدلات التشغيل، ولكن يبقى السؤال متى يتحقق النمو على أرض الواقع؟، حينما يتم ضبط إيقاع الاقتراض.
وتابع الدكتور مصطفى بدرة: على الدولة إن أرادت تحقيق معدلات نمو فى ظل أن 60.3% من ميزانية الدولة أقساط وديون، أن يكون الاقتراض فى أضيق الحدود لتنمية الاستثمارية والتشغيلية، وعدم السماح لأى مؤسسة أو هيئة أو شركة بالاقتراض من الخارج، إلا للضرورة القسوى، على أن يكون للاقتراض مردود ايجابى لزيادة معدلات النمو عبر دراسة جدوى تحقق النمو والسداد وهامش الرباح وانجازات التشغيل.
وأكد «بدرة» أن تخفيض سعر الفائدة 2.25% سيكون له مردود ايجابى على الموازنة العامة للدولة، لأنها ستوفر 150 مليار جنيه من خدمة الدين، يعنى لو الحكومة قررت الاقتراض الآن الــ 2.25% يخفض لها 150 مليار جنيه من خدمة الدين فى السنة، ما من شأنه تخفيف الأعباء على الموازنة، اضافة إلى نشاط وتحسين بيئة الاستثمار، ويتيح للمستثمرين الاقتراض (الداخلي) مع خفض أسعار الفائدة، سواء قروض الاستثمار لـ (سيارات ـ عقارات ـ صناعة ـ منتجات).
وحول أوجه الإنفاق على القطاعات الحيوية فى ميزانية 2025 ـ 2026، مثل: الصحة والتعليم ضمن مخصصات لـ40% المتبقة موازنة الديون، أوضح أن الدولة تتحدث عن توطين الصناعة وزيادة حركة الاستثمار والتنمية المستدامة وخطة مصر 2030.
وبالنسبة لسد احتياجات الدعم فى قطاعات الصحة والتعليم والتموين.
وقال: إن هناك قطاعات سيرفع عنها الدعم مثل التموين وتحول الدعم العينى إلى نقدى، وهو أوفر على الدولة من العينى فى التسهيلات والإجراءات ومنع التجاوزات والفساد والنقل والمخازن والعمالة، كل هذه الأمور توفر على الدولة.

محفزات استثمارية
أكد الدكتور أشرف غراب الخبير الاقتصادى، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، أن تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلى بصفة مستمرة يستلزم عدد من العوامل، أولها: استمرار الدولة فى تقديم التيسيرات والمحفزات الاستثمارية للمستثمرين منها التوسع فى إصدار الرخصة الذهبية وحزمة الحوافز والتيسيرات الضريبية والتسهيلات الجمركية، إضافة إلى توفير الأراضى الصناعية لكافة المشروعات الاستثمارية، إضافة إلى طرح العديد من المبادرات التمويلية بفائدة مخفضة لمساعدة المستثمرين فى المشروعات الصناعية والزراعية والسياحية والإنتاجية بكافة أنواعها على التوسع فى مشروعاتهم القائمة وزيادة الإنتاج.
أوضح الدكتور أشرف غراب، أنه لتحقيق معدلات نمو مرتفعة وزيادة الإيرادات الدولارية للدولة يجب التركيز على دعم وتحفيز القطاعات الإنتاجية خاصة فى قطاعات الصناعات التحويلية والزراعة والاتصالات وتكنلوجيا المعلومات والقطاع الفندقى والسياحى، إضافة إلى تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للمساهمة فى تعزيز قطاع الصادرات، إضافة لتحسين كفاءة الإنفاق الحكومى وتوجيهه نحو المشروعات ذات العائد الاقتصادى المرتفع، إضافة إلى الاستمرار فى تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته فى الاقتصاد الوطنى والاستمرار فى تقديم كافة المحفزات والتيسيرات والمحفزات وكل المشكلات والعقبات التى تواجهه، إضافة لاستمرار الدولة فى حل مشاكل المصانع المتعثرة والمغلقة، إضافة إلى مواصلة الدولة فى تصنيع السلع الغير ضرورية التى يتم استيرادها من الخارج، وتقديم الدعم للقطاع الخاص لتصنيعها وإحلالها محل الواردات من أجل تقليص فاتورة الاستيراد وزيادة حجم الصادرات وتقليل عجز الميزان التجارى، إضافة إلى الاستمرار فى تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التى تعزز قدرة الاقتصاد الوطنى على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، وضرورة الاستمرار فى تحسين مناخ الاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى الحفاظ على استقرار سعر الصرف، إضافة إلى الاستمرار فى التقدم التكنولوجى، والاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية.
تابع غراب، أن قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى بخفض سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 225 نقطة أساس إلى 25.00% و26.00% و25.50%، على الترتيب، جاء موافقا للتوقعات نتيجة عدد من العوامل أولها تعافى النشاط الاقتصادى خلال الربع الأول من العام الجارى وأن التعافى مستمرا للربع الرابع على التوالى، فقد سجل معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى لمصر ارتفاعا ملحوظا ليصل إلى 4.3% خلال الربع الثانى من العام المالى 2024/2025، وأن استمرار تعافى النشاط الاقتصادى المستدام يدعم الاتجاه النزولى للتضخم خلال فترة زمنية قصيرة.
أوضح غراب، أن لجنة السياسة النقدية لجأت لتخفيض سعر الفائدة رغم ارتفاع معدل التضخم خلال شهر مارس إلى 13.6% مقابل 12.8% خلال فبراير الماضى لأنه يعد ارتفاعا طفيفا نتيجة زيادة الطلب فى شهر رمضان على السلع بالاسواق، لكن الاتجاه النزولى للتضخم كان هو السائد خلال الشهور الماضية، موضحا أن لتراجع معدل التضخم خلال الشهور الماضية فقد أصبح هناك فارق كبير بين سعر الفائدة الحالى ومعدل التضخم ما جعل هناك اتساعًا فى العائد الحقيقى على الجنيه وهذا منح البنك المركزى مساحة كافية لخفض سعر الفائدة فى الوقت الحالى لدعم الاقتصاد وتحفيز الإقراض والنشاط الاقتصادى.
تابع غراب: أن خفض سعر الفائدة جاء بنسبة ليست كبيرة لأن تصاعد الحرب التجارية بعد فرض الرئيس الأمريكى رسومًا جمركية على كافة دول العالم تثير حالة من القلق وعدم اليقين فى الأسواق العالمية، وهو ما دفع البنك المركزى المصرى من الحذر وخفض سعر الفائدة بنسبة قليلة بالتزامن مع تعليق ترامب العمل بالرسوم على عشرات الدول لمدة 3 أشهر، موضحا أن خفض الفائدة فى التوقيت الحالى يعزز الاستثمار الأجنبى المباشر ويقلل من تكلفة الاقتراض على القطاع الخاص.
وأشار غراب، إلى أنه بعد قرار البنك المركزى بخفض سعر الفائدة قد تتجه البنوك لخفض سعر الفائدة على شهادات الادخار، خاصة وأن بعض البنوك خفضت أسعار الفائدة على الشهادات، موضحًا أن بعض البنوك الحكومية لديها شهادات ذات عائد مرتفع بلغ 23.5% شهريا و27% سنويا وشهادة 30% الثلاثية، وهى الأعلى بالسوق المحلية، مضيفا أنه من المتوقع أن تجتمع البنوك خلال الأيام القليلة المقبلة لبحث مصير شهادات الادخار ذات العائد المرتفع.

تقليل فاتورة الاستيراد
يقول الدكتور محيى عبدالسلام، الخبير المالى، إنه يمكن إنقاذ اقتصاد مصر رغم أن حجم الدين فى الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجديد 2025 ـ 2026 يمثل 60.3% وما يهمنا ليس حجم الديون، ولكن تقليل فاتورة الاستيراد ورفع حجم الانتاج والصادرات، وفى حال عملت الدولة على تطوير منظومة الإيرادات غير الضريبية، والعمل على تقليل النفقات، وتغيير أولويات الانفاق الحكومى على المشروعات القومية، وتوجيه أولويات الدولة إلى مشروعات صناعية وزراعية وصحية وتعليمية مستدامة على المدى الطويل، تحل مشاكلنا الاقتصادية وتسدد الديون مع الحفاظ على نسب التضخم والعمل على خفضه وحركة العملة وتوفيرها، فكل ما نحتاج إليه (إدارة موارد مصر على الوجه الأمثل)، خاصة مع ارتفاع تحويلات العاملين فى الخارج إلى 200% عن العام الماضى بمعدل 40 مليار دولار، وفى حال استقرت الأوضاع الجيوسياسية فى البحر الأحمر، ستضيف قناة السويس عوائد كبيرة أيضا، إلى جانب موارد السياحة والسيطرة على العقود الآجلة للغاز، والعمل على الصناعات التحويلية بدلا من تصدير الخامات، ورفع نسب التصنيع وتشغيل البطالة.
وأكد عبدالسلام، أن الدولة تتخذ مسارا جديدا فى السياسات النقدية التوسعية الاستثمارية، كان أولها: خفض سعر الفائدة 2.25% ما من شأنه توفير 150 مليار جنيه على موازنة الدولة وتخفيف أعباء الديون (فوائد الديون)، مشيرا إلى حجم التضخم وصل فى الربع الأخير من 2024 إلى 44%، ومع تعديل السياسات النقدية الإدخارية إلى السياسات الاستثمارية والاستهلاكية تراجع التضخم إلى 24% فى يناير 2025، مؤكدا أن السياسات النقدية فى رفع أو خفض سعر الفائدة هدفها الأول (السيطرة على معدلات التضخم والحفاظ على الأموال الملتهبة فى السوق المصرى، وهى استثمارات الطروحات والسندات، غير الاستثمارات المباشرة تكون أفضل للأسواق واستقرارها)، اضافة إلى تحفيز المستثمرين من خلال ضخم أموال فى الأسواق بدلا من السياسة الادخارية (شراء الذهب) وتنشيط حركة العرض والطلب ورفع معدلات النمو الاقتصادى.
وأوضح «عبدالسلام» أن معدل النمو فى الناتج القومى خلال السنة المالية 2024_ 2025 وصل إلى 4.2%، وهى نسب مبشرة، والسياسات النقدية التوسعية تحفز معدلات النمو خلال الفترة المقبلة، وللسيطرة على نسب التضخم نحتاج إلى رقابة صارمة على الأسعار والأسواق ووفرة المعروض من المنتجات لتثبيت الأسعار، وإذا لم نستغل فرص خفض سعر الفائدة فى جذب الاستثمار المباشر واستغلال مسار التعديلات فى السياسات النقدية الحالية، ستواجه ارتفاعات فى التضخم وبالتالى خفض قيمة الجنية أمام الدولار، فالسوق الآن مرن ومعنى ذلك أن القيمة الحقيقية للجنيه هى المعروضة، فالسوق يقاس بالعقود الآجلة ونسبتها 52 % الآن من حجم التعاقدات (اكتشافات البترول والمعادن)، وعلينا اليقظة للسوق والمتابعة، فاذا استمرت ارتفاعات أسعار الذهب والوقود والنقل الذى يمثل 30% من قيمة أى سلعة، ستتحول العقود الآجل إلى قصيرة الآجل، وهنا سيحدث ارتفاع فى التضخم والأسعار والدولار، والاولى من ذلك ضخ استثمارات ومنح إعفاءات جمركية واستثمارية وضريبية وتقديم امتيازات للمستثمر مع الرخصة الذهبية والضريبة الموحدة.
وأضاف قائلًا: كل مشكلتنا فى توفير الدولار لسداد الديون وفوائدها واستيراد احتياجات السوق المصرى، وكل ما نحتاجه التشغيل والإنتاج ولدينا موارد متعددة من السياحة والمستثمر يثق فى السوق المصرى رغم الأوضاع فى المنطقة، اضافة إلى جذب مستثمرين للمشروعات الصغيرة والصناعات التحويلية والسيارات والالكترونيات ومصر لديها وفرة وميزة نسبية وتنمية مستدامة وايدى عاملة ومواد رخيصة، وكل ذلك يدعم الصناعة الوطنية وجذب المستثمرين، مشكلة مصر فى الإدارة وليس فى نسبة الديون بالموازنة العامة للدولة، ما يهم نسبة التصنيع وتقليل الاستيراد وتوفير العملة من خلال تصدير منتجات تحويلية مصنعة وليس مواد خام، مع تطوير التعليم والصحة.

ضبط الأسعار وتشديد الرقابة
يقول الدكتور سمير المسير، الخبير الاقتصادى، إن قرار البنك المركزى بخفض سعر الفائدة تأخر 6 اشهر، لأنه يقييم سعر الفائدة كل ثلاثة أشهر ولكنه استمر فى تثبيت الفائدة ثلاث مرات على التوالى.
وأوضح الدكتور سمير المسير، أن خفض سعر الفائدة كان إلزاميًا وحتميًا مع تراجع نسب التضخم، كما يجب على الحكومة ضبط الأسعار فى الأسواق عبر آليات وأدوات رقابية بالتعاون مع المحليات، إضافة إلى ضبط تكلفة السلع وتحديد هامش الربح مع الحفاظ على سياسات السوق الحر لتثبيت أسعار السلع.
وأشار إلى أن خفض سعر الفائدة سيعود بالإيجاب على تراجع نسب التضخم والأسعار وثبات أسعار الدولار والذهب، والأهم تراجع الاقتراض ومعنى ذلك خفض تكلفة الانتاج، وبالتالى خفض أسعار مختلف السلع ما يُسهم فى علاج التضخم.
وبين «المسير» أن المنتج عندما يقترض بسعر فائدة عالية تعمم الفائدة على المُنتجات، ومعنى تخفيض الفائدة أن سعر فائدة الاقتراض أقل أيضا، وبالتالى ستكون تكلفة الانتاج أقل ما سينعكس على سعر المنتج، وخفض الفائدة يجذب الاستثمارات المباشرة بعيدا عن الإيداع بفائدة.
وأكد أن نمو الاقتصاد المصرى فى ظل ميزانية 2025 ـ 2026، والتى يمثل 60.3% منها أقساط وديون على الدولة «ممكن» مع التشغيل والانتاج، وانتهاز فرصة حرب البرندات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وجذب الشركات المصنعة للاستثمار فى مصر، ولدينا عمالة مواد اسعارها زهيدة مقارنة بالعمالة الأجنبية واسعار الطاقة، وستصبح مصر سوق تصديرى بدلا من الاستيراد وتشغيل البطالة، فمثلا المغرب بعد الشراكة مع فرنسا استطاعت تصنيع سيارات الرينو بالكامل، ولكن دائما ما يقف (مافيا السبوبة) من المستوردين والمصدرين فى اى خطوات نحو توطين صناعة محلية، لذلك يجب وضع استراتيجية وطنية لجذب الاستثمار والصناعة بعيدا عن «أصحاب المصالح»، وطرح برامج انتاج، ستكون عناصر تكلفة الانتاج أرخص، ويجب ان يكون الاستثمار مباشر بعيدا عن الاطروحات وأدوات الدين، لأن مع اى أزمة يسحب المستثمر أمواله ويبيع السندات وتذليل العراقيل أمام الاستثمار المباشر سواء كان المستثمر محلى أو أجنبى والحفاظ على استقرار السوق والعملة والعمل على إنهاء خدمات الضريبة الموحدة والرخصة الذهبية للاستثمار.