لماذا يسمح الله للإنسان بارتكاب الأخطاء ثم يحاسبه؟.. علي جمعة يرد

في إطار برنامجه الرمضاني اليومي "نور الدين والدنيا"، أجاب الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، على تساؤل جوهري يشغل أذهان الكثيرين، وهو: "لماذا يسمح الله لنا بارتكاب الأخطاء ثم يحاسبنا عليها؟"
الاختيار والعقل.. مفتاح المسؤولية
أوضح الدكتور علي جمعة أن الله خلق الإنسان ومنحه القدرة على الاختيار من خلال العقل، ثم أرسل إليه الأنبياء والرسل وأنزل الكتب السماوية التي توضح له الطريق الصحيح وتضع له تكاليف شرعية تشمل الأوامر والنواهي. وأضاف: "الله لم يتركنا في هذه الدنيا دون هداية، بل رسم لنا خريطة الفعل وخريطة عدم الفعل، وأوضح لنا العواقب والنتائج."
وتابع: "الإنسان يملك حرية الاختيار، فبإمكانه أن يصلي أو لا يصلي، أن يساعد الفقراء أو يتجاهلهم، أن يتبع أوامر الله أو يعصيها. وبما أن الله أعطانا هذه الحرية، فمن العدل أن نحاسب على أفعالنا يوم القيامة."
الاختبار الإلهي والعدل المطلق
ردًا على سؤال آخر حول "لماذا يختبرنا الله وهو يعلم النتيجة مسبقًا؟"، أكد جمعة أن الله خلق الإنسان من باب التكريم، فهو الرحمن الرحيم الذي أراد لنا الخير، وأعطانا فرصة لنثبت استحقاقنا لرحمته. وأضاف: "خلق الله الملائكة وجعلها في طاعة دائمة، لكنه أعطى الإنسان ميزة الاختيار، وجعله كائنًا مكلفًا له حرية اتخاذ القرار، ومن ثم يتحمل مسؤولية أفعاله."
وأشار إلى أن الله تعالى "أراد أن يعطينا الفرصة، فالحياة اختبار لنا، لكنها ليست اختبارًا مجهول العواقب، بل اختبار عادل، لأن الله لم يتركنا دون إرشاد، وأعطانا القدرة على التفكير والتمييز."
الإيمان بالقضاء والقدر لا يتنافى مع المسؤولية
أكد جمعة أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني أن الإنسان مسير تمامًا بلا إرادة، موضحًا أن الله يعلم المستقبل ولكنه لا يجبر أحدًا على أي فعل، وإنما يترك للإنسان حرية الاختيار، وبالتالي يكون الحساب عادلاً. واستشهد بقول الله تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" [البقرة: 286]، مما يدل على أن الإنسان لن يُحاسب على شيء خارج عن إرادته، وإنما على ما يفعله بوعيه وإرادته الحرة.
المغفرة والتوبة.. باب مفتوح للجميع
واختتم جمعة حديثه بتأكيد أن الله ليس فقط يحاسب الإنسان، بل يفتح أمامه باب المغفرة والتوبة، فكل إنسان معرض للخطأ، لكن الله برحمته الواسعة يقبل توبة العبد إذا عاد إليه نادمًا. وأشار إلى قول النبي ﷺ: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، مما يوضح أن الرحمة الإلهية تسبق العقاب، وأن الإنسان لا يُحاسب إلا بعد أن يُمنح الفرصة للإصلاح.
يؤكد حديث الدكتور علي جمعة أن المسؤولية الأخلاقية والدينية للإنسان تقوم على حرية الاختيار التي وهبها الله له، مما يجعل الحساب في الآخرة مستندًا إلى عدل إلهي مطلق، حيث لا يُظلم أحد، بل يُحاسب كل فرد بناءً على قراراته وأفعاله. ومع ذلك، فإن باب التوبة والمغفرة مفتوح دائمًا، مما يعكس رحمة الله التي سبقت غضبه.