خاص للوفد|"سجن النساء".. كوميديا سوداء تنبض بالألم وألحان تعزف على أوجاع السجينات

في تجربة مسرحية إنسانية تعبر عن واقع مأساوي داخل زنزانة سيدات من طبقات وفئات عمرية مختلفة ولكن تجمعهم حجرة واحدة تدور بداخلها حكايات ملطخة بالألم والقوة والحزن تفطر قلوب كل من يشاهدها، لذلك يعيد العرض المسرحي "سجن النسا" للكاتبة فتحية العسال، إحياء قصص نساء قادتهن الظروف العصيبة إلى خلف القضبان، ليؤكد مرة أخرى أن السجن ليس دائماً نهاية مطاف المجرمين، بل كثيراً ما يكون ملاذاً يمزج بين الضعف وقلة الحيلة لضحايا مجتمع قاسٍ، وهذا العرض الذي انطلق منذ ثاني أيام عيد الفطر الماضي2025، يواصل رفع شعار "كامل العدد" يوميًا، ويحقق نجاحا لافت في جذب انتباه النقاد والجمهور على حد سواء، مقدماً عرضًا يشمل الدراما والواقعية والكوميديا السوداء بنظرة إخراجية حديثه على خشبة مسرح السلام، من إنتاج فرقة المسرح الحديث التابعة للبيت الفني للمسرح، وفي حوار خاص لـ « الوفد» تحدث أبطال العمل:


يوسف مراد منير: "ديكور العرض ثابت" لكن المشاهد تحرك القلوب في كل لحظة
أعاد المخرج يوسف مراد منير، طرح السيناريو الشهير بطريقة بصرية مختلفة، معتمدًا على ديكور ثابت نجح من خلاله في تحويل خشبة المسرح إلى زنزانة نابضة بالحياة، تعكس أجواء السجن بتفاصيله القاسية، وأكد مراد منير في تصريحاته لـ «لوفد»، قائلاً: "من أكثر الأشياء صعوبة هو الديكور الثابت على عكس الديكور المتغير، لأنه يحتاج إبداعاً مابين كل مشهد وحركة، وفي أداء الاستعراضات والممثلين حتي نتمكن من خطف أنظار المشاهد وسمعه، وجعله يغوص مع قصص هؤلاء النساء ويتفاعل مع معاناتهن."
كما أوضح أن عرض "سجن النسا" يحمل رؤية معاصرة تواكب المجتمع الحالي، خاصة في تسليط الضوء على مخاطر وسلبيات السوشيال ميديا، من خلال شخصية "سارة البلوجر" التي توثق قصص السجينات، ما يبرز وجود القضايا الحديثة في النصوص الكلاسيكية عندما تُقرأ بوعي حديث.
سارة شكري: "جلابية موحدة" لكن كل سجينة تعبر عن حكاية مختلفة في تفاصيلها
من ناحية أخري، قدمت مهندسة الأزياء سارة شكري دوراً محورياً في ظهور شخصيات السجينات من خلال تصميماتها التي تتسم بالدقة والتمعن، على الرغم من توحد الزي الرسمي وهو "الجلابية البيضاء"، إلا أن كل سجينة ظهرت بلمسة مختلفة عن غيرها تعبر عن هويتها الخاصةبها، وعلقت سارة شكري: "كنت حريصة على أن يكون لكل سجينة تفاصيلها ومميزاتها الخاصة، على سبيل المثال البلوجر سارة تظهر مرتدية كاب وتترك شعرها منسدلا لتوضح طبيعتها الجريئة، وشفيقة الراقصة المعتزلة ترتدي جلابية سهلة الفتح لتتمكن من خلعها في الفلاش باك والرجوع لماضيها، أما عن المعلمة خوخة قائدة طقوس الزار، فتظهر مرتدية سبحة وإيشارب أخضر ليعكس طابعها الروحاني وقوة شخصيتها في هذة الأجواء المشابهة."
واضافت: "هناك تفاصيل دقيقة في ملابس وإكسسوارات كل شخصية، خضعت لدراسة ملحوظة لتتناسب مع خلفية كل سجينة وحكايتها، بما يبرز مصداقية الشخصيات على المسرح".


ولاء الجندي: "مهلبية" بتضحك الجميع ولكن قصتها مؤلمة
وتلعب الفنانة ولاء الجندي التي أبهرت الحضور بأدائها الممهيز في العرض دور "مهلبية"، صبية المعلمة خوخة، وهي شخصية كوميدية سريعة الكلام يستوعبها الناس بصعوبة، وتمثل اليد اليمنى للمعلمة، التي تولّت تربيتها منذ الصغر، وقالت ولاء عن دورها: "أجسد شخصية مهلبيه، صبية المعلمة خوخة وقريبتها منذ الطفولة، دخلت السجن برفقتها في قضية مخدرات، شخصية مهلبيه كوميدية بطريقة ساخرة، تتسم بكثرة الكلام السريع، وسميت مهلبية لأنها بتظهر في تصرفاتها العفوية بطريقة شبه الأبله، لكنها في النهاية ضحية ظروف قاسية وتربية منحدرة، تمثل الكثير من الفتيات في السجون بدون ذنب حقيقي."
وتابعت ولاء أن العرض حقق نجاحًا جماهيريًا ملحوظاً منذ طرحه، وشهد حضورًا لافتاً من الفنانين والجمهور والنقاد، وذلك يوضح قوة تأثير العرض والنص والإخراج والأداء.


شريهان الشاذلي: "خوخة" سيدة قيادية ولكنها ضحية مجتمع قاسي
وأشارت الفنانة شريهان الشاذلي التي تقوم بتجسيد دور "المعلمة خوخة" في العرض: "إن الشخصية التي تقدمها لها جوانب وأبعاد مختلفة، فهي ليست مجرد قائدة زنزانة بل امرأة اتخذت من القوة وسيلة لحماية نفسها من ألم عميق مرت به في الماضي، واللطيف في هذة الشخصية إنها تحمل تفاصيل إنسانية، رغم قسوتها، كما أن الجمهور تفاعل معها بشكل كبير لأننا أبرزنا بإنها ليست مجرد امرأة نمطية، ولكن هي ضحية مجتمع وظروف مؤلمة، العمل لم يعكس روح الكوميديا فقط، بل يحمل رسائل هامة عن المرأة، وكيف يمكن للظروف اليومية أن تغير شخصيتها."
آية أبو زيد: "عدلات" أم بسيطة لكن منكوبة والسجن كان نهاية المطاف
عبرت الفنانة آية أبو زيد عن امتنانها بتجسيد دور "عدلات" في عرض سجن النساء، مشددة أن الشخصية تبرز صورة من صور القهر التي تتعرض لها بعض السيدات في المجتمع، وكيف يمكن للظروف الصعبة أن تقودهن إلى السجن، قائلة: "عدلات شخصية بسيطة ومنكوبة لكنها تتمتع بروح الدعابة، تم تورطها في جريمة لم تكن راغبة فيها، هي سيدة عفوية وضعيفة سيطر عليها الحزن لكنها تعيش صراعات داخلية، حاولت أن أعبر للمشاهد من خلال كل كلمة وكل نظرة مدى الألم التي تعيشه، كما أن العرض يقدم السجينات كبشر، لديهم ظروفهم ومبرراتهم ولحظات ضعف تغيير مسار حياتهم، وهو ما جعل الجمهور يتعاطف معهم."
وتحدثت أبو زيد عن دور الإخراج الذي قدمه يوسف مراد منير، وعلقت: "المخرج منح كل شخصية مساحتها، مما ساعدنا على تقديم عرض جماعي مؤثر، مضيفة أن خشبة المسرح مازالت قادرة على تغيير رؤية المجتمع من خلال الفن الصادق."


ليلى مجدي: "صرصارة" فتاة تمزج بين العنف والضعف وتخفي ألمها خلف قسوتها
أوضحت الفنانة ليلى مجدي أن مشاركتها من خلال دور "صرصارة" كانت تجربة فنية ممتعة، مؤكدة أن شخصيتها في العمل ينتمي إلي النمط الشعبي الجريء والعفوي، لكنها تحمل أبعادًا مأساوية عميقة، وعلى رغم فوضويتها وصوتها العالي، إلا أنها "ست ضعيفة داخلياً تحاول إظهار قوتها لتتستر على قهرها بالضحك"، وتابعت أن التحدي الأكبر كان في كيفية تقديم هذه الازدواجية للجمهور.
واكملت: "هناك الكثيرين بعد انتهاء العرض أكدوا لي بإنهم يعرفوا فتاة مثل صرصارة، وهذا أسعدني للغاية".
نانو مرسي.. إبداعات ما خلف الكواليس
من جانبها، أبدعت نانو مرسي، كمخرج مساعد ومشرفة فنية، على كافة التفاصيل الفنية، من إكسسوارات وملابس وخطة المكياج، مضيفة من خبرتها الكبيرة في العمل المسرحي داخل البيت الفني لوزارة الثقافة، هذا التكامل في النظرة الفنية شارك في تقديم عرض مسرحي متكامل لمس القلوب وآثار التساؤلات.
يذكر أن "سجن النسا" رائعة الكاتبة الكبيرة فتحية العسال، من بطولة هايدي عبد الخالق، هنادي عبد الخالق، شريهان الشاذلي، نشوى حسن، آية أبو زيد، راندا جمال، صافي فهمي، ليلة مجدي، دعاء الزيدي، ليلى مراد، جنى عطوة، ايريني مجدي، ولاء الجندي، تمثيل وغناء هبة سليمان، أشعار أحمد الشريف، ألحان محمد عزت، أزياء سارة شكري، ديكور محمود صلاح، إضاءة محمود الحسيني، استعراضات محمد بيلا، وإخراج يوسف مراد منير.









