بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ليس بالامتناع عن الطعام والشراب .. رمضان رحلة بين الصبر والتقوى

بوابة الوفد الإلكترونية

الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل طريق لترسيخ الصبر الذى حث الله عليه، ورحلة لتحقيق التقوى وتزكية النفس كغاية كبرى لرمضان، ورغم تأكيد النصوص الدينية على هذا الارتباط، نجد فى الواقع تناقضات؛ فالبعض يطلق العنان لغضبه، وآخرون يتكاسلون عن أداء واجباتهم بحجة الصوم، فأين روح الصبر وجوهر التقوى بين النص الشرعى وتلك النماذج؟

روح العبادة وإدمان العادات
يرى الشيخ عبدالعزيز النجار، وكيل وزارة بالأزهر الشريف سابقًا، أن التناقضات التى نشهدها فى سلوك البعض خلال رمضان، من غضب وتوتر وتكاسل، تصدر غالبًا عمن يُطلق عليهم «أصحاب الكيف»—أى الذين اعتادوا التدخين والمنبهات، فيعانون من آثار الامتناع عنها أثناء الصيام. أما الصائمون حقًا، الذين يصومون ظاهرًا وباطنًا، يتسع صدرهم، ويمنحهم الصيام سكينة وطمأنينة وخشوعًا، محققين بذلك الحكمة الإلهية من الفريضة، كما فى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
من جانبه، يعترف محمد صالح، طالب بالسنة الأخيرة بكلية الهندسة، بصعوبة الصيام على المدخنين قائلًا: «بنستنى آذان المغرب عشان أول سيجارة، لأننا بنكون فى مزاج سيئ طول اليوم بسبب نقص النيكوتين فى المخ».
أما ريم عبدالرحمن، طالبة بكلية الصيدلة، تؤكد أن التوقف عن شرب القهوة فى رمضان يمثل تحديًا كبيرًا لها، قائلة: «أول يوم فى الصيام بيكون صعب جدًا، بصداع فظيع وتعب بسبب نقص الكافيين، بس بعد كام يوم بحس إنى أحسن شوية».
ويقول الدكتور سامر رضوان، أخصائى علم النفس، أن الصيام الحقيقى أفضل مصحة لعلاج شتى أنواع الإدمان، كما أنه يُحسن المزاج ويزيد القدرة على التعامل مع الضغوط، إذ يُعد دورة تدريبية سنوية شاملة.
وتابع رضوان أن الصوم يساعد فى علاج التوتر، الأرق، القلق، والاكتئاب، ويقوى الإرادة والاستقرار العاطفى، إضافةً إلى ذلك، يسهم الصيام فى تهذيب السلوك، ضبط الشهوات، وتعزيز الشعور بالمسؤولية، مما يؤدى إلى راحة نفسية عميقة وطمأنينة داخلية.

الصيام.. لذة الإيمان وسر التقوى
وهنا وجب علينا الوصول إلى معنى الصيام الحقيقى الذى يشير إليه العلماء، وقد وضحه «النجار» قائلًا: أن الصيام الحقيقى هو الذى يتجاوز الجسد ليشمل القلب والعقل، فيمتنع الصائم عن كل ما يُغضب الله، ويصوم بوجدانه قبل جوارحه، عندها فقط، لا يشعر بألم الجوع والعطش، بل يتذوق حلاوة الإيمان ويشعر بلذة الطاعة التى لا يدركها إلا أصحاب القلوب السليمة.
ويستشهد «النجار» بحديث النبى صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان...»، مؤكدًا أن الصيام يعمّق هذا الإحساس، حيث يجد المؤمن سعادته الحقيقية فى القرب من الله والبعد عن كل ما يشغله عن ذكره، فلا عجب أن يحرص الصادقون على الطاعة، ويتمنون أن يكون العام كله رمضان، حيث المساجد عامرة، والقرآن رفيق القلوب، والنفوس فى أرقى درجات الصفاء.
بينما تقول الداعية الإسلامية نادية عمارة، أن لكل عبادة ثمرة أخلاقية، والصيام ثمرته الأساسية هى تهذيب النفس، والأخلاق هى المعيار الحقيقى لصدق العبادات، وأن الصيام نصف الصبر كما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم، وهو وسيلة فعالة لتربية النفس وتزكيتها بمكارم الأخلاق، ليصل العبدإلى ثمرة التقوى التى أرادها الله لعباده الصائمين».

كيف تصل إلى لذة الصيام الحقيقية؟
وعليه يبقى السؤال الأهم: كيف ينتقل الإنسان من مجرد الامتناع عن الطعام والشراب إلى الصيام الحقيقى، الذى يمنحه المكاسب الروحية والجسدية التى أرادها الله لعباده الصائمين؟
يجيب الشيخ عبدالعزيز النجار بأن السر يكمن فى الاستعداد المبكر، فالصيام ليس مجرد عادة موسمية تبدأ مع أول أيام رمضان، ثم تتلاشى تدريجيًا، من يبدأ رحلته الروحية فى أول الشهر، غالبًا ما يجد نفسه يتراجع بعد أيام قليلة، فينصرف عن المساجد ويتكاسل عن تلاوة القرآن.
لذلك، ينصح النجار بأن يجعل الإنسان من الصيام أسلوب حياة، لا محطة مؤقتة، فكما يستعد الرياضى للسباق بالتدريب المستمر، كذلك ينبغى للصائم أن يدرب قلبه وروحه على التقوى قبل حلول رمضان، ليحصد لذة الإيمان طوال الشهر، بل ويمتد أثرها لما بعده.
وتُضيف نادية عمارة أن الصيام ليس حرمانًا مطلقًا، وإنما انقطاع مؤقت عن الشهوات المباحة، ما يُربى فى الإنسان قوة الإرادة، ويدفعه للارتقاء الروحى والتزكية، وعلى الإنسان أن يترك الصيام يُعلِّم المؤمن كيف يتحكم فى رغباته ولا يقاوم ذلك، فيترك شهواته المباحة، مثل الطعام والشراب، امتثالًا لأمر الله، مما يعزز قدرته على مقاومة الشهوات المحرمة.
فى الختام، الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو رحلة إلى أعماق الروح، حيث تتحقق التقوى ويُختبر الصبر، وبين من يعيش الصيام عادةً موسمية، ومن يجعله وسيلةً للسمو الروحى، يكمن الفارق بين من يشعر فقط بالجوع والعطش، ومن يتذوق حلاوة الإيمان، فعلينا ألا نجعل رمضان مجرد محطة مؤقتة، بل خطوةً دائمة نحو التقوى.