بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

تقليصُ الوجودِ الأمريكيِّ في سوريا: حساباتُ واشنطنَ وغضبُ تلَّ أبيبَ

يشهدُ الوجودُ الأمريكيُّ في سوريا تحولًا ملحوظًا، مع تزايدِ المؤشراتِ على رغبةِ واشنطنَ في تقليصِ وجودِها العسكريِّ في المنطقةِ، خاصةً في شمالِ وشرقِ سوريا. هذا التحولُ لا يقتصرُ أثرُهُ على الداخلِ السوريِّ فحسبُ، بل يثيرُ أيضاً ردودَ فعلٍ قويةً لدى حلفاءِ الولاياتِ المتحدةِ، وعلى رأسِهم إسرائيلُ، التي ترى في الانسحابِ الأمريكيِّ تهديدًا لمصالحِها الأمنيةِ والاستراتيجيةِ.
تقفُ عدةُ عواملَ وراءَ هذا التوجهِ الأمريكيِّ نحو الانسحابِ أو تقليصِ القواتِ:
أولًا: التركيزُ على أولوياتٍ أخرى: تسعى إدارةُ الرئيسِ الأمريكيِّ إلى إعادةِ ترتيبِ أولوياتِها الاستراتيجيةِ، والتركيزِ على التحدياتِ الكُبرى مثلَ الصينِ وروسيا، وتقليلِ الانخراطِ في صراعاتِ الشرقِ الأوسطِ المُكلفةِ.
ثانيًا: الرأيُ العامُّ الداخليُّ: هنالك ضغوطٌ داخليةٌ متزايدةٌ تطالبُ بإنهاءِ “الحروبِ التي لا تنتهي” وإعادةِ الجنودِ الأمريكيينَ إلى وطنِهم.
ثالثًا: التنسيقُ مع الحلفاءِ: هناك توجهٌ أمريكيٌّ لإعادةِ توزيعِ العبءِ الأمنيِّ في المنطقةِ على حلفاءَ محليينَ، مثلَ “قواتِ سوريا الديمقراطيةِ” أو شركاءَ إقليميينَ آخرينَ.
غضبُ إسرائيلَ ومخاوفُها
يمثلُ الوجودُ الأمريكيُّ في سوريا عنصرًا استراتيجيًّا لإسرائيلَ لعدةِ أسبابٍ أبرزُها:
الردعُ ضدَّ إيرانَ: ترى إسرائيلُ في القواتِ الأمريكيةِ حاجزًا للتمددِ الإيرانيِّ عبرَ سوريا نحو لبنانَ.
الدعمُ اللوجستيُّ والاستخباراتيُّ: تعتمدُ إسرائيلُ جزئيًّا على الوجودِ الأمريكيِّ في سوريا في عملياتِ التنسيقِ الأمنيِّ والتجسسِ على تحركاتِ إيرانَ وحزبِ اللهِ.
رسائلُ الردعِ الإقليميِّ: يُعتبرُ الوجودُ الأمريكيُّ رمزيًّا لإظهارِ قوةِ التحالفِ الغربيِّ، وأيُّ انسحابٍ يُفسرُ كضعفٍ في سياسةِ الردعِ.
ومع تواترِ التقاريرِ عن خططِ تقليصٍ أو إعادةِ انتشارِ القواتِ الأمريكيةِ، عبّرتْ إسرائيلُ بوضوحٍ عن قلقِها، ورفعتْ مستوى التنسيقِ مع واشنطنَ لتفادي ما تعتبرُهُ فراغًا قد تستغلُهُ إيرانُ أو حتى روسيا في المنطقةِ.
ما هي السيناريوهاتُ المُحتملةُ
يمثلُ السيناريو الأولُ انسحابًا تدريجيًّا ومُنسقًا: قد تلجأُ فيه واشنطنُ إلى تقليصٍ تدريجيٍّ مدروسٍ مع ضمانِ عدمِ انهيارِ الوضعِ الأمنيِّ، وهو ما قد يُخففُ من مخاوفِ إسرائيلَ نسبيًّا.
أما السيناريو الثاني، فقد يشملُ انسحابًا مفاجئًا أو غيرَ مُنظمٍ: حيثُ أنَّ تكرارَ سيناريو الانسحابِ من أفغانستانَ سيكونُ كارثيًّا من وجهةِ نظرِ إسرائيلَ، لأنه يمنحُ إيرانَ فرصةً ذهبيةً لتثبيتِ وتعزيزِ وجودِها مُجددًا في سوريا.
أخيرًا، يتضمنُ السيناريو الثالثُ قيادةَ التنسيقِ مع حلفاءَ محليينَ: حيثُ قد تسعى الولاياتُ المتحدةُ لتعويضِ تقليصِ وجودِها بتعزيزِ الدعمِ العسكريِّ والاستخباراتيِّ لحلفاءَ مثلَ “قسد” أو حتى تقويةِ التنسيقِ مع الأردنِّ أو بعضِ القواتِ في العراقِ.
يمثلُ تقليصُ الوجودِ الأمريكيِّ في سوريا تحولًا في السياسةِ الأمريكيةِ تجاهَ الشرقِ الأوسطِ، لكنهُ في الوقتِ نفسِهِ يضعُ حلفاءَ واشنطنَ في مأزقٍ استراتيجيٍّ، وعلى رأسِهم إسرائيلُ التي تشعرُ بأنها ستُتركُ في مواجهةٍ منفردةٍ مع خصومِها الإقليميينَ. وبينَ الرغبةِ الأمريكيةِ في التحررِ من التزاماتِ الشرقِ الأوسطِ، والقلقِ الإسرائيليِّ من تبعاتِ هذا الانسحابِ، تبقى سوريا ساحةً مفتوحةً لإعادةِ رسمِ التوازناتِ في المنطقةِ من جديدٍ.