بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

نور

اتفاقية تقسيم سوريا!!

يجب أن تقرأ تفاصيل الاتفاقية الموقعة بين أحمد الشرع (الرئيس السورى غير المنتخب) ومظلوم عبدى (قائد قوات سوريا الديمقراطية) لكى تتأكد من صحة -كل ما سبق- وقلناه عن قيام الشرع بتأكيد سيناريو تقسيم سوريا والقضاء على الجيش العربى السورى وتفكيكه للأبد!! نعم أحمد الشرع–محمد الجولانى سابقًا–يواصل المشروع بكفاءة كبيرة وبخطوات سريعة!!

الاتفاقية التى تم توقيعها أمس الأول، فيها بندٌ واحد عن دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع إدارة الدولة السورية!! ولكن البند دون تفاصيل واضحة، وحتى لا يقول أحد المتعاطفين مع الشرع، إن التفاصيل سرية أو فى ورقة جانبية، يجب أن نقرأ ما قاله مظلوم عبدى قائد القوات الكردية (قسد) فى حواره مع مجلة المجلة السعودية أمس، عندما تم سؤاله مباشرة فى مسألة دمج قواته مع قوات وزارة الدفاع، فقد قال «هناك حاليا طريقة متبعة فى إعادة هيكلة الجيش ونحن كقوات (قسد) بالتأكيد سنلتزم بالأسلوب الأساسى الذى تتم به هيكلة الجيش. ولكن لهذه المنطقة خصوصيتها وهذه مسألة سنناقشها أثناء دراسة موضوع دمج المؤسسات العسكرية»!!

إذن قوات (قسد) التى تتمتع برعاية أمريكية، لن تقبل بالدمج فى قوات أخرى–لأن للمنطقة الكردية لها خصوصيتها–كما قال!! فكيف نقتنع بأن هذا الاتفاق هو للدمج وليس للتقسيم، فما نعرفه وتعلمناه هو أن الدولة الواحدة لها جيش واحد، وشرطة واحدة، وجهاز قضائى واحد، وهى وحدات بسط السلطة على الأرض وقيادة الشعب، وعدم تطبيق الدمج فى أي من هذه العناصر يعنى وجود دولتين أو ثلاث أو أكثر على أرض واحدة، وهو ما يعنى أن هذه الاتفاقية هى مجرد تهدئة بعد ردود الأفعال الناتجة عن أخطاءٍ جسيمة ظهرت منذ دخول قوات هيئة تحرير الشام وأنصارها للأراضى السورية التى كان يسيطر عليها الجيش، فقد جاءت النتائج غير ما كان يتمناه قطاع كبير من السوريين خلال الأيام الأولى لهروب بشار الأسد.. فقد تفكك الجيش الذى تربى السوريون على احترامه والثقة فيه لعشرات السنين، واستولت إسرائيل على مساحات غير مسبوقة من التراب السورى فى توقيت واحد مع دخول قوات تحرير الشام لدمشق، بل إن نتنياهو قال إن هذه الأراضى ستبقى تحت سيطرة إسرائيل للأبد.. وظهر الأجانب المسلحون وسط أبناء سوريا فى كل الشوارع بدعوى أنهم من قوات التحرير التى جاءت تخلصهم من الاستبداد، دون أن يجيب أحمد الشرع عن سؤال مهم: ماذا يفعل الشيشانيون والآسيويون فى سوريا التى يقول إنه جاء لتحريرها من الروس والإيرانيين!!

عمومًا.. هذه الاتفاقية ستكون بداية تقسيم سوريا رسميًا، فقد كانت بنود الاتفاقية خالية تمامًا من عبارة«الجيش السورى» الذى تم حله وتفكيكه وتسريحه.. وكما قلت لك فى عدة مقالات سابقة، فإن الشرع، لن يتجاوز دوره مجرد تنفيذ اتفاقات وصفقات إقليمية أجريت بين أمريكا وتركيا وإسرائيل، على أن يحصل كل طرف على قطعة من الكعكة التى تقرر تقسيمها بعد إخراج الجيش السورى تمامًا من الواقع العسكرى، ثم تفكيك هذا الجيش ليستريح الجميع، ليتم استخراج الغاز والبترول والمعادن فى هدوء!! أما أحمد الشرع فلن تتجاوز سلطاته مساحة دمشق، وهى نفس المساحة التى كان يسيطر عليها بشار الأسد، مع فارق كبير، وهو أن بقايا الجيش العربى السورى كانت تعطينا أملًا فى إعادة تكوينه واستمراره فى أداء دوره الإقليمى كقوة تمنع إسرائيل من التقدم للاستيلاء على مزيد من الأراضى العربية!! ولذلك فإن أول جريمة ارتكبت فى حق الشعب السورى هو قرار تفكيك الجيش.. فالميليشيات لن تقنع السوريين بأنهم يقومون ببناء دولة، ففكرة الجيش الذى واجه إسرائيل وحاربها، هى فكرة راسخة فى أذهان أجيال كاملة من أبناء الشعب السوري، ووجود هذا الجيش هو مرادف لبقاء الدولة، أما الميليشيات متعددة الجنسيات، فهى تعنى للمواطن غياب الدولة وسقوطها.. فهناك فارق كبير بين سقوط الدولة وسقوط النظام.. وما حدث أخيرًا فى سوريا هو إسقاط للدولة لصالح إسرائيل!!

ولا تقل لى أن التشاؤم مبالغ فيه.. ياعزيزى هذا ليس بثًا للإحباط.. ولكنه الواقع الأليم.. فما حدث فى الساحل السورى هو تأكيد على أن قوات تحرير الشام والميليشيات المرافقة لها تحمل فكرًا طائفيا، لن تقضى عليه ابتسامة أحمد الشرع ولا تطمينات قيادات الحكومة السورية الجديدة، فلايمكن لمن اقتحم دمشق بروح الانتقام أن يعدل مسار جنوده أو يقنعهم بمفاهيم الدمج والوحدة والتسامح، وإلا سيفقد قدرته على السيطرة.

ولذلك فإن الحديث عن العدالة الانتقالية لايمكن أن يكون حديثًا جادًا بدون حوار وطنى حقيقى لايتم خلاله استبعاد طائفة من السكان (فى بلد فيه تعدد طائفي) وإلا أصبح الحوار فاقدًا لمعناه.. ولا أبالغ إذا قلت إن هناك استبعادا كاملا لكل الطوائف تم بالفعل خلال عملية اختيار رئيس الجمهورية.. فالشعب السوري – بأكمله– لم يتم أخذ رأيه فى مسألة تولى الشرع رئاسة البلاد.. وبالتالى فلا حديث عن العدالة الانتقالية مع استبعاد–السوريون–أصحاب الشأن من المشاركة فى أهم القرارات المصيرية!!

وبما أن مشاركة السوريين غائبة من البداية.. فلا تتعجب مما حدث فى الساحل السورى.. فهو طبيعى لأن السلطة الجديدة تتعامل مع الأراضى السورية باعتبارها مساحات تم الحصول عليها خلال (يوم فتح دمشق) كما يسمونه، والفتح مصطلح لا يجوز إطلاقه بين أبناء الشعب الواحد.. ولكن إطلاقه رسخ عند بعض السوريين انطباعًا بحدوث تغيير فى هوية سوريا، ولا أعتقد أن هذا المفهوم سيتغير بسهولة، خاصة بعد ما حدث فى الساحل السورى من قتل معلن وتفاخر بالذبح والتنكيل!!

أما أغرب ردود الأفعال على أحداث الساحل السوري، فقد جاءت من أحمد الشرع الذى قال جملة غريبة جدًا.. لقد وصف ما حدث بأنه (محاولة لجر سوريا إلى حرب أهلية) وكأن سوريا خارج نطاق الحرب الأهلية التى كان يقودها أحمد الشرع نفسه منذ 14 عامًا ضد الدولة السورية!!

هذا التصريح يجعلنا نوجه التحية لوعى الشعب المصرى العظيم الذى قرر الالتفاف حول جيشه الوطنى منذ الدعوة للربيع العربى مرورًا بمرحلة مواجهة تغيير هوية البلاد فى 2013 وحتى اليوم، فقد أسفر هذا الالتفاف والتمساك الشعبى عن صمود مصر فى مواجهة كل الرياح العاتية، فكان الجيش حاميًا لأرضه وشعبه وكان الشعب حريصًا على جيشه فظلت مصر قوية عفيه يخشاها الأعداء ويحترمها الأصدقاء، فبقيت الدولة متسقة مع شعبها الذى لا يخدعه أحد!!

اللهم احفظ بلدنا.. تحيا مصر فى كل عصر.. بقوة جيشها ووعى شعبها!!