بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الداعية الإسلامى د. عادل المراغى المتخصص فى علوم الاستشراق:

اﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﻓﻰ ﺻﺤﻴﺤﻰ »ﻣﺴﻠﻢ« و»اﻟﺒﺨﺎرى« ﻃﻌﻦ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ

بوابة الوفد الإلكترونية

منظومة «الأخلاق» تحتاج إلى إعادة صياغة
وسائل التواصل الاجتماعى أفرزت مسخاً مشوهاً من الشباب
التشكيك فى صحيحى «مسلم» و«البخارى» طعن فى السنة النبوية
تجدد الخطاب الدينى ضرورة.. والإسلام ليس شعائر تعبدية فقط
يجب إعمال فقه المآلات.. وكتب التراث فى حاجة إلى «غربلة»

 

 

ولد الدكتور عادل محمد المراغى بقرية «باصونة» بمركز المراغة فى محافظة سوهاج بصعيد مصر، حفظ القرآن فى سن مبكرة بالكُتاب فى قرية «شندويل» على يد الشيخ سيد أبوخشبة، ثم التحق بمعهد الإمام المراغى الإعدادى الأزهرى ثم بمعهد «إقصاص» الثانوى الأزهرى، تخرج فى كلية الدعوة الإسلامية بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، حصل «المراغى» على الدراسات العليا ثم الماجستير بقسم الأديان والمذاهب بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة بتقدير امتياز وكانت أطروحته بعنوان «دور اليهود فى الحركة الاستشراقية»، ثم سافر مبعوثاً من قبل وزارة الأوقاف إلى هولندا وحصل على الدكتوراه بعنوان «جامعة لايدن بهولندا فى الحركة الاستشراقية» بتقدير مع مرتبة الشرف الأولى، عمل إماما وخطيبا بمسجد النور بالعباسية على مدار 7 سنوات، عمل مذيعا ومقدما للعديد من البرامج التلفازية، كتب العديد من المقالات الصحفية وتأثر كثيرا بالشيخ محمد الغزالى كما تأثر بالدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف، امتاز «المراغى» بأسلوبه الخطابى القوى والمؤثر، إضافة إلى صوته العذب فى تلاوة القرآن والذى أهله ليتقدم الصفوف الأولى بين السعاة ليصبح نموذجا مشرفا من أئمة الأوقاف والأزهر داخل مصر وخارجها.
له العديد من المؤلفات أهمها «روضة الأدب ونزهة الخطيب»، كتاب «صيد القلوب» و«روضات الجنات فى اغتنام شهر الرحمات» و«سفينة النجاة» و«شرح الصدور فى غنائم الفجر والبكور» و«صناعة السعادة» و«تذكير الأصحاب بأخلاق الكلاب» و«شباب غيروا مجرى التاريخ» و«روافع البلاء ودوافع الوباء» و«نفوذ اليهود فى المجتمع المعاصر» وغيرها من المؤلفات المهمة. «الوفد» التقت به وكان هذا الحوار:
< نعيش هذه الأيام بركات شهر رمضان الكريم.. كيف للمسلم أن يغتنم هذه الأيام المعدودة وما الاستراتيجية التى يمكن أن يسير عليها بعد انتهائه؟
- شهر رمضان فرصة عظيمة وباب من أبواب الخير ومحطة من محطات التزود للدار الآخرة، وعلى هذا الأساس فكل لحظة من لحظات رمضان غالية الثمن لنعود إلى يوم القيامة، وأبواب الخير مشرعة وأبواب الجنان فتحت، وليس هناك عذر لأى مقصر، ولذك النبى صلى الله عليه وسلم لما ارتقى المنبر وأمَّن جبريل عليه السلام على دعائه، قال: رغم أنف امرئ دخل عليه رمضان فلم يغفر له، فقل آمين، فقلت آمين، المحروم من حُرم من التوفيق فى هذه الأيام، والموفق من وفقه الله تبارك وتعالى: وإذا كان سيدى ابن عطاء السكندرى يقول: «إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك» فعلى العبد دائما وأبدا أن يعرف أين هو من الله تبارك وتعالى، فى هذه الأيام الحسنات تتضاعف والسيئات تتناثر، والكون كله قانت لله عز وجل طوع إرادته، فعلى الإنسان دائما وأبدا أن يضع لنفسه برنامجا من صلاة التراويح وتلاوة القرآن الكريم من إفطار الصائم، من ذكر الله عز وجل، من جبر الخواطر، من صلاة الجماعة، كل ذلك مهم جدا، فى هذه الأيام فعلى الإنسان أن يغتنم اللحظة لأنه قد لا يأتى عليه رمضان إلا وهو بين أطباق الثرى، «وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت».
< ليلة القدر.. كيف يحيى المسلم هذه الليلة المباركة؟
- ليلة القدر تسمى بليلة العمر، هذه الليلة لا أقول تعدل بل وأفضل من عبادة 83 سنة، وستة أشهر، ليلة القدر نفحة إلهية ومنحة ربانية لأمة النبى صلى الله عليه وسلم، ليلة القدر يسمع فيها الخطاب ويقرب فيها الأحباب يسمع فيها النداء، ويرفع فيها اللواء، هذه الليلة المباركة كان سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم يعتكف ويجتهد ويشد المئزر تحريا لهذه الليلة، والسبب أن النبى كان يعتكف إنما التماسا لليلة القدر، وكان عليه الصلاة والسلام فى بداية فرض صيام رمضان يعتكف فى العشر الأواسط من الشهر فجاءه جبريل وقال له إن الذى تنتظره خلفك يا محمد، فاستقر اعتكاف النبى صلى الله عليه فى العشر الأواخر التماسا لهذه الليلة، فالدقيقة فى ليلة القدر تعدل ثمانى سنوات، وليلة القدر تحصر فى سبع ساعات من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ملائكة تتنزل ودعاء يرفع وذنوب تغفر وأناس يجبرون فى هذه الليلة المباركة، من حُرمها فقد حُرم، وهناك ثلاث هدايا فى رمضان، الهدية الأولى «من قام رمضان إيمانا واحتسابا»، الهدية الثانية «من صام رمضان إيمانا واحتسابا»، الهدية الثالثة «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا» فمن لم يستطع أن يقيم رمضان فيما مضى ليستطيع أن يدرك ما فاته بقيام هذه الليلة، فمن وفق فى قيامها فقد وفق ومن حُرم فقد حُرم، والعلماء وضحوا أنها محصورة فى الليالى الأوتار، كما فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم «التمسوها فى الأوتار» العشر الأواخر.
< الانهيار الأخلاقى بين الشباب.. كيف يمكن أن نعالجه؟
- منظومة الأخلاق تحتاج إلى صياغة أخرى، فلدينا خلل خطير جدا فى الجانب الأخلاقى ودائما وأبدا نؤكد أن الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق والجانب الأكبر الذى ورد فى القرآن الكريم (602) آية تتحدث عن الأخلاق فكأن الجانب الأخلاقى هو الأهم وما أفل نجم حضارة إلا بانهيار الأخلاق وما تقدمت أمة إلا بالتقدم الأخلاقى ولذلك قال أمير الشعراء أحمد شوقى:
وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتما وعويلا
< والإسلام يحث دائما على إحياء الجانب الأخلاقى لأن الناس لا يرون منك العقيدة ولا الشريعة إنما يرون أخلاقك، فالدين هو المعاملة وعلى هذا الأساس جاء النبى صلى الله عليه وسلم لإكمال هذه المنظومة فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق، أو صرح الأخلاق، فكل الديانات التى نزلت من السماء تصب فى هذا الجانب «الأخلاق» لكن عندنا فقد كُسرت هذه المنظومة، فأصبح هناك نوع من اللامبالاة عند الشباب إلا من رحم الله، نوع من أنواع عدم احترام الكبير، نوع من أنواع الجرأة فى الألفاظ، فوسائل التواصل الاجتماعى أفرزت مسخا شائها من الشباب، أفرزت نوعا من أنواع التعالى والألفاظ السوقية عند بعض الناس، فلابد أن نعود مرة أخرى إلى التربية التى ترباها أباؤنا وأجدادنا، وهى التربية الإسلامية، فالنبى صلى الله عليه وسلم لخص ذلك وقال: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه»، فلابد أن تتكاتف وتتضامن كل مؤسسات الدولة لبناء منظومة الأخلاق وإعادتها بداية من البيت ثم المدرسة ثم المسجد والكنيسة ثم الجامعة فأخطر ما يواجه الشباب اليوم هم رفقاء السوء ولذلك فإن بداية الفساد يبدأ من الأصدقاء وبداية الالتزام يبدأ من الأصدقاء «فالمرء على دين خليل فلينظر أحدكم من يخالل»، كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم.
< تزايدت مؤخرا محاولات التشكيك فى صحيحى البخارى ومسلم لا سيما عبر وسائل الإعلام ومن جانب من يعتلون المنابر، كيف ترى هذه المزاعم؟
- أولا: لدينا علماء نحارير فى مجال السنة النيوية وهم الذين غربلوا الأحاديث النبوية فلم يدعوا مجالا لأى طاعن على مر التاريخ ولدينا ميزان يسمى بميزان الجرح والتعديل، فعلماء الأمة الأكابر استطاعوا غربلة صحيح البخارى فهذا الصحيح شرحه أكثر من 106 شراح على مر التاريخ، وهؤلاء يعدون من الأتقياء فعلى سبيل المثال ابن أبى جمرة والقسطلانى عندما شرح صحيح مسلم وغيرهم، فنجد كثيرا من العلماء الكبار هؤلاء وقفوا عند كل لفظة من حديث البخارى وبعض الأحاديث وقفوا عندها سندا وغربلوها لا تتعدى سبعة أحاديث أما الطعن فى أحاديث البخارى فهو أسلوب استشراقى وبحكم تخصصى فى الاستشراق، فالمستشرقون لما لم يجدوا بابا ينفذون من خلاله للطعن فى القرآن الكريم أتوا إلى الباب الخلفى للقرآن وهو السنة النبوية فأرادوا من خلال هذا الطعن - كما يقولون - تصحيح الأحاديث وهم كاذبون ولدينا الآن بعض تلامذة المستشرفين الذين أكلوا على موائدهم وتقيأوا ولم يستطيعوا هضم ما كتبه المستشرقون، فهؤلاء المستغربون أما ما يسمون بالقرآنيين، هؤلاء قوم مساكين يهرفون بما يعرفون فالإنسان منهم لا يعرف أنفه من أذنه، ثم بعد ذلك يتجرأ جرأة عجيبة على صحيح البخارى، وهناك موازين حددها العلماء للحديث عن صحيح البخارى، أو صحيح مسلم، وبلا شك فإن السنة النبوية استطاع العلماء على مر التاريخ تحقيق هذه النصوص ولم يدعو مجالا لطاعن إطلاقا، فالطعن فى السنة النبوية والتشكيك فيها هو موضوع قديم تبناه هؤلاء، وقد تصدى علماء الأزهر قاطبة وعلماء الحديث على وجه الخصوص لمثل هذه الأمور، فالمطلوب إزاء ذلك أن نبين للناس ونفضح ونكشف عوار هؤلاء القوم فهم قليلو البضاعة ولا يعرفون شيئا عن السنة حتى يطعنوا فيها، فهم قوم علمانيون ولهم توجهات مختلفة، قوم إما أن تجده مدفوعا أوقرأ كتبا من كتب الاستشراق ثم بعد ذلك جاء يطعن فى صحيح البخارى.
< نحو خطاب دعوى جديد يتحدث بلغة العصر وتقنياته ويتضمن روح عصر النبوة. هل بات هذا مطلبا ملحا؟
- من المهم جدا تجديد الخطاب الدينى بما يناسب العصر، ففى عهد بنى أمية سرى فكر عقيم سقيم أضر بالإسلام، فقد حصروا مفهوم الدين فى الشعائر التعبدية فلابد أن تخرج بالإسلام إلى واقع الناس، فالإسلام ليس فقط شعائر تعبدية من صلاة وصوم وزكاة وحج فقط، فهذا جزء من العبادة فالله عز وجل خلقنا لثلاثة أسباب كما يقول الإمام القرافى، أولا: للعبادة «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، ثانيا: لأجل عمارة الأرض «هو الذى أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها»، ثالثا: حتى نكون خلفاء «هو الذى جعلكم خلفاء فى الأرض»، فعلى هذا الأساس فقد انحصر الخطاب الدينى فى جزء بسيط وهذا الجزء أضر بالعباد والبلاد، فعندما تجد على سبيل المثال العبادات المدنية أكثر وأعظم أجرا من نوافل العبادات الروحية فلدينا العبادات قسمان قسم روحى مثل الصلاة والعمرة والحج، وقسم مدنى مثل إدخال السرور على الناس، فهذا عبادة وجبر لخواطر الناس، قضاء حوائجهم وعدم تعطيل مصالح العباد والابتسامة، والسعى فى إسعاد الغير فمن سعى فى إسعاد الناس أسعده رب الناس، وقد تضمن حديث النبى صلى الله عليه وسلم عند الطبرانى هذا لما سُئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل العبادة عند الله قال: سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضى عنه دينا أو تدفع عنه جوعا، ثم سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الناس قال: أنفعهم للناس»،وهنا أمر مهم فى تجديد الخطاب الدينى فنحن نحتاج إلى عالم مؤثر يغير مجرى الكون، عالم مصلح فالإصلاح هو الأساس فى حياة العالم، فنحن نحتاج إلى العالم الذى يكون كالشمعة يضىء للناس، يكون كشجرة الزيتون، يستظل بظلها القاصى والدانى.
< إذاً هل لدينا خلط فى مفهوم التجديد؟
- لدينا انتكاسة فى مفهوم تجديد الخطاب الدينى من ناحية أن أغلب الناس يفهمون أنه من الممكن أن يصلى ثم يرتشى ولديه انفصام، نكد بين الأمرين، فالعبادة لدينا تصحب الإنسان من أول ما يستيقظ إلى أن يخلد إلى نومه فهو عبادة، حتى أن نوم الإنسان عبادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة وذكر منها أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى»، ثم قال صلى الله عليه وسلم:« الطهور شطر الإيمان»، إذاً النظافة عبادة فعلى هذا الأساس فإن مفهوم العبادة لدينا ناقص وينبغى أن نجدد الخطاب الدينى وتجديده يكون بتجديد الداعية، والإيمان فلابد من تصحيح الأفكار عند الناس، وهذا المفهوم سرى من وقت ضعف الدولة العباسية فلماذا تخلفت أمة الإسلام وسارت فى ركب القافلة، بهذا المفهوم الذى سرى وهو الخطاب الدينى الكئيب المريض الذى يريد حصر الناس فى الشعائر التعبدية، ودائما العالم لا يعترف إلا بالقوى، والنبى صلى الله عليه وسلم ضمن هذا قائلا: «المؤمن القوى أحب إلى الله من المؤمن الضعيف» حتى قال القائل حينما تحدث عن هذا المفهوم: «لا ترد الحقوق فى مجلس الأمن وإنما ترد فى مكتب التنسيق، فعلى هذا الأساس لن يدافع عن أعراض الأمة ومكوناتها إلا المدفع الضخم، والذى حدده الله عز وجل بقوله: «وأنزلنا الحديد فى بأس شديد»، وفى سورة المزمل قدم العمل على قيام الليل بل تقدم العمل على الجهاد فى سبيل الله «وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله».. لماذا قدم الله العمل على الجهاد، لأن الجهاد لا يتأتى إلا بعد العمل، وأمة الإسلام أصبحت أضيع من الأيتام على موائد اللئام، والسبب فى ذلك أنها فهمت أن الدين محصور فى المسجد وفى الأذكار وما شاكل ذلك، لكن الإسلام يحتاج من أتباعه أن يكونوا أقوياء مؤثرين لا متأثرين.
< أين يتمثل دور العلماء والدعاة ُى ظل الظروف الراهنة التى تمر بها الأمة الإسلامية؟
- دور العلماء والدعاة يتمثل في الدعوة إلى خطاب جمع الكلمة ورأب الصدع وعدم تفرقة الأمة، ويعجبنى حديث فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف عن الشيعة عندما قال: ليس هذا وقت الحديث عن الشيعة ولا تفرقة فصيلى الأمة الإسلامية فنحن نحتاج إلى جمع شمل أمة الإسلام، باعتبار أن هنالك عدوًا لدودًا لا يعرف إلا لغة القوة، عدو أوحد وصفه الله عز وجل فى القرآن الكريم قائلا: «لتجدنهم أشد الناس عدوة للذين آمنوا»، فهذا العدو الشرس يحتاج منا إلى جمع الكلمة، يحتاج منا إلى نبذ المذاهب والصراعات والأفكار التى تؤدى إلى تفرقة أمة الإسلام، فعلى سبيل المثال فقد كان التفرق والتشرذم هو سبب ضعف أمة الإسلام على مر التاريخ وسقطت الأندلس قديما بسبب الفرقة، حتى يحكى أن ابن حزم الأندلسى قديما أن أربعة أمراء كانوا فى مكان واحد، وكل منهم يسمى نفسه بأمير المؤمنين، وقد عبر عن ذلك ابن شرق القيروانى فقال: «ألقاب مملكة فى غير موضعها، كالهر يحكى انتفاخا صولة الأسد». فإذا ما أراد الله إذلال أمة رماها بتشتيت الهوى والتخاذل فأعظم عقاب من الممكن أن يعاقب الله به أمة الإسلام هو التفرق والتشرذم والتنابذ، وعلى هذا الأساس نحن نحتاج جميعا إلى العلماء والدعاة ودورهم فى جمع كلمة المسلمين، على أن العدو واحد فهناك ما يسمى فقه الأولويات وفقه المآلات ونحتاج إلى إعمال فقه المقاصد فهو أمر مهم جدا فى هذه الآونة التى تعيشها الأمة.
< هناك من يرى أن الغرب يقود مؤامرة على الأمة الإسلامية والعربية.. فما رأيك فى هذا الطرح؟
- القرآن الكريم تحدث فى آياته عن المؤامرة، قال تعالى: «ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا» فالمؤامرة ليست وليدة اليوم، بل من عهد النبى صلى الله عليه وسلم حينما تمالأ عليه الأحزاب، وتوالى بعد ذلك اليهود أيضا عليه، إذاً المؤامرة موجودة منذ القدم، وهناك مخطط مثل برنارد لويس لتجزئة العالم الإسلامى، حينما أقدم على ذلك 1991، وكان يعمل فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» وقدم مخططا لتجزئة العالم الإسلامى إلى كنتونات صغيرة وبدأ بمصر لتجزئتها إلى عدة دويلات، ثم ثنى بالسودان وقد قسمت السودان وسوريا ولبنان ولولا يقظة الجيش المصرى لتفرقت مصر، ولكن يقظة القيادة السياسية الحكيمة، والجيش المصرى استطاعت أن تعبر بمصر إلى بر الأمان، فأى دولة لا تهدم إلا بهدم مقوماتها وبجهل أبنائها وهدم جيشها، نعم هناك مؤامرة مثل ما يعرف بمخطط الشرق الأوسط الكبير، وما يعرف الآن بإجلاء شعب كامل من غزة، كل هذا يدل على أن هناك مخططا لضرب مصر فى مقتل، حيث إنها أقوى دولة عربية فى الشرق الأوسط، ولذلك نحن فى حاجة إلى اليقظة لمخطط الأعداء الذى يهدف إلى ضرب العالم الإسلامى وتجزئته وما حدث فى السودان وليبيا لتجزئة المجزأ وكذلك اليمن وغيرها من الدول.
< عشت فى هولندا فترة  كبيرة.. كيف ترى الجهود المبذولة لتصحيح صورة الإسلام فى أوروبا.. وما  تقييمكم لجهود الأزهر الشريف في التصدى لظاهرة «الإسلاموفوبيا» وخدمة قضايا الأمة؟
- نحتاج إلى تفعيل دور الأزهر الشريف أكثر من ذلك وكذلك الأوقاف لأن كل من يمثلون الإسلام فى الغرب يحتاجون إلى وقفة، إما أن تجد شيعيا يمثل الإسلام ويصلى فى الحسينيات ويدعو إلى مذهبه، وإما أن ترى شخصا أزهريا وقد قدم من شتى بقاع الأرض لا للدعوة وإنما بدافع السعى وراء المال، وإما أن تجد بعض المتطرفين المتنطعين المتأسلفين يرتدون عباءة السلفية باعتبارهم يمثلون الإسلام ويفتعلون قضايا شائكة وفردية حتى فى هولندا، فضيق الأفق يسيىء للإسلام، فالإسلام قضية ناصعة، فلو وصلت صورة الإسلام الناصعة الجميلة لدول الغرب لما وجدنا بيتا إلا وقد طرقه الإسلام فى بلاد الغرب لكننا مقصرون فى إيصال الصورة الناصعة، فالدين بجماله وقيمه ومقاصد الإسلام كل هذا نحتاج إلى إيصاله لدول الغرب.
< إحياء التراث والثقافة الإسلامية قضية مهمة.. كيف تراها؟
- إحياء التراث والمعاصرة لا ينفكان فنحن نحتاج إلى فهم التراث بالشكل المعاصر ولا نحتاج إلى ضرب التراث فى مقتل كما يزعم الكثيرون بأن التراث يحتاج إلى ردم، فهذا أمر خطأ بل إن العلماء الربانيين الذين تعلموا فى الأزهر كانوا يعيشون دائما بين التراث والمعاصرة، ولكن هناك لفتة وهى أن ليس كل التراث مقدسا، فالمقدس لدينا هو القرآن والسنة فهناك آلاف الأحاديث الضعيفة والموضوعة فى كتب التراث تحتاج إلى الغربلة وتنقيتها فهناك بعض القنابل المفخخة فى كتب التراث موجودة حتى الآن، وهذا ترك بابا مفتوحا للمستشرقين حتى يطعنوا فى ثوابت الدين، فنحن بحاجة إلى لجان متخصصة لغربلة كتب التراث مما شابها فكتب التراث كتبها أناس بشر، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الأساس فإننا نحتاج إلى غربلة كتب التراث وليس إهمالها بالكلية ولا ردها كما يزعم البعض، بل نتعامل معها بمشرط الجراح وليس بسكين الجزار، ولابد أن يقدم على تنقية كتب التراث المتخصصون فى علوم التفسير والفقه والحديث دون غيرهم.
< ما تصوركم لشكل الخطاب الإسلامى المعاصر الذى يجمع بين مقاصد الشريعة ويحقق مصالح العباد؟
- هو الخطاب الذى أطلق عليه «سفينة النجاة» الذى من خلاله ينجو سفينة الوطن بل من خلاله نصل إلى الإسلام الصحيح وجوهره ومقاصده، فالإسلام لدينا كله مقاصد ومصالح، أينما وجدت المصالح فثمّ شرع الله فنحن نحتاج دائما إلى إعمال مقاصد الدين وإلى إعمال الأولويات وفقه المآلات وهو من أهم أنواع الفقه الذى أهملته أمة الإسلام فضلت وأضلت، فسيدنا عمر بن الخطاب عطّل حد السرقة فى عام المجاعة إعمالا لفقه المآلات فهذا الخطاب هو صمام الأمان لأمة الإسلام.
< فى رأيكم ما المطلوب من المسلمين والعرب تجاه المقدسات الإسلامية فى فلسطين حاليا؟
- كل شبر فى أرض فلسطين ملك لكل مسلم، وعلى هذا الأساس فإن أرض فلسطين وقف فى أعناق المسلمين إلى يوم القيامة، فنحن نحتاج إلى استنهاض الهمم، وإيقاظ النيام إزاء هذه المقدسات، فالمسجد الأقصى لا يقل أهمية عن المسجد الحرام فواجب المسلمين إحياء هذه القضية، والدفاع عنها بكل ما أتوا، فالكلمة في حد ذاتها جهاد، فالملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - قال:« علموا أولادكم أن فلسطين محتلة وأنه ليس هناك دولة تسمى إسرائيل، وأن القدس عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية، فلابد من توعية الأجيال القادمة بأهمية هذه المقدسات لأنها جزء لا يتجزأ من الأمة فالحرب الآن حرب وجود».
< أخيرا.. لك مؤلف بعنوان «صناعة السعادة» فما مفهوم السعادة وكيف تصنع؟
- السعادة شىء نسبى، ولن تتأتى إلا فى معية الله عز وجل، السعادة تتأتى من إسعاد الخلق فمن أسعد الخلق أسعده رب الخلق، والجزاء من جنس العمل، فمن كسر كُسر ومن جبر جُبر فالديان لا يموت كما تدين تدان، فإذا أراد الإنسان السعادة فلابد أن يطرق باب الله فالباب الأوحد للسعادة كما قال هارون الرشيد «عددت أيام سعادتى فوجدتها ثمانية عشر يوما»، بالرغم من أن رقعة الدولة الإسلامية وصلت فى عهده إلى الصين شرقا وألى أوروبا غربا، فالسعادة ليست فى الملك ولا فى المال ولا السلطة ولا كثرة الأولاد، فالسعادة فى القناعة بما أعطاه الله.