سلام «ترامب».. مائدة بلا خبز

«الحياة مفاوضات» كانت أطروحة كتاب لكبير المفاوضين الفلسطينى الراحل صائب عريقات صدر عام 2008 استعرض خلاله جل خبرته كاشفا كواليس كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتقاطعاتها مع الملفات الدولية فيما حصد الجميع الوهم.
.. وفى عالم يزداد اضطرابًا كل يوم، تُباع لنا الهدن على هيئة إنجازات، وتُغلف المفاوضات الفارغة بورق «السلام التاريخى» ومنذ أن عاد «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض، ومكتبه يعجّ بمبادرات تحمل توقيع مستشاره الجديد ستيف ويتكوف، رجل الأعمال الذى دخل إلى دهاليز الحروب بنفس منطق الصفقات العقارية: تفاوض سريع، ربح واضح، وتجاهل تام للتاريخ والدم، حتى بدا أنه سلام استثمارى ، ومن غزة إلى كييف، ومن طهران إلى القدس، تُصاغ هدنة تلو أخرى... لكن لا هدنة تثبت، ولا سلام يُولد. فقط وهم... يُسوَّق، يُصوَّر، ثم يذوب مع أول قصف.
«الحرب سيئة للأعمال... ونحن نبحث عن حلول واقعية»، هكذا صرّح ويتكوف فى أول ظهور إعلامى له كمستشار رئاسى، مُعطيًا إشارة بأن السياسة الخارجية الأمريكية باتت تُدار بعقلية محاسبية لا دبلوماسية. وفى هذا السياق، أطلق هو وترامب ثلاثة مسارات متزامنة: محاولة وقف إطلاق النار فى غزة، مبادرة لإعادة الجلوس على طاولة التفاوض بشأن أوكرانيا، وقناة خلفية للعودة إلى الاتفاق النووى مع إيران.
.. وفى غزة، أعلن ترامب فى خطاب رسمي: «أنا الوحيد القادر على وقف الحرب... الجميع يستمع لى». وبالفعل، دخل «ويتكوف» على الخط بتنسيق مع مصر وقطر، محاولًا فرض هدنة جديدة، لكن إسرائيل ردّت فى اليوم التالى بقصف أكثر شراسة، فى رسالة واضحة بأن لا هدنة دون إذعان. أما حماس، فاعتبرت المبادرة «لا تحمل ضمانات، بل مجرد غطاء سياسى لاستمرار القتل».
اما فيما يتعلق بالملف الأوكرانى، فجاء تفاوض «ويتكوف» مع وسطاء من ألمانيا والمجر وتركيا، مقدمًا ما سمّاه «حلا واقعيا»، يقضى بوقف القتال مقابل تنازل كييف عن عضوية الناتو، وعقد مؤتمر استثمارى لإعادة إعمار شرق أوكرانيا بمشاركة روسية. رد زيلينسكى كان قاطعًا: «نحن لا نبيع السيادة مقابل مشاريع اقتصادية».
وعادت طهران، إلى الواجهة حين سرّبت الصحافة الأمريكية محادثات غير مباشرة تديرها سلطنة عُمان بين طهران وواشنطن، بناء على طلب ترامب. لكنه فجّر الملف بنفسه حين غرّد: «إذا أرادوا صفقة، فعليهم أن يتصلوا. أنا جاهز. لكن لن نرفع العقوبات أولًا». وردّت إيران عبر المتحدث باسم خارجيتها: «هذه ليست مفاوضات، بل استعراض انتخابى».
الواقع أن كل تلك المبادرات—رغم زخمها الإعلامى—انتهت إلى نفس النقطة: لا هدنة فى غزة، لا وقف للنار فى أوكرانيا، ولا استئناف فعليا للمفاوضات مع إيران. وحتى داخل الإدارة الأمريكية، ظهرت انقسامات. أحد مساعدى «ويتكوف» نقل للصحافة قولًا داخليًا: «نحن لا ندير مفاوضات، نحن ندير حملة علاقات عامة باسم السلام».حتى تحولت إلى مرآة عاكسة لفوضى أعمق: مستشار بلا خبرة سياسية، رئيس يلوّح بعقليته التجارية فى نزاعات دولية معقدة، وساحة دولية تتعامل مع واشنطن بريبة متزايدة. والمحصلة؟ صورة سلام بلا مضمون، ومفاوضات بلا نتائج، ومشهد عالمى لا يثق بواشنطن كوسيط، بل كمروّج للهيمنة بشعارات ناعمة.
فى كل المحطات التى خاضت فيها واشنطن مفاوضات مع خصوم أو خصوم الحلفاء، بدت لغة التهديد سمة مشتركة لا تغيب عن الطاولة. تَكرّرت نغمة «الحل أو العقاب» كأنها قاعدة دبلوماسية أمريكية. فى الملف الإيرانى، لم تُخفِ واشنطن انحيازها الصريح لتل أبيب، ومرّرت رسائل مباشرة مفادها أن طهران ستُقصف إن لم تُقدِّم تنازلات. وفى أوكرانيا، جاءت اللهجة أكثر استعلاءً، فالتعامل مع كييف لم يخلُ من التلويح بسحب الدعم أو فرض حلول «منفردة»، بما يعكس ميلًا دائمًا لترجيح كفة الطرف الأقوى ميدانيًا أو سياسيًا. حتى فى محادثات وقف إطلاق النار مع حماس، ظل التوازن غائبًا، والميل الإسرائيلى حاضرًا.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لصانع أبراج وشركات، أن يبنى سلامًا على أنقاض مدن محطمة؟ أم أن ما نراه هو فصل جديد من مسرحية سياسية عنوانها «السلام... بشرط أن نربح»؟
هذا الملف يطرح السيناريوهات المستهدفة لمنطقة الشرق الأوسط التى تغلى على مراجل مصالح المستعمرين القدامى عبر قطار الثروات.
غزة.. الوقت من دم وحل الدولتين «سراب»
تقرير: سحر رمضان
561 يوما من الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى صاحب الأرض فى قطاع غزة والمفاوضات تراوح مكانها بتعنت وتنصل من حكومة الاحتلال برئاسة جزار تل ابيب «بنيامين نتنياهو».
كانت حماس قد اتفقت وإسرائيل على هدنة بينهما لأربعة أيام بدأت فى 24 نوفمبر من نفس العام وتم تمديدها يومين إضافيين. وذلك بعد مرور أكثر من 46 يوما من حرب الابادة الصهيونية فيما تسمى «السيوف الحديدية» على القطاع ردا على معركة «طوفان الأقصى» التى أطلقتها المقاومة فى السابع من أكتوبر 2023 الماضى وتوالت محطات التفاوض بصدامها غير المرن وتنقلت بين عدة عواصم عربية على رأسها القاهرة والدوحة وباريس فى محاولة للوصول إلى اتفاق شامل توافق عليه الأطراف المعنية. وكان اخرها رفض حركة حماس بالأمس لمقترح اسرائيل بنزع سلاح المقاومة مع احتفاظه باحتلال القطاع.
هنا الوقت من دم، فضحايا الاجرام الصهيونى يرتقون بعشرات المئات على مدار الساعة فضلا عن مليون واكثر من 400 الف فلسطينى محاصر بالموت قتلا وجوعا ومرضا يتقاسمون الموت مع آلاف المفقودين تحت ركام الحرب المسعورة.
اكد الدكتور محمود خلوف المحلل السياسى الفلسطينى المختص بقضايا الصراع ان فترة «ترامب» لن تكون لإحلال السلام، بل على العكس تماما هى فترة تصعيد وتأزيم، على كل المستويات فلا تسوية مقنعة للسوريين، ولا للبنانيين، كون الجانب الأمريكى يعطى الضوء الأخضر لاحتلال الأراضى فى هذين البلدين.

أما فيما يخص فلسطين فترامب كان فجًّا فى تعبيراته خلال لقاءاته مع رئيس وزراء إسرائيل ولام إسرائيل على انسحابها من قطاع غزة سنة 2005، وتحدث صراحة عن حق الصهاينة فى ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
واشار «خلوف» إلى ان ترامب فى معظم لقاءاته مع الزعماء ومع الصحفيين يتصرف على أن قطاع غزة إقليم ستنقل ملكيته له ولأمريكا، ويحرض صراحة على تهجير أبناء الشعب الفلسطينى ما ضاعف من وقاحة قادة إسرائيل الذين أعلنوا للملأ عن استحداث وحدة فى وزارة الحرب لتهجير أبناء غزة.
واضاف ان إسرائيل تدرك صعوبة تمرير الهجرة المباشرة على مصر والأردن ولهذا الجهد يتركز على الهجرة غير المباشرة وعمليا إذا كانت التهمة «الإرهاب» وفق تعبيرهم، فهل من سبب صداعا للكيان الإسرائيلى سيكون جبانا ومتخاذلا ومستسلما فى حالة ترحيله؟
وقطع «خلوف» بأن سياسة الكيان وسياسة ترامب تعطى المبرر للجماعات الراديكالية مع أن الجهد يتركز على محاصرتها عربيا، لكن بات واضحا أن إسرائيل وأمريكا استفادت من الإرهاب فى تحقيق مصالحها، ولإعطاء نفسها الحق بالتدخل.
ودعا المحلل الفلسطينى المثقفين والكتاب العرب والمسلمين والنخبة والسياسيين والبرلمانيين لقراءة ما يفكر به ترامب جيدا، قائلا «نعم هو يريد امتلاك قطاع غزة، ويريد أن يتصرف كأن العالم والإقليم محكوم برغبة تاجر طماع، وانتهازى».
ويقول خلوف انه بات واضحا أن ترامب الذى قرأ سير رؤساء أمريكا السابقين لمعرفة كيف نفذت بلاده واحدة من أبشع عمليات التهجير القسرى فى القرن العشرين دون مبالاة، بحق إقليم أرخبيل تشاغوس فى منطقة المحيط الهندى.
وبالغالب يتذكر ترامب كيف انه فى سنة 1965، وقعت أعين الولايات المتحدة على منطقة استراتيجية للغاية فى المحيط الهندى «أرخبيل تشاغوس»، وكيف أنه في عهد الرئيس الأمريكى ليندون جونسون، تم تشكيل لجنة بقيادة الأدميرال الأمريكى جريثام، ومعه الأدميرال البريطانى السير جريتباتش إذ وضعا خطة مرعبة وبموجبها تم العمل على تهجير سكان أرخبيل تشاغوس الذين رفضوا طواعية الهجرة.
ويضيف خلوف لقد صممت أمريكا والرئيس جونسون على مخطط التهجير، وترامب من الواضح يكرر نفس المأساة مع شعب أعزل اخر وهو شعب فلسطين.
وطالب المحلل المختص بقضايا النزاع من الدول العربية والاسلامية بوضع خطة تعزز القدرة على الممانعة أمام المخططات الصهيونية التوسعية، وأمام إجرام ترامب وهذا يتطلب إبرام اتفاقات دفاع مشترك ما بين مصر، وباكستان، والسعودية والأردن وسوريا، وتركيا، مع أهمية حرص الدول على سلامة أراضى الدول الشقيقة الأخرى والدفاع عن أمنها واستقرارها.
وحذر خلوف من الأبواق المتطرفة الإسرائيلية المطالبة بالتوسع على حساب أراضى الدول الشقيقة وبالذات سوريا، والسعودية، والأردن، ولبنان، والتحريض يطال جميع الدول، زاعمين أن مصر تتجاوز معاهدة السلام مع أن إسرائيل التى تقوم بذلك من خلال إجرامها الكبير فى رفح والمناطق الحدودية مع مصر.
إن ترامب قادم ليفرض الاستمرار فى صفقة القرن ودون أى حل حقيقى لمشكلة غزة، أو للقضية الفلسطينية، فهو يريد دمج كل المشرق العربى مع إسرائيل على أساس الحفاظ على التفوق النوعى لإسرائيل والحرص على علاقات أمنية واقتصادية وسياحية وسياسية تنهى عزلة إسرائيل ضمن مساعيه لتصفية القضية الفلسطينية ما يتطلب من كل العقلاء والحريصين التنبه لحقيقة ما يحاك ضد فلسطين، وضد الأمن القومى العربى.
60 يومًا من الضباب
أوكرانيا.. اتفاق معلق على «خيوط المصالح»
تقرير: أمانى زكى
فى دهاليز العواصم الكبرى، يُصاغ وهم السلام بأيدٍ ترتجف من حسابات الربح والخسارة. ومنذ أن عاد دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوى فى يناير 2025، استعادت واشنطن لهجتها الحادة وسعت لتقمص دور «صانع السلام» بين كييف وموسكو بدعوى الرئيس القادر على صنع السلام فى ٢٤ ساعة وهو ما ردده خلال الحملة الانتخابية، لكن الحقيقة أن كل مفاوضة كانت تولد من رحم أزمة وتُدفن فى مقبرة الشكوك. ما بين قاعات الرياض وأروقة لندن ودهاليز جدة وصولاً إلى صقيع سانت بطرسبرج، لم تكن جولات الحوار سوى محاولة لتجميل واقع دموى بلغة دبلوماسية رخوة.
أوكرانيا غائبة حينًا، ومهمّشة أحيانًا، والبيت الأبيض يدير الأوركسترا بمستشارين جدد، على رأسهم ستيف ويتكوف، رجل الصفقات الذى يحاول هندسة هدنة لا أحد يثق بصلابتها. أما موسكو، فتناور كعادتها، تطلق إشارات وتكتم النوايا. أوروبا تراقب، تعترض، وتُقصى. والمحللون من كل حدب وصوب يختلفون فى التوصيف، لكن يتفقون فى الشك: هل ما يُنسج اليوم هو سلام حقيقى... أم نسخة جديدة من سراب دولى يُعاد تدويره؟
الخطاب العلنى الذى يركّز على الدفاع عن السيادة الأوكرانية، لا يمكن إغفال البعد الاستراتيجى الذى يحكم التحرك الأمريكى فى هذا الملف. أوكرانيا ليست فقط حليفة محتملة فى مواجهة موسكو، بل تمثل أيضًا بوابة جيوسياسية لا تقدّر بثمن على حدود روسيا، وساحة نفوذ مستقبلية لمن ينجح فى إعادة تشكيلها بعد الحرب.

تدرك واشنطن جيدًا أن تثبيت موطئ قدم دائم فى كييف يمنحها أوراق ضغط طويلة المدى فى معادلة الأمن الأوروبى والهيمنة الإقليمية من خطوط الغاز إلى قواعد الناتو المؤجلة، ومن إعادة الإعمار إلى عقود الدفاع، تُطل المصالح الاقتصادية والعسكرية برأسها خلف ستار «الدبلوماسية».
وفى ظل هذا التعقيد، تصبح مفاوضات السلام ساحة مزدوجة: علنية للتهدئة... وسرية لتقسيم النفوذ. والأرض التى تُقصف اليوم، تخطط شركات أمريكية لأن تستثمر فى إعمارها غدًا.
وبعيدًا عن الشعارات، تدور فى الكواليس مفاوضات غير معلنة تتعلق بالسيطرة على الموارد الطبيعية الحيوية فى أوكرانيا، وعلى رأسها المعادن النادرة مثل التيتانيوم والليثيوم، التى تمثل ثروات استراتيجية للعقود المقبلة. هذه المعادن ليست مجرد مواد خام، بل هى مفاتيح القوة فى صناعات التكنولوجيا والتسلّح والطاقة النظيفة. ومع تزايد حاجة الغرب إلى بدائل عن الصين وروسيا، تبدو أوكرانيا كنزًا لا يمكن تفويته.
إلى جانب ذلك، تُعيد واشنطن النظر فى خريطة خطوط الطاقة، مستهدفة إحياء مشاريع الغاز الأوكرانية إلى أوروبا ولكن فى ثوب جديد، يُقصى موسكو ويمنح الشركات الغربية يدًا عليا فى سوق الطاقة الإقليمى. إنه سلامٌ مشروط، تحركه المصالح وتُرسم ملامحه فى مراكز النفوذ لا على خرائط الحدود. وبينما يُرفع شعار إنهاء الحرب، تتشكل على الأرض ملامح استثمار طويل الأمد فى بلد جريح.
وفى فبراير 2025، أطلق دونالد ترامب نسخته الجديدة من دبلوماسية الصفقات، مدفوعًا بمستشارين جدد فى ولايته الثانية، أبرزهم ستيف ويتكوف، العقل الاقتصادى، ليقود جولات تفاوضية بين بوتين وواشنطن فى ظل غياب كييف المتكرر.
١٨ فبراير.. قمة الرياض كانت أول اختبار، وثائق تفاهم بين أمريكا وروسيا... وأوكرانيا خارج القاعة وبالتالى رفض زيلينسكى النتائج، واعتبر ما جرى «صفقة فوق رؤوس الأوكرانيين»، رافضًا أن تُدار الحرب كأنها نزاع حدودى بين قوتين.
وفى مارس، استضافت جدة مفاوضات بين الأمريكيين والأوكرانيين، بإشراف مايك والتز، مستشار الأمن القومى. ولأول مرة، طُرحت الورقة الأوكرانية بوضوح، لكن غياب روسيا جعل الطاولة غير مكتملة. سُجل تقدم فى المسودة الإنسانية، لكن العسكرى والسياسى ظلّ مجمّدًا.
أما فى سانت بطرسبرج عاد ويتكوف للقاء بوتين فى جلسة مغلقة وصفتها موسكو بـ«المثمرة». لكن خلف المصطلحات الدبلوماسية، لم تظهر نتائج ملموسة. ويتكوف أبدى تفاؤلًا علنيًا، متحدثًا عن «سلام دائم»، لكن فى واشنطن، تساءل كثيرون: هل هو تفاؤل صادق أم تغليف لمأزق دبلوماسي؟
وفى إطار الآراء السياسية انتقد ماركو روبيو وكيث كيلوغ، من أبرز الأصوات الجمهورية، انفتاح ترامب على موسكو، مطالبين بموقف أكثر صرامة، وعدم تقديم أى تنازلات بشأن انضمام أوكرانيا للناتو حيث وصف روبيو التفاوض بأنه «رهان خاسر»، أما كيلوغ، المستشار العسكرى السابق، فرأى أن «أى تهدئة دون ضمانات، تعنى هدنة لحرب مؤجلة».
فى المقابل، توماس رايت، الباحث بمؤسسة بروكينغز، شدد على أهمية استمرار الدعم الأمريكى لأوكرانيا باعتباره ركيزة أساسية لأى تفاوض جاد. وأشار إلى أن «تليين الموقف الأمريكى سيمنح روسيا تفوقًا استراتيجيًا يطيح بأى توازن على الأرض». فيما حذر جون هيربست، السفير الأمريكى السابق فى أوكرانيا، من أن بوتين يسعى لإطالة أمد التفاوض. وفى تحليله لمحادثات مارس، قال إن الكرملين يحاول «إغراء ترامب بصفقة تُظهره كصانع سلام، بينما تحتفظ روسيا بمكاسبها العسكرية».
كما أوضحت ماريا سنيغوفايا، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن «وقف إطلاق النار، إن حدث، لن يُنهى الحرب». وعللت ذلك بأن موسكو اليوم فى موقع أقوى ميدانيًا، وأن بوتين لن يتنازل عن مكاسب على الأرض دون مقابل صريح.
وفى السياق رأى ستيفن والت، أستاذ الشئون الدولية فى جامعة هارفارد، أن السلام الشامل فى 2025 «أمر غير مرجح». وأكد أن الملفات المعقدة، كعلاقات أوكرانيا الأمنية مع الغرب، ومسائل ترسيم الحدود، والاتهامات بجرائم الحرب، تحتاج لسنوات من التفاوض وليس لجولات سريعة. وشدد تيموثى سنايدر، المؤرخ على عدم استبعاد كييف من أى اتفاق : «الحديث عن أراضى أوكرانيا دون أوكرانيا هو تكرار مدوٍّ لخطايا ميونيخ 1938»، فى إشارة للاتفاق الذى قسّم أوروبا وجرّها لحرب.
فى المقابل، طرح أندريه سوشينتسوف، عميد كلية العلاقات الدولية بموسكو، تصورًا أكثر تفاؤلًا، قال إن «النتيجة المرجحة هى تسوية دبلوماسية جزئية»، لكنه استبعد تطبيعًا شاملًا بين روسيا وأمريكا، معتبرًا أن «العودة إلى المواجهة تبقى احتمالًا ضعيفًا، لكنه قائم».
فى العواصم الأوروبية، يتصاعد الغضب بهدوء. حيث اعتقاد باريس وبرلين أن استبعاد أوروبا من المفاوضات يمهد لفشل جديد، ويعمق الشك فى نوايا واشنطن. أما كييف، فتعتبر أن كل ما يُقال عن «سلام ترامب» ما هو إلا عملية إدارة أزمة، لا حل لها.
وبينما تتصاعد همسات البحث عن وسطاء محايدين – كالهند أو البرازيل – تظل أمريكا فى الواجهة، محاصرة بشكوك الداخل، ومطالب الخارج.
النووى الإيرانى.. مفاوضات حذرة على حافة التصعيد
تقرير: منار السويفى
عادت المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لتتصدر المشهد من جديد، لكن هذه المرة عبر بوابة مسقط، التى احتضنت جولة استكشافية محاطة بالكثير من الحذر والترقب، جولة لم تأت لإبرام اتفاق، بل لقراءة نوايا الطرفين، ومحاولة فهم حدود التنازلات الممكنة وخطوطها الحمراء.
وفى قلب هذا المشهد المعقد، تتقاطع مصالح متشابكة، ما بين رغبة أمريكية فى منع إيران من امتلاك السلاح النووى، وتطلعات إيرانية لضمانات حقيقية تحفظ حقوقها وتجنبها تكرار سيناريو الانسحاب الأمريكى كما حدث فى 2018، وبينما تلوح فى الأفق سيناريوهات متعددة من التفاهم وحتى المواجهة، تقف المنطقة والعالم على حافة تحولات قد تعيد رسم خرائط النفوذ والسيطرة، وتحدد شكل المرحلة المقبلة فى ملف ظل لسنوات عنوانًا للتوتر والتصعيد

اكد الدكتور سامح الجارحى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة لـ «الوفد»، إن الاتفاق النووى الايرانى أو الجولة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران التى تمت فى العاصمة العمانية مسقط تعتبر جولة استكشافية، لمدى جدية المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة فكلا الطرفين يريد الوصول إلى اتفاق نووى إيرانى من منظوره الخاص.
وأكد أن واشنطن تريد أن لا تمتلك طهران أسلحة نووية، لأنها ترى أنها إذا امتلكت أسلحة نووية فإنها سوف تكون خطرا كبيرا على الأمن والسلم العالمى، فى الوقت نفسه تريد إيران ضمانات دولية أو ضمانات قوية ومباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عدم الرجوع أو عدم الترد فى الاتفاق النووى والتنصل منه، مثلما حدث فى الاتفاق النووى الذى تم عام 2015 بين الولايات المتحدة الامريكية برئاسة باراك أوباما والجانب الإيرانى.
وأضاف «الجارحى» أن الجانبين يريدان اتفاقا نوويا من أجل حسم وغلق هذا الملف، ف «ترامب» التركيز على الجوانب الاقتصادية والحروب الاقتصادية مع الصين، وبناء الاقتصاد الأمريكى مرة أخرى، فهو يريد اتفاقا نوويا إيرانيا دون اللجوء إلى الحلول العسكرية، لأنه يعلم جيدا وإسرائيل وإيران ودول منطقة الشرق الأوسط تكلفة هذا الحل العسكرى، إذا أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب المنشآت النووية، أو حتى توجيه ضربة لإيران سواء مباشرة من جانب الجيش الأمريكى أو غير مباشرة من جانب الجيش الإسرائيلى.
وأشار إلى أن تكلفه الحل العسكرى سوف تكون تكلفة كبيرة جدا سواء تكلفة بشرية أو اقتصادية، بالإضافة إلى حالة الركود المزمن الذى سيصيب الاقتصاد العالمى إذا قامت هذه الضربة العسكرية، لأن إيران فى يدها بعض الأوراق التى تستطيع ان تلعب بها مثل إغلاق مضيق هرمز بالإضافة إلى بعض وكلائها فى المنطقة مثل الحوثيين والاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار الذى أصاب الملاحة البحرية فى البحر الأحمر وخطوط الإمداد العالمية وخطوط الملاحة البحرية العالمية خصوصا بعد السابع من أكتوبر وعملية طوفان الأقصى والضربات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة
واشار إلى ان كل هذه الأمور تجعل المفاوضين الأمريكيين يريدون اتفاقا نوويا قويا يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي فى حين تريد إيران تحقيق أكبر مكاسب ولا تريد تفاوضا تحت الإرهاب وتحت الترهيب وتحت الزناد أو تحت التهديدات المباشرة من جانب أمريكا وإسرائيل.
وقال «الجارحى» إن سيناريو التوصل إلى اتفاق نووى إيرانى من الممكن حدوثه فى الجولة الأخرى التى ربما تعقد فى مسقط العاصمة العمانية أو فى روما العاصمة الإيطالية، ويرتبط التوصل لاتفاق نووى ببعض الشروط، فالولايات المتحدة الأمريكية سوف تتنازل عن شرط تفكيك البرنامج النووى الإيرانى على سبيل المثال، أو من الممكن أن يتبدل هذا الشرط إلى إخضاع مخزون اليورانيوم المخصب فى البرنامج النووى الإيرانى إلى إشراف مباشر ودقيق من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو نقل مخزون اليورانيوم المخصب إلى دولة ثالثة واعتقد أنها سوف تكون روسيا.
وأضاف أن هذا الشرط يصطدم بطموحات الإيرانيين وتخوفهم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لأنهم يعلمون أن أمريكا من الممكن أن تتنصل فى أى وقت من الأوقات خصوصا فى فترة دونالد ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى، فإيران تريد إشرافا دقيقا من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مخزون اليورانيوم المخصب الخاص بها دون نقله إلى دولة أخرى.
وأكد أن هناك حوافز اقتصادية من الممكن أن يقدمها دونالد ترامب من بينها الإفراج عن بعض الأصول المالية والأموال المجمدة الإيرانية فى بعض البنوك والمصارف سواء الإقليمية أو الدولية من أجل شراء بضائع أمريكية، ومن الممكن أن تستفيد إيران ببعض الحوافز الاقتصادية مثل رفع العقوبات عن بعض الكيانات الاقتصادية الإيرانية،
وهناك بعض البنود لن تطرح على الطاولة مثل دعم إيران وكلاءها والميليشيات التابعة لإيران فى منطقة الشرق الأوسط مثل حزب الله والحوثيين وحركة حماس والفصائل المسلحة فى العراق وغيرها، على الرغم من الضغط الإسرائيلى لتفكيك الملف النووى الإيرانى، وإخضاع برنامج الصواريخ الإيرانية الباليستيه والمسيرات فى المفاوضات، والضغط الإسرائيلى من أجل وقف الدعم الإيرانى لوكلائها وللميليشيات المناهضة لإسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط، بالرغم من أن الجانب الأمريكى لا يهمه هذه الأمور بشكل مباشر، وأن ما يهم الجانب الأمريكى ألا تصل طهران إلى سلاح نووى، وما يهم طهران ألا تتنصل الولايات المتحدة الأمريكية من وعودها ومن اتفاقياتها إذا ما تم إقرار الاتفاق النووى الإيرانى.
وقال الجارحى: كل السيناريوهات مطروحة على الطاولة مثل العمل العسكرى والعمل العسكرى المحدود والعمل العسكرى من جانب إسرائيل والعمل العسكرى من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لضرب المنشآت النووية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، كل هذا الموضوع مطروح.
وأضاف: «اعتقد أن الأمر سيصب فى النهاية إلى اتفاق بشروط معينة تمنع إيران من امتلاك سلاح نووى، وتحقيق مكاسب اقتصادية لطهران وتخفيف ميليشيات إيران فى منطقة الشرق الأوسط من تهديد إسرائيل سواء بشكل مباشر أوغير مباشر، والكف عن دعم بعض الجماعات المسلحة التابعة لإيران والتى من الممكن أن نسميها وكلاء إيران فى المنطقة».
واشار إلى أن الأمور سوف تتجه فى النهاية إلى اتفاق خصوصا بعد جولة المباحثات الاستكشافية غير المباشرة التى تمت فى عمان، التى وصفها الجانبان الأمريكى والإيرانى بأنها مفاوضات إيجابية وبناءة من الممكن أن يتم البناء عليها من أجل التوصل إلى اتفاق نووى إيرانى ملزم لكافة الأطراف، وهذا الأمر هو الأقرب للحلول فى اتفاق وليس صداما.
وكانت قد أجرت إيران والولايات المتحدة محادثات غير مباشرة فى سلطنة عمان، السبت الماضى، واتفقتا على استئنافها الأسبوع المقبل، بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووى الإيرانى.