مراجعات
باقات احتيال
غالبًا ما تكون الأمثال الشعبية معبرةً عن واقعنا الذي نعيشه ونحياه، ولذلك عندما نضرب مثلًا ما، في مناسبةٍ بعينها، يكون الإسقاط مناسبًا في مثل تلك الحالة، للتعبير عن العلاقة الوطيدة، كما في «طول ما الطمَّاع موجود، النَّصَّاب بخير».
تذكرتُ هذا المثل الشعبي الدارج، أخيرًا، على خلفية «فضيحة جديدة»، لـ«سراب الربح السريع» الذي أغرق آلاف المصريين ـ بإرادتهم ـ في دوامة النصب والاحتيال، على خلفية كشف غموض مِنَصَّة «FBC»، التي «نَهَبَت» أموالًا طائلة في وقت قياسي!
تلك المِنَصَّة تمثل نِتاجًا طبيعيًّا ووجهًا إلكترونيًّا جديدًا لظاهرة «المستريح»، كما أنها تحوّل منطقي، من حِيَل الأبواب المغلقة إلى فخ «الفضاء الأزرق»، حيث شهدنا خلال العقدين الأخيرين، تكرارًا ملحوظًا لعمليات نصب واحتيال تستهدف «مغفلين» باحثين عن الربح السريع!
ورغم اختلاف الأساليب، يظل الهدف واحدًا، وهو جمع أموال ضخمة، بوعود خادعة، وبأرباح ضخمة، ثم الاختفاء فجأة، ليترك النَّصَّابون ضحاياهم ممن لديهم هوس الثراء والكسب السريع.. حتى إن كان العرض المُقَدَّم يُجافي العقل والمنطق!
اللافت أننا من خلال عمليات النَّصب المتكررة، لاحظنا أن للنَّصب قواعد وأصولًا، وللاحتيال أدوات ومدارس فكرية وتخطيطية مختلفة ومتجددة، لكن الفروق الاجتماعية والثقافية تظل حاكمة في قُدرة النَّصَّاب والمُحتال على إقناع هؤلاء الذين لديهم الاستعداد بأن يكونوا ضحايا!
كما أن عمليات النَّصب والاحتيال في مصر تتميز بمذاقات مختلفة، إذ يُحافظ النَّصَّابون على مكانة متفردة في الاحتيال، سواء أكان ذلك من دون مجهود يذكر، أو ضرائب تُسدَد، أو عيون حكومية تُراقب سَيْل الأموال المتدفق، الذي يظهر فجأة بلا جهد أو تعب!
لعل عمليات النصب والاحتيال «النمطية» أو «غير التقليدية»، التي تجري بشكل مستمر، تتم بسيناريو يكاد يكون ثابتًا لا يتغير، مع اختلاف الأدوات، و«الباقات»، بحسب تطور الزمن، لنجد جيلًا يُسَلِّم جيلًا، من النَّصَّابين والضحايا، على حدٍّ سواء!
ورغم تحذيرات الخبراء والمتخصصين والأجهزة الأمنية، فإن مِنَصَّة «FBC»، لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، في عالم النَّصب والاحتيال، واستنزاف أموال الناس، في ظل تغافل البعض أن كل استثمار يجب أن يكون ضمن الأُطر الشرعية والقانونية المنظمة، واعتماد التعاملات المالية على الوضوح والشفافية والتوثيق القانوني.
يقينًا، إن كل الدعوات الخاصة بالاستثمار «الوهمي» في كيانات غير رسمية وغير مرخصة، أو «تصديق» وعود برَّاقة بتحقيق أرباح خيالية وسريعة، مرفوضة جملة وتفصيلًا، لأنها ببساطة تتنافى مع مبادئ الدين ونصوص القانون وعلوم الاقتصاد، وإعمال العقل!
أخيرًا.. بات من الضروري توعية الناس بمخاطر العمليات الاحتيالية ـ التقليدية أو الرقمية ـ والتأكد من حقيقة أيّ مِنَصَّة استثمارية، لضمان الحقوق، كما يجب أن يكون هناك دور أكبر للجهات الرقابية في رصد هذه المِنَصَّات، لمنعها من النصب والاحتيال، وكذلك لحماية الناس من أنفسهم، قبل وقوع الكارثة.
فصل الخطاب:
يقول «نجيب محفوظ»: «لا تأخذ جرعة كبيرة من الثقة.. اترك مكانًا للخيبة، ومكانًا لاستيعابها أيضًا».