السَّحَر

السَّحر لغةً هو البياض الذى يعلو السّواد، أما شرعاً فهو الوقت الذى يسبق طلوع الفجر، ويبدأ من الثلث الأخير من الليل وينتهى عند طلوع الفجر، فمثلاً لو أنّ مسلماً استيقظ قبل أذان الفجر بساعة أو أقلّ بقليل فيكون حينها قد أدرك وقت السَّحر، ويجدر بالذّكر إلى أنّه لا يُمكن تحديد وقت السَّحر فى وقت معين؛ كأن يُقال إنه يبدأ فى الساعة كذا، وذلك لأنّ الوقت يختلف من بلدٍ إلى آخر، ومن فصلٍ إلى آخر، ولكن لأنّ وقت السَّحر يكون فى الثلث الأخير من الليل فيمكن للمسلم أن يقسّم الوقت فى بلده من العشاء إلى الفجر إلى ثلاثة أقسام، ويكون وقت السّحر فى القسم الأخير منه، ويرى الغزالى− رحمه الله− أن وقت السّحر يكون فى السّدس الأخير من الليل.
كيفية استغلال وقت السحر
خُصّت بعض الأوقات فى اليوم دون غيرها بالبركة والخير العظيم، وحريّ بالمسلم اغتنامها؛ ففيها البركة والخير فى الدنيا والآخرة، ومن هذه الأوقات وقت السَّحَر، ومن الأعمال التى يُستحبّ فعلها فى هذا الوقت المبارك ما يأتي:
− التوجه إلى الله بالدعاء بإخلاص وإلحاح يُستحبّ للمسلم أن يدعو الله −تعالى− فى هذا الوقت، فهو مظنّة إجابة الدعاء، ويدلّ على ذلك قول رسول الله −صلى الله عليه وسلم−: (إنَّ مِنَ اللَّيْلِ ساعَةً، لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ) (٥) الإكثار من ذكر الله −تعالى− ويدلّ على ذلك قول رسول الله −صلى الله عليه وسلم−: (إنَّ أقرَبَ ما يَكونُ الرَّبُّ منَ العَبدِ جَوفُ اللَّيلِ الآخِرِ، فإنِ استَطَعتَ أن تَكونَ مِمَّن يَذكُرُ اللهَ فى تِلكَ السَّاعةِ فكُنْ).
2− الاستغفار والرجوع إلى الله −تعالى− يُستحب للمسلم أن يُكثر من الاستغفار فى وقت السّحر، ويطلب عفو الله ورضاه عنه، وأن يسامحه عمّا بدر منه وما اقترف من السيئات، قال الله −تعالى− فى وصف المتّقين المحسنين: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
3− الوقوف بين يدى الله وقيام الليل، حيث يمتدّ وقت صلاة قيام الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وهى من النوافل التى يُجزى عليها المسلم أجراً عظيماً، وقد كان النبيّ يُكثر من قيام الليل ويحثّ عليه أصحابه.
4− السحور فى رمضان وللصائم يُستحبّ فى هذا الوقت للصائم أن يتناول وجبة السّحور، وذلك اقتداءً بالنبى −صلى الله عليه وسلم−، فقد كان يقول: (تسحَّروا فإن فى السَّحور بركة).
فضل وقت السحر
يختصّ وقت السَّحر بفضيلةٍ عظيمة، فهو الوقت الذى تتنزّل فى الخيرات والرحمات، وهو وقتٌ يستجيب فيه الله −تعالى− للداعين، يقول رسول الله −صلى الله عليه وسلم−: (يَنْزِلُ رَبُّنا −تَبارَكَ وتَعالَى− كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِى، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِى فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُنى فأغْفِرَ له؟).
ومن فضائل هذا الوقت أنّ ذهن المسلم يكون فيه صافياً، وقلبه حاضراً، وهذا يجعله يستحضر الخشوع عند الدعاء والعبادة، وذلك بلا شكّ أدعى لقبول العمل وإجابة الدعاء، وهو ما يدلّ على قرب العبد من خالقه −سبحانه−، خاصة أنّه يترك فراشه ويمسح النوم عن عينيه ليُقبِل على خالقه ويقف بين يدى الله.
وقد جاء فى تفسير ابن كثير −رحمه الله− عند قول الله تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ (آل عمران:17).
قال: دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: إن يعقوب، عليه السلام، لما قال لبنيه:
﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى﴾ (يوسف:98) أنه أخرهم إلى وقت السحر. وثبت فى الصحيحين وغيرهما، من غير وجه عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ∩ينزلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فى كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَاءِ الدُّنيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ؟∪. 
فنحن نعيش هذه الأيام موعظةً بليغة ودروسًا عظيمة، يشهدها الأعمى والبصير، ويدركها الأصم والسميع، إلاّ أنها لا تُؤتى أُكلها إلاّ حين تصادف من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.