جنون أسعار الدواجن في رمضان

صغار المربين يواجهون خسائر فادحة بسبب احتكار الشركات الكبرى
رئيس شعبة الدواجن: لابد من إجراءات حاسمة للقضاء على الاحتكار وضبط الأسعار
شهدت الأسواق بالآونة الأخيرة ارتفاعًا جنونيًا فى أسعار السلع الغذائية واللحوم الحمراء والبيضاء، حيث وصلت أسعار الدواجن إلى مستويات غير مسبوقة، مما جعلها صعبة المنال على غالبية الأسر، بعد أن كانت البديل الأرخص للبروتين الحيوانى فى ظل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء.
تعود أزمة الدواجن إلى عام 2022، حينما تسببت أزمة الدولار واحتجاز الأعلاف بالجمارك فى اضطراب سوق الإنتاج، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض المعروض، وهو ما أثر سلبًا على صناعة الدواجن باعتبارها إحدى أهم الصناعات الوطنية، مما نتج عنه خروج 60% من صغار المُربين، وأدى إلى فقدان السوق لجزء كبير من طاقته الإنتاجية وزيادة الاعتماد على كبار المنتجين، ولذلك يجب الاهتمام بتنمية صناعة الدواجن وتحويلها إلى صناعة وطنية خالصة يمكن أن تحقق طفرة اقتصادية كبيرة، نظرًا لما تمتلكه من كوادر مدربة وبيئة ملائمة، مما يتيح لها فرصة التوسع فى التصدير وتعزيز الاحتياطى من العملة الصعبة.
خلال الأشهر الماضية، شهدت أسعار الدواجن تذبذبًا، حيث كانت تنخفض بشكل طفيف لفترات قصيرة قبل أن تعاود الارتفاع مجددًا، وبعد قرار الحكومة باستيراد الكتاكيت والبيض لكسر احتكار السوق، استقرت الأسعار نسبيًا لفترة وجيزة، لكن سرعان ما عادت إلى الارتفاع مجددًا، ما أثار غضب المستهلكين، خاصة مع اقتراب شهر رمضان.
تحقيقات تكشف تلاعب الشركات الكبرى
أصدر جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، الذى قرارًا بإحالة 162 شركة واتحاد مُنتجى الدواجن إلى النيابة العامة، بعد ثبوت تلاعبهم بالأسعار واتفاقهم بشكل يومى على تحديدها، ما أدى إلى رفع سعر الكتكوت إلى 60 جنيهًا وسعر الدواجن البيضاء إلى 110 جنيهات.
وأثبتت التحقيقات أن هذه الشركات كانت تتعمد تبادل معلومات تجارية سرية حول كميات الإنتاج، وأسعار الأعلاف، والتسعير اليومى، مما أدى إلى تقييد المنافسة وتعطيل آليات السوق الحرة، كما تبين أن الاتحاد العام لمُنتجى الدواجن لعب دورًا فى هذه الممارسات، ما تسبب فى زيادة الضغوط على صغار المُربين وإجبارهم على شراء الكتاكيت بأسعار مرتفعة دون توفر بدائل تنافسية.
فى ظل هذه الأوضاع، تزداد المطالب بتشديد الرقابة الحكومية على سوق الدواجن لحماية صغار المُنتجين والمُستهلكين من التلاعب، خاصة مع حلول شهر رمضان، حيث يتزايد الطلب على الدواجن.
ويبقى السؤال الأهم: هل تتخذ الحكومة إجراءات أكثر صرامة لضبط الأسعار وإنقاذ هذه الصناعة الحيوية؟
معناة المواطنين
المواطنون يواجهون أزمة ارتفاع أسعار الدواجن وسط غياب الرقابة.. والغلاء يهدد موائدهم فى رمضان.
أثارت موجة الارتفاع الجنونى فى أسعار الدواجن، غضب المواطنين، خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، حيث يعتمد كثيرون على الدواجن كبديل للحوم الحمراء التى أصبحت بعيدة عن متناول الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل، الذين أصبحوا فى عداد الفقراء، وتساءل المواطنون عن دور الدولة والأجهزة الرقابية فى ضبط الأسواق والحد من جشع التجار والممارسات الاحتكارية التى تفاقم الأزمة وتزيد من الأعباء المالية عليهم.
الطبقات الفقيرة.. معاناة يومية فى مواجهة الغلاء
خلال جولة فى الأسواق، استطلعت الوفد آراء عدد من المواطنين حول أزمة ارتفاع الأسعار، الذين أكدوا معاناتهم وعجزهم عن توفير احتياجاتها الأساسية من الغذاء.
الحاجة سعاد.. «لا أملك إلا معاش زوجى.. كيف أوفر الطعام لأولادى»
فى أحد الأسواق الشعبية، وقفت الحاجة سعاد، ربة منزل وأم لثلاثة أبناء، تتأمل أسعار الدواجن بذهول، قائلة:
«بعد وفاة زوجى، لا أملك سوى معاشه الصغير الذى بالكاد يكفينى لتربية أولادى، ومع الارتفاع الجنونى فى الأسعار أصبحت الحياة أصعب من أى وقت مضى، اللحوم الحمراء اختفت من مائدتى منذ سنوات بسبب غلاء أسعارها، فكنت أعتمد على الدواجن كمصدر أساسى للبروتين، لكنها الآن لاحقت باللحوم الحمراء كل شيء زاد سعره، حتى البيض الذى كنا نعتبره بديلاً أصبح يحتاج إلى ميزانية خاصة، واختتمت حديثها «رمضان داخل علينا.. أأكل أولادى إيه لما كل أنواع اللحوم بقت غالية؟».
الحاجة سعاد ليست وحدها فى هذه المعاناة، بل تشاركها العديد من الأسر التى تعانى من تآكل قدرتها الشرائية أمام موجة الغلاء.
الأسر العاملة تعانى رغم الدخل الثابت
داليا «الدواجن كانت البديل.. لكنها لم تعد فى متناول اليد»
التقت أطراف الحديث داليا، موظفة بإحدى المؤسسات الخاصة، وقالت إن راتبها وزوجها لم يعد كافيًا لسد احتياجات الأسرة الأساسية بعد الارتفاع المستمر فى الأسعار، حيث اضطرا إلى التخلى عن شراء اللحوم الحمراء تمامًا بسبب غلاء أسعارها، والاعتماد على الدواجن كبديل رئيسى لكن مع ارتفاع أسعار الدواجن أيضًا، لم يعد هذا الحل متاحًا لهم.
وأضافت كنا نعتمد على الدواجن كحل اقتصادى، لكن مع الزيادة المستمرة فى الأسعار لم نعد قادرين حتى على ذلك البيض أيضًا خرج من قائمة مشترياتنا، لأن البيضة الواحدة وصلت إلى 6.5 جنيه، وأصبحنا بحاجة إلى ميزانية إضافية فقط لشرائه.
تأثير الغلاء على تغذية الأطفال.. أمهات فى حيرة
هدى.. كيف أوفر لأطفالى تغذية سليمة وسط هذا الغلاء
تواجه هدى، 33 عامًا، ربة منزل وأم لطفلين، أزمة يومية فى توفيرغذاء متوازن لأطفالها، حيث تقول مع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، لجأنا إلى الدواجن، لكن حتى هى لم تعد خيارًا متاحًا.
وتابعت فى منطقتى بحدائق الأهرام، وصل سعر كيلو الدواجن إلى 130 جنيهًا، وهو مبلغ كبير جدًا بالنسبة لأسرة متوسطة الدخل لدى أطفال فى عمر الزهور، فكيف أوفر لهم تغذية صحية تساعدهم على النمو فى ظل هذا الغلاء الفاحش.
هدى وغيرها من الأمهات يشعرن بالحيرة والقلق، فارتفاع الأسعار لا يؤثر فقط على الميزانية، بل يهدد الصحة العامة للأطفال الذين يحتاجون إلى نظام غذائى متكامل يعتمد على البروتين والفيتامينات الأساسية.
وسط هذه المعاناة المتزايدة، يؤكد المواطنون أن غياب الرقابة الفعالة على الأسواق هو السبب الرئيسى وراء تفاقم الأزمة، حيث يتحكم التجار والمحتكرون فى الأسعار دون رادع، بينما تظل الأسر المصرية تعانى فى صمت.
ويطالب المواطنون بتدخل حكومى عاجل لوضع آليات واضحة لضبط الأسعار ومحاسبة المحتكرين والمتلاعبين بالسوق، خاصة مع حلول شهر رمضان، الذى يعد من أكثر المواسم استهلاكًا للمواد الغذائية.
رئيس شعبة الدواجن: لا بد من إجراءات حاسمة للقضاء على الاحتكار وضبط الأسعار
التقت الوفد دكتورعبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرف التجارية، والذى أكد أن قرار جهاز حماية المنافسة بإحالة 162 شركة إلى النيابة العامة خطوة إيجابية، لكنها لن تكون كافية دون تنفيذ سريع وإجراءات حاسمة للقضاء على الاحتكار، مشيرًا إلى أن تأخر القرارات يفقدها تأثيرها الفعلى على الأسواق.
وأضاف السيد أن الجهاز أثبتت تورط هذه الشركات فى ممارسات احتكارية أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، مما تسبب فى أزمة حقيقية للمستهلكين وصغار المربين لذا شدد على أن النيابة العامة يجب أن تتحرك بسرعة لمحاسبة المتورطين، وإصدار قرارات رادعة تمنع تكرار هذه الأزمة.
العقاب لضبط الأسواق ومنع التلاعب
أوضح السيد أن الغرامات المالية وحدها لا تكفى لردع المحتكرين، لأنهم يحققون أرباحًا ضخمة تجعلهم قادرين على تحمل الغرامات دون التأثر بها لذلك طالب بضرورة فرض عقوبات بالسجن على المتورطين فى الاحتكار، لضمان تحقيق العدالة وإعادة الانضباط إلى السوق.
وتابع يجب معاقبة المحتكرين بالسجن الفورى، لأنهم يستغلون الأزمات لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المواطنين والصناعة ولا يمكن السماح باستمرار هذا الوضع، فالعقوبات الرادعة هى الحل الوحيد لمنع التلاعب فى الأسعار.
وشدد على أن الحل ليس فى إغلاق الشركات المحتكرة، بل فى معاقبة المسؤولين عنها، حتى لا تتأثر الصناعة، لكن دون السماح لهم بمواصلة ممارساتهم التى تضر بالسوق والمستهلكين.
اتحاد منتجى الدواجن فى دائرة الاتهام
وكشف رئيس الشعبة أن جهاز حماية المنافسة أحال أيضًا اتحاد منتجى الدواجن إلى التحقيق، نظرًا لوجود شبهات بتورط مجلس إدارته فى التلاعب بالسوق، حيث يتكون المجلس فى الغالب من كبار الشركات المحتكرة.
وأضاف إذا ثبت أن اتحاد منتجى الدواجن متورط فى الاحتكار، فيجب حله فورًا، لأنه لم يقم بدوره فى حماية الصناعة أو دعم صغار المربين، بل تحول إلى أداة للتحكم فى السوق.
دور الدولة فى ضبط الأسعار وحماية المستهلك
أكد السيد أن الحل الفعلى يكمن فى تدخل الدولة لضبط الأسعار من خلال ضخ كميات كبيرة من السلع الأساسية، خاصة عبر الشركة القابضة للصناعات الغذائية، التى تعمل على توفير المنتجات بأسعار مخفضة للمستهلكين، مثل معارض رمضان والمنافذ الحكومية، التى تساهم فى تحقيق التوازن السعرى، لكنها ليست حلًا دائمًا، إذ لا يمكن للدولة الاستمرار فى دعم الأسعار إلى الأبد، مما يجعل من الضرورى محاربة الاحتكار وضبط السوق بشكل مستدام.
كما أشار إلى أن هناك وفرة فى السلع الأساسية مثل العدس، الفول، الفاصوليا، والشاى، وهو ما أدى إلى تراجع أسعارها فى بعض المناطق، لكنه شدد على أهمية الرقابة الصارمة لضمان عدم التلاعب بالأسعار مجددًا.

الاستيراد أداة لضرب الاحتكار
رغم رفضه لفكرة الاستيراد بشكل عام، أكد السيد أن الدولة قد تضطر إليه فى أوقات الأزمات، بشرط أن يتم الاستيراد من دول تقدم أسعارًا أقل من السوق المحلى، مما يجبر المُحتكرين على خفض أسعارهم لمواكبة المنافسة، إذا كان البيض يُباع بـ170 جنيهًا للكرتونة فى السوق المحلى، واستوردت الدولة كميات كبيرة وباعتها بسعر 120 جنيهًا، فإن التجار سيضطرون إلى تخفيض الأسعار لمواكبة ذلك.
وشدد رئيس شعبة الدواجن على أن الحلول متاحة، لكنها تحتاج إلى تنفيذ سريع وقوى لضمان استقرار السوق، مشيرًا إلى أن مكافحة الاحتكار والتلاعب بالأسعار مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، لضمان وصول السلع الأساسية بأسعار عادلة لجميع المواطنين.
أصحاب المزارع
أزمة صناعة الدواجن فى مصر.. خسائر متزايدة وصغار المربين فى مأزق
يواجه أصحاب المزارع وصغار المُنتجين تحديات كبيرة، حيث تتراكم عليهم الخسائر نتيجة لغياب الرقابة الحكومية واحتكار الشركات الكبرى للسوق والتى تتلاعب بالأسعار كيفما تشاء حتى وصل سعر الكتكوت لـ60 جنيها الأسبوع الماضى، وأكدوا أنهم الضحية الأولى للأوضاع الراهنة، مثلهم مثل المستهلكين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار.
تكاليف باهظة ومخاطر متزايدة
وصف محمد رمضان، صاحب مزرعة دواجن بالدقهلية، الوضع الحالى بأنه كارثى، موضحًا أن صغار المربين هم الأكثر تضررًا رغم دورهم الأساسى فى دعم الصناعة.
وأضاف رمضان أن السوق يفتقر إلى التنظيم العادل، مطالبًا الدولة بالتدخل لإنشاء بورصة دواجن رسمية تشرف عليها الحكومة لضبط الأسعار ومنع تلاعب السماسرة، بالإضافة إلى فرض رقابة مشددة على المستوردين وموردى مستلزمات الإنتاج لضمان حماية المربين الصغار من الاستغلال.
هيمنة الشركات الكبرى وتلاعب الأسعار
وأشار رمضان إلى أن عدداً قليلاً من الشركات الكبرى يسيطر على نصف السوق المحلى، حيث لا تكتفى هذه الشركات بإنتاج الأمهات والكتاكيت، بل دخلت مجال التربية أيضًا، مما يمنحها القدرة على التحكم فى الأسعار فى المقابل، يظل صغار المُنتجين فى مواجهة مستمرة مع تقلبات السوق، حيث يتعرضون لخسائر فادحة عند انخفاض الطلب، خاصة أن الدواجن سلعة غير قابلة للتخزين.

أكد علاء محمد، أحد صغار منتجى الدواجن، أن احتكار الشركات الكبرى وكبار التجار يضع المُربين الصغار فى مأزق كبير، حيث يتحكم هؤلاء فى أسعار السوق، مما يؤدى إلى تكبيدهم خسائر متواصلة.
وأوضح أنه اشترى كتكوت التسمين قبل أسبوع بسعر 60 جنيهًا، إضافة إلى تكاليف التدفئة والكهرباء التى شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، فضلًا عن أسعار الأعلاف والأدوية والتحصينات التى تشكل عبئًا إضافيًا على المُنتجين.
وأشار إلى أن صغار المربين مرتبطون بسعر البورصة، مما يعنى أنهم يشترون الكتاكيت بتكلفة مرتفعة، ولكن بحلول نهاية دورة التسمين بعد 40 يومًا، تنخفض الأسعار، مما يؤدى إلى خسارتهم وتأثر رأس المال، فى حين تستفيد الشركات الكبرى من قدرتها على التحكم فى السوق وإدارة الإنتاج بتكاليف أقل.
وطالب علاء بضرورة تدخل الحكومة لضبط الأسعار وحماية صغار المُربين من تقلبات السوق غير العادلة، لضمان استمرارية هذه الصناعة الحيوية.
المطالبة بتدخل حكومى عاجل
فى ظل هذه التحديات، يطالب صغار المُنتجين الدولة بالتدخل العاجل لحماية الصناعة من الانهيار، عبر تنظيم السوق وضبط الأسعار، إلى جانب دعم صغار المُربين لضمان استقرار الإنتاج وعدم تعرضهم لمزيد من الخسائر فهل تتحرك الحكومة لإنقاذ صناعة تعد من أهم القطاعات الغذائية فى مصر.