بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

فى ذكرى حرب الكرامة:العميد محمد عبدالقادر أحد أبطال المدفعية يكشف

كيف صام الأبطال فى حرب العاشر من رمضان 

حرب اكتوبر
حرب اكتوبر

 العميد محمد عبدالقادر أحد أبطال المدفعية يكشف
الضباط والجنود التزموا الصيام رغم فتوى شيخ الأزهر بالإفطار 
والمسيحيون صاموا من أجل أن يكونوا على قلب رجل واحد  فى المعركة 
«التوجيه المعنوي» كان له أثر كبير فى بث روح العزيمة والإرادة لدى الجنود

 


جيش الصائمين، مسلمين ومسيحيين ضربوا أروع الأمثلة فى الدفاع عن الوطن، المسلم الصائم، والمسيحى الذى يصوم من أجل أخيه الجندى الصائم، لتنتصر الإرادة المصرية، فى حرب استعادة الكرامة وتراب الوطن. نعم ستظل حرب العاشر من رمضان الموافق 6 اكتوبر 1973 رمزا من رموز التحدى والإصرار الذى خاصه بخير أجناد الأرض للدفاع عن الأرض والعرض، وهم فى شهر الصوم، وبرغم إصدار الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر وقتها فتوى بجواز الإفطار لكل أفراد الجيش على الجبهة، إلا أن ضباط وجنود الجيش المصرى أصروا على الصيام حتى يلقوا الله شهداء صائمين إذا جاء أجلهم وهم يدافعون عن الوطن، حتى الجنود المصريون الأقباط كانوا يصومون من أجل إشعار زملائهم بأنهم على قلب رجل واحد، الجميع اختلط دمه بتراب الأرض، دون تفرقة بين مسلم أو مسيحى، الجميع كان على استعداد أن تزهق روحه دفاعا عن شرف مصر، واليوم وفى الذكرى الـ ٥٢ لانتصار العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر1973 التقت «الوفد» مع العميد محمد عبدالقادر من سلاح المدفعية أحد أبطال هذا النصر العظيم لتستعيد معه ذكريات تلك الأيام الخالدة وتستخلص معه الدروس المستفادة من ذلك النصر، العظيم، وقال عبدالقادر: ليس منصفًا من ينظر إلى حرب العاشر من رمضان  السادس من أكتوبر من ناحية التخطيط العسكرى فقط على أهميته وكونه أهم عوامل النصر، ذلك أن هذه الحرب اجتمع لها من عوامل النجاح الكثير أولها توفيق رب العالمين، وجودة التسليح وكفاءة القائمين على التدريب، والإعداد الجيد للفرد المقاتل، كما أن منها التأهيل النفسى والأخلاقى والروحى.

 

العميد محمد عبدالقادر أحد أبطال المدفعية 
العميد محمد عبدالقادر أحد أبطال المدفعية 


ولأننا قد تناولنا كثيرا فى مناسبة الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر المجيدة أغلب عوامل النصر فى تلك الملحمة الخالدة فإنه قد آن الأوان لنركز على الجانب الروحى والذى أرى أنه لم ينل حظه، على أهميته، من التناول بالبحث والدرس والتمحيص. ذلك أنه لما تربى عليه الإنسان المصرى من نزعة دينية، وما تربى عليه من مبادئ الدين، وما نشأ عليه من حب لدور العبادة ولتعاليم الكتب المقدسة، فأنت لا تستطيع أبدًا الفصل بينه وبين معتقداته، وقد بدا هذا جليًا فى التكوين الروحى للجندى المصرى.
ومنذ بدء إعادة بناء القوات المسلحة المصرية عقب نكسة يونيو 1967 تنبهت الأجهزة المعنية فى القوات المسلحة لذلك، وأدركت ما لتنمية ذلك الجانب، وأعنى به الوعى الروحى للفرد المقاتل–من أثر فى تحقيق إيمانه بقضية الوطن وتأكيد فكرة بذل الروح والإقدام على الشهادة فى سبيله عن قناعة وإيمان. فقامت وزارة الحربية فى هذه الفترة بإنشاء إدارة كاملة فى القوات المسلحة باسم «إدارة التوجيه المعنوي»  والتى تم لاحقا تغيير اسمها إلى «إدارة الشئون المعنوية» تعنى أساسا ضمن مهامها بذلك الجانب الإيمانى والمكمل لباقى جوانب الاستعداد القتالى للفرد المقاتل (والمقصود هنا بالفرد المقاتل هو الضابط والجندى مسلما كان أو مسيحيا على حد سواء). واستدعى ذلك إنشاء فروع وأقسام لتلك الإدارة فى الجيوش والمناطق والوحدات.
وتم إلحاق الوعاظ ومقيمى الشعائر بالوحدات،  حتى مستوى الكتيبة،  تنمية للجانب الدينى، ولقد كان للاهتمام بهذا الجانب فعل السحر بين الجنود طوال سنوات التدريب الشاقة، فقد تم بذلك استكمال تكوين شخصية المقاتل من الناحية الوجدانية وترسيخ علاقته بربه من خلال توفير أدوات ووسائل تقوية تلك العلاقة.
وقد برز نجاح تلك الإجراءات وذلك التغيير خلال حرب العاشر من رمضان، ذلك انه كما يعلم الجميع أنه من باب التمويه، وكان قد أعلن قبل بدء العملية أنها عملية تدريب تكتيكى بالذخيرة الحية لجميع الوحدات، ولذلك كان الجميع صائمين كما كان إعداد الوحدات الإدارية المسئولة عن الإعاشة متسقا مع الصيام، إلا أنه مع بدء العملية والإعلان عن أنها حرب التحرير، وكانت الأوامر قد صدرت لجميع الوحدات بالإفطار تحسبا لما هم مقدمون عليه من مشقة، وتم تعديل النظم الإدارية لتتمشى مع ذلك التوجه. ولكن الغريب أن أغلب الضباط والجنود قد استمروا على صيامهم عن قناعة بأن الصوم لا يشكل عائقا أمام بذل الجهد. بالنظر إلى ما تربوا عليه فى سنوات التدريب، وما اكتسبوه من جرعات روحية عالية قد منحتهم الشجاعة والجرأة والقدرة على استكمال مهامهم صائمين مؤمنين بأن ما يقومون به من عمل فيه إرضاء لرب العالمين، وقد ينتهى بالشهادة  وهل أجمل وأعظم أجرا من إن تلقى ربك شهيدا وأنت صائم؟ وقد أدرك القادة ذلك المعنى العظيم فلم يصروا على إلزام جنودهم بالإفطار.
وكنتيجة للشحنة الإيمانية الكبيرة لدى الجنود كونهم فى شهر رمضان المبارك، شهر الغزوات، انطلقت حناجرهم بصيحة «الله أكبر» دون سابق اتفاق أو ترتيب مسبق فى لحظة انطلاق الطائرات وهدير المدافع معلنة بدء الهجوم. 
ما أشبه اليوم بالبارحة لقد أعادت حرب العاشر من رمضان إلى الأذهان ذكرى حروب وغزوات الرسول الكريم فى مواجهة الكفار فى أحد وبدر والتى كان يحقق فيها وأتباعه النصر على أعداء الإسلام فى رمضان وهم صائمون.
واضاف عبدالقادر: لقد لعبت العقيدة والتمسك بثوابت الأديان ووعى القيادة السياسية والعسكرية بمدى ارتباط الجندى بهما واستعداده للموت دفاعا عنهما كما أن اختيار توقيت حرب التحرير لتكون فى شهر تغشاه الرحمة وله فى قلوب الجميع (مسيحى ومسلم) قدسية خاصة، لعبت كل تلك العوامل دورها لتعلو بحماس الجنود وروحهم المعنوية للسماء، لتكون عاملا أساسيا من عوامل النصر. 
وعن الدروس التى حققت النصر فى العاشر من رمضان السادس من اكتوبر ٧٣، أكد العميد محمد عبدالقادر أن ما حدث بعد حرب 1967شىء عجيب ما كان ليحدث سوى من المصريين، فقد تكاتف الجميع، وظهرت شعارات لا ننساها إلى اليوم منها أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وان ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وبدأت عمليات التبرع من كافة طوائف الشعب للمجهود الحربى ولبناء القوات المسلحة يستوى فى ذلك الغنى والفقير، الرجل والسيدة. فتكونت جماعات لتلقى التبرعات، وتبرعت أغلب السيدات بحليهن من الذهب، ومن لم تجد تبرعت بخاتم الزواج. واستغنى الشعب راضيا عن كل ما هو ترف، بل أغلب ما هو ضرورى، فكنت تجد الأسرة تصرف «فرخة واحدة وزنها 1 كجم أسبوعيا من الجمعيات الاستهلاكية. ومع ذلك لا تجد تذمرا أو ضيقا أو استياء، ولم نرَ من يفكر فى ترك البلاد أو الهجرة، بل كان الكل يعد الأيام والشهور انتظارا للمعركة الفاصلة والتى تعيد لهذا الوطن شرفه وكرامته. تلك كانت الروح المصرية المختزنة فى جينات هذا الشعب، والذى بطبعه يرفض الهزيمة، ويتوحد وقت الشدة، ما ان تم إعادة بناء القوات المسلحة حتى أخذت فى إجراء التدريبات الشاقة والتى تؤهلها لخوض معركة الشرف، وأما عن اهم هذه الدروس فهو التلاحم والتعاضد بين الشعب وقواته المسلحة والذى بدا جليا كما أوضحنا فى تضحية الشعب من أجل توفير السلاح اللازم لقواته المسلحة.
اختفاء كلمة «انا» وحل محلها «نحن» بين أفراد ومؤسسات الشعب، فذاب الفرد داخل المجموع.
الدور الوطنى التلقائى لأغلب رجال الأعمال فى التبرع لصالح المجهود الحربى وتخصيص أعداد من سيارات النقل الخاصة بشركاتهم وكتب عليها «مجهود حربي» لتمييزها، وتسليمها للقوات المسلحة دون مقابل من الدولة أو حتى طلب ذلك.
الالتفاف حول شعار يجسد الهدف من المرحلة مثل «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». فلا تجد من يسخر أو يحقر من هذا الشعار أو يبخل بمال أو جهد فقد وعى الجميع أهمية العمل به.
إنكار الذات والذى تمثل على سبيل المثال فى رفض السيدة أم كلثوم  العودة لأرض الوطن بعد أن سقطت فى أحد مسارح باريس وكسرت ساقها أثناء غنائها فى حفل مخصص دخله لصالح المجهود الحربى خشية خسارة ذلك العائد. واستمرت فى غنائها جالسة طبقا للبرنامج المقرر.
رفض جميع الفنانين تقاضى أجر عن أغانيهم الوطنية والتى أشعلت روح الحماس لدى الشعب. ومنهم عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب ونجاة الصغيرة وفايدة كامل وكانوا أعلام الغناء فى هذا الوقت.
روح الانتماء التى بدت فى أجلى صورها فى تقدم شباب الجامعات لمراكز التطوع دون طلب منهم فور البيان الأول للقوات المسلحة بعبور القناة. فلم تجد من يسفه فى البيان أو يشكك فيه. 
الامتناع الذاتى عن ارتكاب أى مخالفات للقوانين، وتمثل ذلك فى عدم تحرير محضر سرقة واحد فى جميع مراكز الشرطة إبان أيام الحرب.
تضامن الأشقاء العرب مع مصر فور إعلانها عبور القوات فى مشهد يعكس روح الأخوة، فقامت دولتا السعودية والإمارات بتحويل مسارات سفنهما والتى تنقل البترول لأوروبا إلى مصر. بل أعلنت أنها ستقطع إمدادات البترول عن أى دولة تتدخل فى الحرب لصالح إسرائيل. ففى حرب العاشر من رمضان كان لنا اليد الطولى بالعزيمة والإصرار، حيث اقتحم جيش الصائمين بشجاعة منقطعة النظير قناة السويس ذلك المانع المائى الصعب، وقد كان أغلب الجنود صائمين، وحتى اخواننا الأقباط كانوا على قلب رجل واحد، واستطاعت قواتنا المسلحة المسلحة بعزيمة الرجال تدمير خط بارليف الحصين، وانطلقت شرقا محققة أهداف العملية الهجومية بأقل الخسائر محققة نصرا ما زالت أصداؤه تتردد فى أنحاء المعمورة حتى الآن وما زالت معالمه تدرس فى أعتى المعاهد العسكرية.