بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ﺳﻨﺪوﻳﺘﺶ اﻟﻔﻮل ﺑـ١٠ ﺟﻨﻴﻬﺎت.. واﻟﻤﺨﻠﻞ »ﻣﺶ ﺑﺒﻼش«

الغلابة فى خطر

بوابة الوفد الإلكترونية

على نواصى أحياء المناطق الشعبية، وفى قلب القاهرة، يظل الفول والفلافل خيار الغلابة ووجبة الفقير الأولى، بل قد تكون الوحيدة، لكن مع كل ارتفاع جديد فى أسعار البنزين، يشعر الزبون أن الساندوتش لم يعد كما كان.. لا الطعم ذاته، أو الحجم، ولا حتى السعر.

فى جولة ميدانية على عدة محال شعبية للفول والفلافل، تكتشف سريعًا أن هناك نوعًا من «التحايل الصامت» على الأزمة، فبين من رفع السعر علنًا، ومن قلّل حجم المكونات، ومن غير الخلطة نفسها، الكل يحاول النجاة فى ظل موجة الغلاء التى لم تترك حجرًا ولا بشرًا.

على خليفة، صاحب عربة فول شهيرة فى حى إمبابة، قال لنا بصراحة: «إحنا مش بنزود بس من نفسنا.. البنزين غلى، والغاز غلى، والزيت اللى بنقلى فيه بقى يوصل لـ100 جنيه الصفيحة. طيب أجيب منين؟».

يضيف علي: «أنا كنت ببيع الساندوتش بجنيهين، دلوقتى ببيعه بـ3 وفيه غيرى بيبعه بـ 5، وفى ناس بتقولّى غالى.. طيب تعال شوف بندفع كام كهربا، كام غاز، وكام عمال. إحنا مجبرين نرفع، ولو ما رفعناش مش هنقدر نكمل».

فى نفس السياق، يباع سندوتش الفول فى كثير من المناطق الشعبية فى المطاعم بـ 7 جنيهات، والطعمية كذلك.

وقال محمود، عامل فى السيدة زينب، «مش عارف أفطر إيه علشان أشبع لازم أشترى 5 سندوتشات بـ 35 جنيهًا، وإذا طلبت مخلل أقل حاجة بـ 5 جنيهات، ولا أستطيع شراء عيش وجبنة لأنه أغلى من الفول والطمعية».

وقال عامل آخر من شبرا، «المشكلة أننى أقضى طول النهار فى الشارع وقد أحتاج إلى الغداء وليس أمامى سوى الفول والطعمية أيضا، وأقل وجبة تكلفنى 30 أو 35 جنيهًا، يعنى فطار وغداء حوالى 70 جنيهًا، غير كوباية الشاى لكى أستطيع الصمود أمام شقاء اليوم بطوله».

رفع السعر ليس هو الطريقة الوحيدة التى يلجأ إليها أصحاب المحال، البعض يختار أن يقلل حجم الساندوتش، أو يحشو نصفه فقط، والبعض الآخر يقلل من مكونات الخلطة نفسها. فبدلًا من أن تكون الطعمية مقرمشة ومليئة بالخضرة والبهارات، باتت اليوم أصغر حجمًا وأقل طعمًا.

سامى، شاب يعمل فى محل طعمية بمنطقة الهرم، يوضح الجانب الآخر من الصورة قائلًا «مش كل الزباين تقدر تدفع زيادة، فصاحب المحل قال نخف الكمية شوية، ما نحطش طماطم فى كل ساندوتش، أو نقلل سلطة، أو نستخدم عيش أصغر. ده كله علشان نفضل فاتحين»، ومع أن البعض يرى فى هذه الخطوات نوعًا من الغش التجارى أو «اللعب فى الجودة»، إلا أن آخرين يتفهمون الموقف. فحتى المحلات الشعبية أصبحت تُعانى من ارتفاع تكلفة التشغيل بشكل غير مسبوق.

هدى، موظفة وأم لثلاثة أطفال، تقول «كنا زمان بنجيب لكل واحد ساندوتشين فول وواحد طعمية، ونتعشى بـ20 جنيهًا. دلوقتى ده ما يكفيش نص الطلب. بس برضه ما بنقدرش نلوم الناس، كله بيدفع أكتر».

ومع ارتفاع سعر البنزين، وهو مكوّن أساسى فى تكلفة النقل والتشغيل، تتأثر حتى أرخص الوجبات. فسعر أنبوبة الغاز التى تُستخدم فى تسوية الفول قفز، والزيت النباتى المستخدم فى قلى الفلافل تضاعف، ناهيك عن الخضراوات والمخللات التى أصبحت تُحسب بـ»القطارة».

قال أحد المواطنين المترددين على محلات الفول : «ما يحدث ليس احتيالًا بالمعنى السلبى فقط، بل هو محاولات بقاء. السوق كله يضغط على الفئات الأضعف، وأصحاب محلات الفول والفلافل فى منطقة وسطى، بين مطرقة الزبون وسندان التكلفة. وكلٌ يتحايل بطريقته، فمنهم من يرفع السعر، ومنهم من يقلل الجودة، لكن النتيجة واحدة: المواطن هو المتأثر النهائي».

«أبو مراد»، موظف وأب لطفلين، يقف أمام أحد المحلات المتواضعة فى حى دار السلام. ينظر فى ورقة الأسعار المعلقة، ثم يهمس: «كنت بجيب بـ15 جنيهًا عشاء لأسرتى.. دلوقتى بـ50؟! مش عارف أقول إيه، غير إننا بنحسبها بالأيام. يعنى الفول ما بقاش موجود فى يومياتنا زى زمان، بقى رفاهية يومين فى الأسبوع».

فى المقابل، تحاول بعض المحال الصغيرة أن توازن بين الربح والضمير، فتقوم بعمل عروض يومية، أو تصغر حجم الساندوتش ولكن تبيع عددًا أكبر بنفس السعر السابق. كما لجأ بعضهم إلى استخدام مكونات أرخص، مثل الزيت المعاد استخدامه، أو الطماطم منخفضة الجودة، أو حتى العدس المخلوط بالفول لتقليل التكلفة.

«أم مصطفى»، أرملة تدير مطبخًا منزليًا لبيع الفطور للموظفين، تشكو من أنها لم تعد قادرة على الربح كما فى السابق، وتقول: «كل يوم حاجة بتغلى، والزباين نفسهم مش قادرين يدفعوا أكتر. بقيت أحسبها جنيه بجنيه. الزيت اللى كنت بشتريه بـ35 بقى بـ100، أنبوبة البوتاجاز كانت بـ60 بقت بـ150. طب أشتغل ليه؟!»

وسط كل هذا، تغيب الرقابة الفعلية على تسعير هذه المأكولات، باعتبارها «غير رسمية» فى معظم الأحيان، وتُترك الأسعار لتقدير كل صاحب محل.

وفى مناطق مثل رمسيس، وحلوان، وشبرا، تختلف الأسعار لنفس الساندوتش، بل أحيانًا من محل لآخر فى نفس الشارع، وهذا التفاوت يخلق حالة من الغضب والإحباط بين المستهلكين، الذين يرون أن التحايل قد تجاوز المنطقى إلى الاستغلال أحيانًا.

ميادة، طالبة جامعية، تقول: إن الفلافل لم تعد كما عهدتها: «بقيت صغيرة ومفيهاش طعم، لا خضرة ولا قرمشة، وحتى العيش مش طازة. وكل ده علشان ما يرفعوش السعر. طب ما تقولوا الساندوتش بقى بـ4 جنيهات وخلاص، أحسن من الغش ده.»