بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

لعل وعسى

الآثارُ الجانبيةُ لتعريفاتِ ترامبَ (1)

استطاعتِ القراراتُ التى أصدرها الرئيسُ الأمريكيُّ، دونالدُ ترامبَ، فى الثانى من أبريلَ الجاريِّ، والتى تُعرفُ بـ«يومِ التحريرِ»، أن تُحدثَ تداعياتٍ غيرَ مسبوقةٍ على مستوى العالمِ، هذه القراراتُ، المعروفةُ بالتعريفاتِ الجمركيةِ، ارتكزتْ عليها إدارةُ ترامبَ فى أن تحصلَ من ورائِها على 7 تريليوناتِ دولارٍ مع مزيدٍ من الاستثماراتِ فى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، هذه الرسومُ تتراوحُ ما بين 10% إلى 49%، كما تبينَ أن من بين أكثرَ من 180 دولةً فُرضتْ عليها هذه التعريفاتُ، كانت هناك 60 دولةً تُعرفُ بـ«دولِ الأشرارِ»، على رأسِها الصينُ وفيتنامُ والهندُ واليابانُ وكوريا الجنوبيةُ والاتحادُ الأوروبيُّ، فُرضتْ عليها أكثرُ من 10%، بينما باقى دولِ العالمِ «الطيبِ» فُرضتْ عليها 10% فقط، كما تبينَ أن دولةَ روسيا لم تُفرضْ عليها أيةُ رسومٍ جمركيةٍ على الإطلاقِ، وهنا يجبُ أن نقومَ بالتحليلِ والتنبؤِ بما ستسفرُ عنه هذه القراراتُ الجمركيةُ وما سيتبعُها من تدابيرَ انتقاميةٍ، فبدايةً، يمثلُ الاقتصادُ الأمريكيُّ أكبرَ قوةٍ اقتصاديةٍ على مستوى العالمِ بناتجٍ محليٍّ إجماليٍّ 29 تريليونِ دولارٍ عامَ 2024، أى بنسبةِ 26% من الناتجِ المحليِّ الإجماليِّ العالميِّ، هذه النسبةُ قد تبدو مرتفعةً بالنسبةِ لنا، ولكن بالنسبةِ للإدارةِ الأمريكيةِ التى أخذتْ على عاتقِها عمليةَ الاستحواذِ على مفاصلِ الاقتصادِ العالميِّ، هى نسبةٌ أقلُّ من 50% الواجبِ الاحتفاظُ بها حتى تضمنَ السيطرةَ على المستقبلِ، وحتى فى ظلِّ عمليةِ فكِّ الارتباطِ التى أقدمَ عليها الرئيسُ الأمريكيُّ الأسبقُ ريتشاردُ نيكسونَ عامَ 1971 بالتخلى عن نظامِ غطاءِ الذهبِ بالدولارِ، لكن كانت المفاجأةُ باستمرارِ الدولارِ على العرشِ، وما تقومُ به الولاياتُ المتحدةُ هو طباعةٌ للدولارِ فقط من أجلِ أن يقومَ العالمُ بالعملِ والتصنيعِ ويأخذَها المواطنُ الأمريكيُّ بدولاراتٍ لا قيمةَ لها بعد انهيارِ نظامِ غطاءِ الذهبِ، لذا لم يكن مستغربًا ما قامتْ به الولاياتُ المتحدةُ فى الفترةِ من 2000 إلى 2022 وفى خضمِّ جائحةِ كورونا بضخِّ 5 تريليوناتِ دولارٍ انعكستْ على باقى دولِ العالمِ بموجةٍ تضخميةٍ، وارتفاعٍ فى فاتورةِ الدينِ الذى زاد خلالَ هذه الفترةِ أربعةَ أضعافٍ، فى حين أن الناتجَ المحليَّ الإجماليَّ العالميَّ زاد خلالَ نفسِ الفترةِ ثلاثةَ أضعافٍ فقط، وهو ما يعنى انهيارًا حقيقيًا للاقتصادِ العالميِّ الذى يمثلُ فيه الدولارُ السيفَ البتارَ الذى تستخدمُه الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ فى فرضِ العقوباتِ الاقتصاديةِ على الدولِ، وحرمانِها من استخدامِ نظامِ المدفوعاتِ الدوليةِ المعروفِ بـ«سويفت»، فالدولارُ يمثلُ 59% من جملةِ الاحتياطياتِ النقديةِ العالميةِ، ورغمَ ذلك فإن الدينَ العامَّ الأمريكيَّ تخطى 200% خلالَ 20 سنةً الأخيرةَ، والعجزُ العامُّ بالنسبةِ للناتجِ القوميِّ تخطى من 54% إلى 122% خلالَ نفسِ الفترةِ، كما أن العجزَ الخارجيَّ فى ميزانِ المدفوعاتِ تخطى أربعةَ أضعافٍ خلالَ الـ20 سنةِ الماضيةِ، وهو ما يمثلُ مشكلةً للاقتصادِ الأمريكيِّ من وجهةِ النظرِ الأمريكيةِ، وبالتالى تعالتِ الدعواتُ إلى ضرورةِ التفاوضِ مع دولِ أوروبا فى المدى القصيرِ لتطبيقِ خطةِ ماريو دراجى التى أقرها فى يونيو 2024 بما يضمنُ تحويلَ الادخارِ الأوروبيِّ إلى استثمارٍ، وبالتالى تحويلَ ديناميكيةِ الاقتصادِ الأوروبيِّ من الطلبِ الخارجيِّ إلى الطلبِ الداخليِّ، ومواجهةَ سياسةِ الإغراقِ الصينيةِ.. وهو ما سوفَ نتناولُه فى المقالِ القادمِ إن شاءَ اللهُ.

رئيسُ المنتدى الاستراتيجيِّ للتنميةِ والسلامِ