بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

بعد وفاة طفلة وسيدة..

«الإندومى» قاتل صامت فى البيوت المصرية

بوابة الوفد الإلكترونية

«المواد الحافظة».. خطر يداهم صحة المواطنين، فى سكون تام، من خلال تغلغله داخل كل الأغذية، إذ صُنعت لتحافظ على شكل ومذاق الأغذية الجاهزة أطول مدة ممكنة، لتصبح مكوناً أساسياً فى كل الأطعمة المصنعة والمشروبات المعلبة، وتحتوى معظم المواد الحافظة على نترات الصوديوم وبنزوات الصوديوم وهى مواد كيميائية اصطناعية أساساً. ومنذ أيام قليلة، ظهرت دراسة أمريكية كشفت أن تلك المواد قد تكون لها تأثيرات غير متوقعة على ميكروبيوم الأمعاء، حيث أوضح الباحثون أن مادة شائعة الاستخدام لحفظ الأطعمة، قد تؤثّر على البكتيريا المفيدة فى الأمعاء، ما يهدّد التوازن الصحى لميكروبيوم الأمعاء، ونُشرت النتائج، بدورية الجمعية الكيميائية الأمريكية، أن ميكروبيوم الأمعاء هو مجتمع معقد من البكتيريا التى تعيش فى أمعائنا، يُقدر عدده بـ100 تريليون، أى أكثر من عدد الخلايا فى الجسم، ويلعب ميكروبيوم الأمعاء دوراً محورياً فى صحة الإنسان، من خلال القيام بأدوار مُساعدة، أبرزها: هضم الطعام، وامتصاص العناصر الغذائية، وتنظيم جهاز المناعة، والوقاية من أمراض مثل السُّمنة وأمراض القلب والسّكرى والسرطان.
خلال الدراسة، درس الفريق تأثير إضافة «النيسين» على توازن ميكروبيوم الأمعاء، وذلك باستخراج قاعدة بيانات عامة لجينوم بكتيريا الأمعاء البشرية، ووجد الباحثون أن هذه المادة تؤثّر على توازن ميكروبيوم الأمعاء، عبر قتل مسببات الأمراض وميكروبيوم الأمعاء على حدّ سواء.
وتعيش الميكروبات الموجودة فى الأمعاء بتوازن دقيق؛ لكن إذا قُتل عدد كبير جداً من ميكروبيوم الأمعاء بشكل عشوائى بواسطة المواد الحافظة، فقد تحلّ البكتيريا المسببة للأمراض الانتهازية مكانها، وتعيثُ فساداً فى الأمعاء.
وفاة طفلة وسيدة
شهدت الأيام القليلة الماضية، لقيت سيدة مسنة مصرعها وأصيب 8 من أفراد أسرتها بحالة تسمم إثر تناولهم وجبة «إندومى» داخل منزلهم بمنطقة المنيرة الغربية بمحافظة الجيزة.
وصرحت النيابة العامة بشمال الجيزة بدفن جثة الطفلة ضحية تناول وجبة إندومى سامة (شعرية جاهزة فاسدة)، بمنطقة أوسيم التابعة لمحافظة الجيزة؛ عقب الانتهاء من معاينة الطب الشرعى للجثة.
كما سيطر الحزن على أهالى مركز أجا بمحافظة الدقهلية، الشهر الماضى، بعد وفاة طفلتين شقيقتين «ملك.أ» (7 سنوات)، و«مروة» (5 سنوات) فى ظروف غامضة، وتبيّن أن آخر ما تناولتاه وجبة شعرية سريعة التحضير، وبعدها أصيبتا بحالة إعياء شديدة، وجرى نقلهما إلى المستشفى فى محاولة لإسعافهما، ولفظتا أنفاسهما الأخيرة، حسبما أفادت مدير أمن الدقهلية.
بعد هذه الواقعة، تنامت مشاعر القلق بين المواطنين وخوفهم من احتمالية تعرضهم للوفاة بسبب تناول شعرية سريعة التحضير بشكل مستمر، ما قد يعرض حياتهم للخطر.
وقال حازم المنوفى، عضو شعبة المواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية، ورئيس شعبة البقالة والمواد الغذائية والعطارة بغرفة الإسكندرية، منذ عامين، إن الهيئة القومية لسلامة الغذاء أصدرت خطاباً موجهاً لجميع التجار بعدم بيع أو تداول عدد من أصناف «إندومى» فى الأسواق، لافتاً إلى أن الأنواع الممنوعة من التداول حفظاً على سلامة المواطنين، هى جميع نكهات الشطة، وطعم فراخ متبلة خاص 75 جراماً، وأكواب خضار 65 جراماً، وكانت هيئة سلامة الغذاء، برئاسة الدكتور حسين منصور، قررت فى وقت سابق بسحب عينات من منتجات اندومى للتحقيق فى مدى مطابقتها لشروط سلامة الطعام والأغذية فى مصر، ضمن حملات الهيئة فى سياق دورها المخولة له للحفاظ على صحة المواطنين.
يذكر أنه فى عام 2022، تم سحب أحد أنواع الشعرية سريعة التحضير من الأسواق، فى إطار دور الهيئة القومية لسلامة الغذاء، بعد التأكد من وجود نظام فاعل فى المنشآت الغذائية يمكنها من تتبع كافة المنتجات الغذائية التى تصنعها هذه المنشآت، خلال مراحل إنتاج السلعة الغذائية كافة، حتى الوصول إلى المستهلك النهائى.
وقالت الهيئة القومية لسلامة الغذاء حينها، إنه تم سحب عينات دورية لاختبارات معملية للمنتجات الغذائية المختلفة، من خلال رصدها لسلامة تلك المنتجات المطروحة فى الأسواق بما فيها منتجات الشركات التى اعتمدتها الهيئة كمنشآت مدرجة بالقائمة البيضاء.
مخاطر جسيمة أبرزها السرطان
وتعقيباً بوجه عام على انتشار المواد الحافظة، علق الدكتور حمدى فهمى الحبشى، دكتوراه فى هندسة التصنيع الغذائى وخبير بالأعشاب الطبية، على أضرار استخدام الألوان والنكهات والمواد الحافظة بالمشروبات والأغذية، قائلاً: «هناك بعض العادات الغذائية الفاسدة التى تنتشر بشوارع مصر، فنرى المشروبات الصناعية تنتشر كطعم الكباب والفراخ وغير ذلك التى اعتاد الناس على استخدامها وبافراط، ولكن عاداتنا الغذائية السفيهة والجهل الصحى والغذائى نختار ما يضرنا من مشروبات أو أغذية ونترك من هو صحى ونافع لصحتنا وصحة أطفالنا.
وأوضح «الحبشى» أن الإفراط فى استخدام الألوان والنكهات والمواد الحافظة فى المشروبات والأغذية، يُعد من أخطر المسببات المرضية لصحة الناس، وأساس هذه المشكلات الجهل الصحى والغذائى للكثير من الناس بمخاطر تلك المواد على صحة الناس وسلامتهم، وانتشار تلك السلوكيات الفاسدة بالمجتمعات العربية، بالإضافة إلى ضعف أو انعدام الرقابة الصحية والغذائية لما يتناوله الناس من مشروبات وأغذية، وانعدام ضمائر الكثيرين من منتجى تلك المشروبات والأغذية وهدفهم الرئيسى فى إنتاجهم لتلك المشروبات والأغذية هو الربح فقط.
إتلاف خلايا الدماغ
وتعليقاً على وفاة الطفلين، أوضح الدكتور مازن علاء، استشارى الإرشاد الأسرى، أن هناك مخاطر كثيرة على الشعرية سريعة التحضير، التى تسبب تسمم ووفاة، والسبب فى هذا الأمر هو أن الإندومى يحتوى على نسبة عالية من الدهون والسعرات الحرارية والصوديوم، ونسبة عالية من الألوان الصناعية والمواد الحافظة، ومن هنا قد تبدأ مخاطره وتأثيراته السلبية على الصحة، منها الزيادة فى الوزن بسبب محتواه من الدهون، فعند قراءة الملصق الغذائى يتبين أن الحصة الواحدة من الاندومى (70 جرام) تمدك بـ 350 سعراً حرارياً، من بينها 139 سعر حرارى دهون.
وتابع «علاء» أن هناك أضراراً للجهاز العصبى، حيث يحتوى الإندومى على الملح الصينى (غلوتاميت أحادى الصوديوم) أو ما يسمى معزز النكهة E621، وتعتبر هذه المادة من أخطر المواد المضافة، إذ أنها: قد تعمل على إتلاف خلايا الدماغ، فضلاً عن إضعاف الذاكرة وإضعاف القدرة على التركيز، كما ترتبط ببعض أمراض الأعصاب مثل: مرض الرعاش ومرض ألزهايمر، كما إنها ضارة للكبد، حيث يحتوى على مادة البروبيلين غليكول (Propylene glycol) والتى تعمل على حفظ رطوبة الشعيرية، وأظهرت الأبحاث أن هذه المادة قد تضر الكبد والكلى وكذلك القلب، خاصة لدى الأطفال.
ونوه أن التسبب بالسرطان، قد يرتبط بتناول المكرونة سريعة التحضير بكميات مستمرة وكبيرة، وتؤدى إلى سرطان الدماغ، ولا ننسى الصحة النفسية، وتأثيرها السلبى على الصحة النفسية فهم أكثر عرضة للانفعالات والتوتر، وتسبب الشعور بإحساس مستمر بالصداع، تأثراً نتيجة نسبة الدهون والمواد الحافظة العالية، كما تؤثر على الكلى وتزيد من خطر تلفها، فهى تحوى نسب عالية من المواد المصنعة الضارة، إضافة إلى محتواها العالى من الصوديوم، كما أن تأثيرها على القلب والشرايين قد يكون سلبياً بسبب ما تحتويه من دهون مشبعة ومهدرجة، لذا لا ينصح مرضى القلب أو الضغط بتناولها.
ومن الناحية القانونية، أوضحت الدكتورة ايه نور الدين، ‏دكتوراه فى القانون قسم فلسفة القانون وتاريخية، أن السبب فى انتشار الشعرية سريعة التحضير الفاسدة، هو الغش التجارى فى الأطعمة، ويوجد فى مصر قانون قمع الغش والتدليس التجارى رقم 48 لسنة 1941، والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994، فهو الإطار التشريعى الرئيسى فى مصر لمكافحة الغش التجارى، حيث يحدد هذا القانون العقوبات المترتبة على الغش فى المنتجات، سواء كانت أغذية، أدوية، أو سلع أخرى، وتشمل العقوبات الحبس والغرامات المالية التى تتفاوت بناءً على خطورة الجريمة وتأثيرها على صحة الإنسان أو الحيوان، لافتة إلى أنه على الرغم من أن هذا القانون يضع عقوبات صارمة للحد من الغش التجارى، إلا أن فعاليته تعتمد بشكل كبير على تطبيقه العملى ومدى التزام الجهات الرقابية بإنقاذه.
ونوهت «نور الدين» إلى أنه قد تكون هناك حاجة إلى تحديثات دورية للقانون لمواكبة التطورات فى أساليب الغش والتدليس، بالإضافة إلى تعزيز آليات الرقابة والتفتيش لضمان حماية المستهلكين، وبصفة عامة، يمكن القول إن الإطار القانونى موجود، ولكن فعاليته تتوقف على التنفيذ الصارم والتحديث المستمر لمواجهة التحديات المستجدة فى مجال الغش التجارى، لافتة إلى أن قانون الغش التجارى فى مصر يضع إطاراً قانونياً لمكافحة التلاعب فى الأسواق وحماية المستهلك، لكنه لم يكن كافياً لعدة أسباب منها عدم كفاية القانون، كضعف الرقابة والتطبيق وغياب الرقابة الصارمة وعدم وجود آليات فعالة للتفتيش أدى إلى ضعف تطبيق القانون، ووجود حالات فساد وتواطؤ بين بعض المراقبين والتجار يقوّض جهود مكافحة الغش، وتأخر الفصل فى القضايا يعطى فرصة للمخالفين للاستمرار فى ممارساتهم، وعدم ملاءمة العقوبات، أى أن العقوبات الحالية قد تكون غير رادعة، خاصة الغرامات المالية التى قد لا تتناسب مع الأرباح التى يجنيهاً التجار المخالفون، وظهور أساليب جديدة ومعقدة للغش لم تكن مشمولة فى النصوص القانونية القديمة، وضعف الوعى المجتمعى، فكثير من المستهلكين لا يبلغون عن حالات الغش لعدم معرفتهم بحقوقهم أو عدم ثقتهم فى جدوى التبليغ.
وأشارت الخبيرة القانونية إلى أنه ليس بالضرورة إنشاء قانون جديد، ولكن هناك حاجة ماسة إلى تعديلات جوهرية وتطوير شامل للقانون الحالى تشمل: تغليظ العقوبات وفرض عقوبات مالية ضخمة وحبس فى حالات الغش الجسيم أو المتكرر، وتحديث النصوص القانونية أى تضمين أنواع الغش الإلكترونى والرقمى والممارسات التجارية الحديثة، وتعزيز الرقابة أى استخدام التكنولوجيا مثل أنظمة تتبع المنتجات وإنشاء قاعدة بيانات للسلع والمنتجات لضبط السوق، وحماية المبلغين كسنّ تشريعات توفر حماية قانونية للمبلغين عن حالات الغش التجارى، وتخصيص محاكم اقتصادية وتسريع البت فى قضايا الغش من خلال دوائر قضائية متخصصة، والتوعية المجتمعية من خلال حملات إعلامية لتثقيف المواطنين حول حقوقهم وكيفية التبليغ عن المخالفات، وبالتوازى مع هذه التعديلات، يجب العمل على تحسين كفاءة الجهات الرقابية وضمان استقلاليتها لتحقيق الردع الفعّال وحماية الاقتصاد والمستهلكين