بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

بين الظاهر والباطن.. جوهر الإيمان وميزان الأعمال

بوابة الوفد الإلكترونية

قالت هيئة كبار العلماء أنه في حياة الإنسان، يتجلى التدين في مظاهر عدة، بعضها ظاهر للعيان، كالصلاة والصيام والصدقة، وبعضها باطن، يسكن القلب والعقل، كالإخلاص والتقوى والخشوع، وفي ميزان الشريعة، لا يُعتدّ بالأعمال الظاهرة وحدها ما لم تكن متصلة بباطنٍ مستقيم، فالله تعالى ينظر إلى القلوب قبل الجوارح، وإلى النوايا قبل الأفعال.

واستهدت بقول الحارث المحاسبي في كتابه آداب النفوس:"فإذا أنت عرفت الحق فأقررت به، ودلّك الحقُّ على أن لله عليك مع الفرائض الظاهرة فرضًا باطنًا: هو تصحيح السرائر واستقامة الإرادة وصدق النية، ومُفاتَشة الهمة ونقاء الضمير من كل ما يكره الله."

وهذا المعنى يؤكد قاعدة أساسية في الإسلام، وهي أن الأعمال لا تُقبل لمجرد أدائها، بل لا بد أن تترافق مع نية صادقة وصفاء سريرة. فكم من مُصَلٍّ لا تقبل صلاته، وكم من صائمٍ لا ينال من صيامه إلا الجوع والعطش، لأن أعماله كانت خالية من الإخلاص أو شابتها الرياء أو الغفلة.

الإثم بين الظاهر والباطن

جاء في كتاب الله تعالى قوله:"وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ" [الأنعام: 120].

وتابعت: هذه الآية ترسم صورة واضحة لمعيار الحساب الإلهي، حيث لا يقتصر الجزاء على الأفعال التي تُرى بالعين المجردة، بل يمتد إلى دوافعها وأسرارها الباطنة. فكما أن للعبادات ظاهرًا وباطنًا، فإن للآثام وجهين كذلك، أحدهما علني قد يراه الناس، والآخر خفي لا يطّلع عليه إلا الله، وهو الأخطر.

وقد ورد عن النبي ﷺ قوله:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (متفق عليه).

فهذا الحديث يضع النية في قلب المعادلة، مما يعني أن أي عمل، مهما بلغ في ظاهره من الجمال، لا قيمة له إن لم يكن محركه نية صادقة لله.

حين يفسد الباطن، يضيع الظاهر

وأشارت أنه من أخطر ما يهدد حياة المؤمن، أن ينشغل بظاهر العبادات ويغفل عن باطنها. فقد ترى إنسانًا يؤدي صلاته في أوقاتها، لكنه يحمل في قلبه غلًّا أو حسدًا أو كبرًا، وقد تجد صائمًا يلتزم بالامتناع عن الطعام والشراب، لكنه لا يمنع لسانه من الغيبة والكذب.

يقول الإمام ابن القيم في مدارج السالكين:
"الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة، وتتفاضل بتفاضل نياتها ومقاصدها."

فما قيمة صلاةٍ بلا خشوع، أو زكاةٍ يشوبها المنّ والأذى، أو حجٍّ لم يزكِّ النفس ولم يطهر القلب؟ إن الخطر الحقيقي يكمن في أن تتحول العبادات إلى عادات، تؤدَّى بلا وعي، وتُمارَس بلا روح.

الإصلاح يبدأ من الداخل

إذا كان ظاهر الإنسان هو انعكاس لداخله، فإن طريق إصلاح الأعمال يبدأ بإصلاح القلوب. وكما قال أحد السلف:
"من أصلح سريرته، أصلح الله علانيته، ومن اهتم بباطنه كفاه الله أمر ظاهره."

وفي رمضان، حيث تتضاعف الفرص للتقرب إلى الله، لا ينبغي أن يكون التركيز على العبادات الظاهرة فقط، بل لا بد من مراجعة النوايا وتطهير القلوب وتصحيح المقاصد. فإن قُبل العمل الباطن، قُبل الظاهر، وإن فسد الباطن، فلا نفع لما يظهر للناس.

فليكن هذا الشهر فرصة لتنقية السرائر، وتصحيح النوايا، لنصل إلى مرتبة الإحسان التي وصفها النبي ﷺ بقوله:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (رواه مسلم).

فالمؤمن الصادق لا يكتفي بإصلاح ظاهره أمام الناس، بل يسعى ليكون قلبه عامرًا بالإيمان، خاليًا من الشوائب، فينال القبول من الله عز وجل، ويكون من الذين قال فيهم:"إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" [الشعراء: 89].