فرصة لتطهير النفوس من المطامع الشخصية
الصيام .. تهذيب للنفس وتجديد للتوبة

الصيام عبادة جليلة هى من أعظم العبادات التى يتحقق بها سمو النفس البشرية عن النزوات ونزغات الشيطان، كما أنه يقوى الإرادة بالصبر عما أحل الله للعبد فى غير رمضان، وهو فرصة لتطهير النفوس من قيد المطامع الشخصية، وتحررها من أَسْر الأغراض المادية، والترقِّى بها فى طموحات أرحب وأعلى.
قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية السابق، إن من أعظم المنح الربانية والنفحات الإلهية التى اختص الله بها أمة سيدنا محمد من بين سائر الأمم شهر رمضان، فهو شهر أنزل الله فيه القرآن وجعل فيه ليلة خيرا من ألف شهر ألا وهى ليلة القدر، وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتصفد الشياطين، وهو شهر المغفرة والرحمة، والله فى كل ليلة من لياليه عتقاء من النار، كما جعل الحق ثواب العبادة فيه مضاعفا، فعن سلمان - رضى الله عنه - أن النبى قال: «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شىء»، فأى فضل أعظم من ذلك كله للمسلم من تكثير ثواب عمله، ومغفرة ذنبه، وزيادة رزقه، وعتق رقبته من النار، وذلك كله من نفحات شهر رمضان.
أوضح «علام» أن الصيام عبادة جليلة هى من أعظم العبادات التى يتحقق بها سمو النفس البشرية عن النزوات ونزغات الشيطان، فهو مقاومة للنهم والشره وصد للشهوات وترويض للنفس على الوقوف أمام سطوتها، وتهذيب للغريزة البهيمية التى تركبت نفوس أغلب الناس على مطاوعتها، ليظهر الجانب الملائكى فى النفس البشرية، وهو الجانب الذى يميز الإنسان عن غيره من الحيوانات والدواب، وهذا هو الذى فضل الله بنى آدم على غيرهم لأجله فأعطاهم حرية الإرادة ليرتقوا معالم الكمال بتهذيب تلك الشهوات وتحصيل الفضائل التى جبلت عليها الملائكة كالشكر والذكر والرحمة وغيرها.
وتابع: لأجل هذا قال النبى فيما يرويه عن رب العزة فى الحديث القدسى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به، والصيام جنة»، ومعنى قوله «كل عمل ابن آدم له، أى إنه ما من عبادة إلا ويجوز أن يكون للعبد فيها حظ نفس من منفعة راجعة إليه منها أو رياء يستجلبه بها، إلا الصيام فإنه لا يخالطه شىء من الرياء، ولأجل هذا عقب قائلا «فإنه لى وأنا أجزى به» فانفرد الله بعلم ثوابه ومقدار تضعيف حسناته لأن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للمؤمنين من حسنة لعشر أضعافها، حتى تصل إلى سبع مائة ضعف، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، وذلك لعظم قدره وكبير أثره، واختصاص الصيام بإضافته إلى ذات الحق سبحانه، فى الحديث تشريف ما بعده تشريف لهذه العبادة، لأن فيه ظهور الإخلاص وهو سر بين العبد وربه، فأعطى عليه ما لم يعط على غيره.
وبين مفتى الجمهورية السابق، أن من أسرار الصيام وحكمه تقوية الإرادة بالصبر عما أحل الله للعبد فى غير رمضان، فإن العبد إذا امتنع عن الطعام الحلال والشراب الحلال وزوجته التى أحل الله له نكاحها، كان أقدر بعد انقضاء الشهر على الامتناع عن سائر المحرمات، ففيه مناعة ورياضة للنفس على البعد عن الفواحش كلها، كما أنه يحفظ اللسان عن اللغو والفحش من القول لترتب ثوابه على هذه الآداب، فإن النبى يقول: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إنى امرؤ صائم»، والمسلم إذا بعد عن فضول الكلام فضلا عن المنكر والخبيث من آفات اللسان فإنه ينشغل بالنافع من الذكر وقراءة القرآن وتدبره وغيره من الأعمال الصالحة.
وذكر أن من أسرار الصيام أن فيه تضييقا لمنافذ الشيطان، وإضعافا لسلطانه على المسلم، فأكثر ما يعين الشياطين على بنى آدم هو اتباع الهوى والانسياق وراء الشهوات، ولعل هذا هو السر فى قول النبى الله كما فى الصحيحين عن أبى هريرة -رضى الله عنه-: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين» وفى رواية: سلسلت، وفى رواية عند الترمذى وابن خزيمة: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن».
من جانبه قال الدكتور عبدالفتاح العوارى، عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر، إن صيام رمضان فرصة لتطهير النفوس من قيد المطامع الشخصية، وتحررها من أَسْر الأغراض المادية، والترقِّى بها فى طموحات أرحب وأعلى، فالنفوس فى رمضان تترفع عن الشهوات وعن الملذات وعن كل غرض دنيوى، وهذه من أفضل ثمرات التقوى.
وأضاف «العوارى» أن رمضان يمضى سريعًا حاملاً بين طيَّاته ما قدَّمه أهل الصلاح والتقوى، وأهل التقصير والكسل، وهذه عبرة للمعتبرين، وتنبيه للغافلين، للعودة إلى ربِّ العالمين، والعمل على إصلاح النفوس، وتنقية السرائر والضمائر، وتغير الأحوال من السيئ إلى الأحسن.
وبين الدكتور العوارى أن الصيام يعوّد المسلم على الصبر والتحمل، لأنه يحمله على ترك شهواته وملذاته، ولهذا كان الصوم من أقوى العوامل على تحصيل أنواع الصبر الثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله، ومتى اجتمعت أدخلت العبد الجنة بإذن الله، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) «الزمر:10».
وأوضح أن الصيام يساعد المسلم على التغلُّب على نفسه الأمَّارة بالسوء، فهى دائمًا تدعوه لانتهاك المحرَّمات، والإقبال على الشهوات، لكن الصوم يفوت عليها الفرصة، إذ يكسر حدة الشهوة، كما أنه يضعف مجارى الشيطان، وبالتالى يضعف تسلطه على المسلم، فضلا عن أنه يُعرف العبد نعم ربِّه عليه، بالإضافة إلى أنه مظهر من مظاهر اجتماع الأمة ووحدتها.