بناء نفق تحت جبال الألب في مشروع عملاق يمتد لـ 70 عامًا
نفق عملاق في خطوة تعيد تشكيل مستقبل فيزياء الجسيمات، تتجه أنظار العالم نحو جبال الألب السويسرية حيث يتم التخطيط لبناء نفق عملاق يمتد لمسافة 91 كيلومترًا، ليحتضن ما يعرف بـ "المصادم الدائري المستقبلي" أو FCC.
هذا المشروع الطموح، الذي من المتوقع أن يستمر لمدة سبعة عقود، سيكون تتويجاً لمسيرة علمية انطلقت مع مصادم الهدرونات الكبير، لكنه يتجاوزه حجمًا وطموحًا وتأثيرًا.
من مصادم الهدرونات إلى آفاق جديدة

بعد عقود من النجاح في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية "سيرن"، استطاع بوزون هيغز اكتشاف إشارات لجزيئات وقوى جديدة، اقترب مصادم الهدرونات الكبير من نهاية مسيرته المقررة خلال خمسة عشر عاماً، لكن العلماء لا يخططون للوقوف عند هذا الحد، بل يسعون إلى فتح أبواب جديدة في فهم الكون عبر مشروع FCC، الذي سيكون أكبر بثلاثة أضعاف من سابقه.
مراحل متعددة واكتشافات محتملة
ينقسم المشروع إلى مرحلتين. الأولى تتضمن إنشاء مصادم للإلكترونات والبوزيترونات، يمكن من خلاله قياس خصائص جسيم هيغز بدقة غير مسبوقة.
وستشمل المرحلة الثانية، الأضخم، تصادم البروتونات بطاقة تفوق مصادم الهدرونات الحالي بسبعة أضعاف، مما قد يؤدي إلى اكتشاف جسيمات لم تُرصد من قبل.
أسئلة كونية تبحث عن أجوبة
رغم أن النموذج القياسي للفيزياء قدّم تفسيرات عديدة، لا يزال يعاني من ثغرات، ويطمح العلماء من خلال FCC إلى الإجابة عن تساؤلات حول أصل الكتلة، وتفاعل الكواركات الثقيلة، وأسباب تفوق المادة على المادة المضادة.
كما يأملون في التوصل إلى أدلة حول المادة المظلمة، تلك الكتلة الخفية التي يعتقد أنها تشكل معظم الكون.
تكاليف باهظة وجدوى مطلوبة
تقدّر تكلفة المرحلة الأولى من نفق الألب بـ15 مليار فرنك سويسري، تُغطي منها الميزانية السنوية لسيرن نحو 80%.
وتصل كلفة المرحلة الثانية إلى 19 مليار فرنك أخرى، مع انطلاقها المحتمل بعد عام 2070.
ورغم الانتقادات الموجهة لتكاليف إنشاء النفق، تؤكد سيرن أن العائدات العلمية والتكنولوجية ستفوق الاستثمار بكثير.
أوروبا والعالم في سباق علمي
ولا يخلو مشروع تدشين النفق من التحديات الجيوسياسية، إذ تسعى الصين لتطوير مصادم مشابه بطول 100 كيلومتر، مما يطرح سؤالاً حول أولوية المشروع الأوروبي.
ورغم ذلك، تصر رئيسة سيرن على ضرورة المضي قدمًا، حفاظًا على ريادة القارة في هذا المجال الحيوي.
استثمار في المستقبل والعلم
بعيداً عن المختبرات، فإن مشاريع مثل FCC لا تُنتج فقط اكتشافات علمية، بل تفتح أبواباً أمام تطبيقات في الطب، وتدفع بعجلة الابتكار التكنولوجي.
ومع توحيد جهود العلماء من مختلف الدول، يشكل FCC رمزًا لتعاون إنساني عالمي، يسعى لفهم أعمق للكون الذي نعيش فيه.