بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

خبير آثار يرصد مظاهر ليلة رؤية هلال رمضان

احتفال ليلة رؤية
احتفال ليلة رؤية الهلال

 شهر رمضان يمثل قيمة كبرى فى العالم الإسلامى على مدى التاريخ وارتبط بمفردات دينية تراثية محفورة فى ذاكرة العالم الإسلامى تبدأ بليلة الرؤية.

 فى ضوء ذلك يرصد خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، احتفال ليلة رؤية الهلال وموائد الرحمن من خلال دراسة أثرية للدكتور على أحمد، أستاذ الآثار الإسلامية السابق بآثار القاهرة، رحمة الله عليه.

 ويوضح أنه فى عام 920هـ/1514م أيام السلطان الأشرف قانصوه الغورى بحضور القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية حضر الزيني بركات بن موسى المحتسب فلما ثبتت رؤية الهلال وانفض المجلس ركب المحتسب ومشى أمامه السقاءون بالقرّب الجلدية وأوقدوا الشموع على الدكاكين وعلقوا المواقد والقناديل على طول الطريق إلى بيت الزيني بركات وذلك طبقًا لدراسة أثرية للدكتور على أحمد أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.

 وفي مستهل الشهر جلس السلطان في ميدان القلعة وتقدم إليه الخليفة والقضاة الأربعة بالتهنئة ثم استعرض كميات الدقيق والخبز والسكر والغنم والبقر المخصصة لصدقات رمضان الذى عرضها عليه المحتسب بعد استعرضها فى أنحاء القاهرة تتقدمها الموسيقى.

 وينوه الدكتور ريحان إلى احتفال المماليك بشهر رمضان احتفالًا كبيرًا يتفق ومكانته الدينية عند المسلمين وقد شهد الرحالة ابن بطوطة الاحتفال بهذه المناسبة فى مدينة أبيار بالقرب من المحلة الكبرى وهو شكل متكرر فى جميع أنحاء البلاد ووصف هذا الاحتفال وصفا دقيقا فقال " وعادتهم أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضى ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة فإذا أتى أحد الفقهاء أو أحد الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا باسم الله سيدنا فلان الدين فيسمع القاضى ومن معه فيقف القاضى ومن معه فيقومون له ويجلسه فى مكان يليق به فإذا تكاملوا هناك ركبوا جميعا وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال عندهم وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل القاضى ومن تبعه ثم يعودون إلى بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس وقد يوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع ويصل الناس مع القاضى إلى داره ثم ينصرفون هكذا كان فعلهم فى كل سنة " وذكر إبن الحاج فى المدخل أن من عادة الناس أن يعلقوا الفوانيس التي جعلوها علما على جواز الأكل والشرب وغيرها ما دامت معلقة موقودة .

 ويشير الدكتور ريحان إلى مظاهر ليلة الرؤية فى العصر العثمانى ففى التاسع والعشرين من شعبان كان القضاة الأربعة يجتمعون وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية بمنطقة  "بين القصرين" ثم يركبون جميعاً يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان ويعود إلى بيته في موكب حافل يحيط به أرباب الطرق والحرف بين أنواع المشاعل في ليلة مشهودة وفي صباح أول أيام رمضان يصعد المحتسب والقضاة الأربعة إلى القلعة لتهنئة "الباشا" الوالى فيخلع عليهم "قفاطين".

 ويتابع الدكتور ريحان بأن رمضان هو شهر الكرم وارتبط  بموائد الرحمن استمرارًا للولائم التى كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان فى أيام الفاطميين وهو ما يطلق عليها سماط الخليفة وموائد الرحمن وكان القائمين على قصر الخليفة الفاطمى يوفرون راتبًا كبيرًا من السكر والدقيق لصناعة حلوى رمضان الكنافة والقطايف وغيرها وهناك أيضا دار الفطرة ومهمتها إعداد الكعك وما شابه لتوزيعه فى ليالى الفطر والعيد وتعد بالقناطير لتوزع على مجموع المصريين فى القاهرة كما كان يحرص الخليفة على إقامة مائدة إفطار رمضان تسمى سماط بحضور رؤساء الدواوين والحاكم والوزراء وكانت فى هذا الوقت القاهرة مدينة خاصة للخليفة وخاصته وفرق الجيش المختلفة وتعددت الأسمطة (جمع سماط) الرسمية التى كان يحضرها الخليفة الفاطمى بنفسه فكان السماط يمد فى قاعة الذهب بالقصر الشرقى الكبير فى ليالي رمضان وفى العيدين والمولد النبوى وخمسة موالد وهى مولد سيدنا الحسين والسيدة فاطمة  والإمام على والحسن والإمام الحاضر بالإضافة إلى "سماط الحزن" في يوم عاشوراء.

 فإذا كان اليوم الرابع من شهر رمضان رتب عمل السماط كل ليلة بقاعة الذهب إلى السادس والعشرين منه ويستدعى له قاضى القضاة ليالى الجمع توقيرًا له ويحضر الوزير فيجلس في صدر السماط فإن تأخر كان ولده أو أخوه وإن لم يحضر أحد من قبله كان صاحب الباب.

 ويقول المؤرخ المقريزي عن سماط رمضان بقاعة الذهب " وكان تقرر أن يعمل أربعين صينية حلوى وكعك وأطلق برسم مشاهد الضرائح الشريفة لكل مشهد سكر وعسل ولوز ودقيق ويعمل خمسمائة رطل حلوى تفرق على المتصدرين والقرّاء والفقراء ثم يجلس الخليفة في منظرة القصر ويتوافد كبار رجال الدولة ويتلو المقرئون القرآن الكريم ثم يتقدم خطباء الجامع الأنور وجامع الأزهر وجامع الأقمر مشيدين فى خطبتهم بمناقب الخليفة ثم ينشد المنشدون ابتهالات وقصائد عن فضائل الشهر الكريم".

 ولفت الدكتور ريحان إلى أن العصر المملوكى اشتهر بتوسعة الحكام على الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان  ومن مظاهر هذه التوسعة صرف رواتب إضافية لأرباب الوظائف ولحملة العلم والأيتام  ولا سيما من السكر الذى يتضاعف كمية المستهلك منه في  هذا الشهر بسبب الإكثار من عمل الحلوى.

 واشتهرت فى هذا العصر الأوقاف الخيرية التى كان يخصصها الأمراء والسلاطين لإطعام الفقراء والمساكين فى شهر رمضان عن طريق موائد الرحمن وتوزيع الطعام المجهز عليهم والذى كان يشتمل على اللحم والأرز والعسل وحب الرمان  فقد نصت وثيقة وقف السلطان حسن بن قلاوون على الآتى " يصرف فى كل يوم من أيام شهر رمضان ثمن عشرة قناطير من لحم الضأن  وثمن أربعين قنطارا من خبز القرصة  وثمن حب الرمان وأرز وعسل وحبوب وتوابل  وأجرة من يتولى طبخ ذلك وتفرقته  وثمن غير ذلك مما يحتاج إليه من الآلات التى يطبخ بها فيطبخ ذلك فى كل يوم من أيام الشهر الكريم".

 ولم تقتصر هذه الأوقاف الخيرية على موائد رمضان وتوفير الطعام للفقراء والمساكين بل امتدت رسالتها إلى التوسعة عليهم يوم عيد الفطر ليعيشوا فرحة هذا اليوم وبهجته  فكان ينص الواقفون على شراء كميات من الكعك والتمر والبندق لتوزيعها على المستحقين والفقراء  وذكرت وثيقة وقف السلطان قايتباى " يصرف فى كل سنة تمضى من سني الأهلة فى يوم عيد الفطر توسعة لأرباب الوظائف بالجامع المذكور أعلاه ما مبلغه من الفلوس الموصوفة أعلاه ألفا درهم  يوسع الناظر - أى ناظر الوقف - بذلك عليهم فى يوم عيد الفطر على حسب ما يراه".

 وقد استمرت موائد الرحمن مرتبطة بشهر رمضان عبر العصور الإسلامية المختلفة وظل الأغنياء يتسابقون إليها كل عام ويعدون لها العدة.