عادة تتحدى الغلاء
«شنط رمضان»... من مظاهر التكافل

على ظهر حصانه أو حماره، يجوب مندوب الوالى أرجاء مصر، يوزع المواد الغذائية الأساسية على الفقراء خلال الشهر الكريم، ومع قدوم الدولة الفاطمية، ترسخت هذه العادة وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تقاليد رمضان فى مصر، وهكذا بدأت عادة توزيع شنط رمضان مع دخول الإسلام إلى أرض الكنانة منذ قرون، ولا تزال روح التكافل والتراحم متجذرة بين المصريين حتى يومنا هذا، فى شهر الكرم وعلى أرض الكرامات.
شنط⊇رمضان فى 2025
واليوم، باتت ∩شنط⊇رمضان∪ رمزاً للعطاء والتراحم، حيث يتسابق الأفراد والجمعيات الخيرية لتقديم المساعدات للأسر المحتاجة مع اقتراب الشهر الكريم، فى واحدة من أبهى صور التكافل التى تخفف عن كاهل الأسر، وتقاوم أنياب الغلاء.
ومع التطورات الاقتصادية والاجتماعية، شهدت ∩شنط رمضان∪ تغيرات فى محتواها وأسعارها، وفى عامنا الحالى 2025، تراوحت أسعار هذه الشنط بين 300 و660 جنيهاً مصرياً، حسب محتوياتها وكمياتها.
وعادة ما تحتوى الشنطة على سبيل المثال، على كيلو أرز، 2 كيلو سكر، 2 كيلو مكرونة، صلصة، سمن، ملح، لحم معلب، فول، بلح، شاى، زبيب، وقمر الدين.
وتظهر جهود مستمرة من الأفراد والجمعيات والمؤسسات لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها كل عام، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
مبادرات شبابية
ومن تلك الجهود الفردية، محمود، شاب ثلاثينى يعمل مهندساً فى إحدى الشركات الخاصة، بدأ منذ خمس سنوات مبادرة لتوزيع شنط رمضان فى حى شبرا، حيث نشأ. معتمداً على دائرة أصدقائه ومعارفه، استطاع جمع التبرعات وإعداد شنط غذائية توزع على الأسر المحتاجة.
يقول محمود: ∩بدأت بمساعدة 10 أسر فقط، لكن مع الوقت زاد عدد المتبرعين، فأصبحنا نوفر احتياجات أكثر من 50 أسرة سنوياً∪. هذا العام، واجه تحدياً بسبب ارتفاع الأسعار، ما جعله يعيد توزيع الميزانية، فقرر تقليل بعض الأصناف المكلفة مثل اللحوم والدواجن والتركيز على السلع الأساسية مثل الأرز والمكرونة والزيت والسكر.
يضيف: ∩على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، الناس لا تزال لديها رغبة فى التبرع، حتى لو بمبالغ بسيطة، وهذا يساعدنا فى الاستمرار∪.
أما ياسمين، وهى موظفة فى إحدى الشركات الخاصة بالمعادى، فتعمل منذ ثلاث سنوات على توزيع “شنط رمضان” مع مجموعة من زميلاتها، تقول: كنا قد قررنا تجهيز الشنطة بسعر 300 جنيه، لكن التكلفة الفعلية قد ترتفع قليلاً، بعد اكتشاف الحاجة إلى إضافة المزيد من التمر.
وتوضح: ∩حاولنا نحسب كل حاجة بدقة علشان نوفر أفضل محتويات بأقل تكلفة ممكنة، واشترينا من منافذ بيع جملة، كان الزيت بـ80 جنيهاً، والأرز 26 جنيهاً للكيلو، أما البلح فسعره 50 جنيهاً، والعدس والفول 50 جنيهاً لكل كيلو، السكر كمان زاد وبقى بـ40 جنيهاً، ولسه فيه حاجات تانية زى المكرونة والشعيرية والملح لسه بنحاول نوفرها بأفضل سعر.
وتضيف ياسمين أن الفريق يسعى للحصول على عروض مخفضة من التجار أو التبرعات العينية لتغطية التكلفة الإضافية وضمان توفير شنط تكفى أكبر عدد ممكن من الأسر المتعففة المحتاجة
الجمعيات الخيرية تدخل على الخط
إلى جانب المبادرات الفردية، تلعب الجمعيات الخيرية دوراً محورياً فى توزيع شنط رمضان، لكن هذا العام واجهت هذه الجمعيات تحديات بسبب الأزمة الاقتصادية.
أحمد جابر، مسئول بإحدى الجمعيات الخيرية فى الجيزة، يقول: ∩اعتدنا توزيع 500 شنطة رمضان سنوياً، لكن هذا العام قلصنا العدد إلى 300 فقط بسبب ارتفاع الأسعار وصعوبة جمع التبرعات∪.
ويوضح أن شنطة رمضان التى كانت تكلف 250 جنيهاً العام الماضى، أصبحت تكلف الآن أكثر من 400 جنيه، ما أثر على القدرة الشرائية للجمعيات والمتبرعين. وعلى الرغم من ذلك، يؤكد أحمد أن الناس لا تزال حريصة على التبرع، لكن بعضهم بات يفضل تقديم المساعدات النقدية بدلاً من شراء المواد الغذائية بسبب تذبذب الأسعار.
الزكاة والفتاوى تدعم المبادرات
قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية السابق، إن شنط رمضان التى يخرجها الناس للفقراء والمساكين فى شهر رمضان المبارك هى مظهر مبارك من مظاهر التكافل الاجتماعى. وتابع مؤكداً أن الصدقة فى رمضان مضاعفة الأجر، بل لها ثواب الفريضة فى غيره كما جاء فى حديث سلمان الفارسى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: ∩من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريض فيما سواه، ومن أدى فيه فريض كان كمن أدى سبعين فريض فيما سواه∪.
أما الدكتور مجدى عاشور، مستشار مفتى الجمهورية، فيوضح أن الأولوية يجب أن تكون لمساعدة الأكثر احتياجاً، مثل الأسر التى فقدت عائلها أو غير القادرين على العمل، ويقول: ∩السلف الصالح فهموا أن مساعدة المحتاجين مقدمة على أى عبادة أخرى، فالخير الحقيقى هو ما ينعكس أثره على الآخرين∪.
التكافل مستمر
فى الختام، رغم التحديات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، يظل التكافل أسلوب حياة للمصريين، فبينما تواجه الجمعيات صعوبات، تسد المبادرات الفردية الفجوات، ويظل الخير يجد طريقه لمن يستحق.