عائدات قناة السويس رهان خاطئ
قبل أيام طالعنا الفريق أسامة ربيع بتصريح مبشر بالأمل والخير يقول إن هناك 47 سفينة عدلت مسارها للعبور من قناة السويس بدلا من طريق رأس الرجاء الصالح منذ بداية شهر فبراير الحالى، اقتناعا بحالة الاستقرار فى المنطقة منذ تطبيق وقف اطلاق النار فى قطاع غزة.
وفى ثنايا لخبر إشارات واضحة لجهود تبذل مع الخطوط الملاحية العالمية لتأكيد حالة الاستقرار لتعود قناة السويس تستقبل السفن بمعدلاتها الطبيعية التى كانت عليها قبل بد العدوان الإسرائيلى على غزة فى أكتوبر 2023.
وهذا بلا شك نبأ سار فى ظل حاجة ماسة للعملة الصعبة لتلبية احتياجات مصر من منتجات الطاقة والسلع الأساسية وسداد التزامات الدين طوال العام، خاصة أن عائدات قناة السويس تراجعت فى عام 2024 إلى 7.2 مليار دولار، مقابل 9.4 مليار دولار فى عام 2023. وكان من المتوقع أن تزيد عن ضعف الرقم لو لم تكن هناك حرب.
ومع ذلك، فإننى ما زلت أرى أن الرهان على عائدات المرور بقناة السويس وحدها هو رهان خاطئ، لأنها حتى لو ارتفعت ووصلت إلى عشرين مليار دولار، فإن هذا أقل كثيرا من المأمول والممكن، مقارنة بمنافذ مرور أخرى مشابهة فى العالم.
فقناة السويس فى نظرى ليست مجرد معبر مائى فى موقع متوسط من العالم، يربط بين منطقة وأخرى، وإنما هى منطقة خدمات لوجستية كبرى ومتنوعة، يُمكن أن تجتذب شركات كبرى عالمية ومتنوعة المجالات والجنسيات، بما يحقق عائدات خيالية تتجاوز مئة مليار دولار، وتوفر فرص عمل كبيرة ومتنوعة، دائمة ومؤقتة.
لقد سعت مصر إلى تعظيم الاستفادة من قناة السويس لتتجاوز فكرة الاكتفاء بتحصيل رسوم العبور، وتستوعب استثمارات صناعية وخدمية عملاقة من كافة بلدان العالم بما يحقق قيمة مضافة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الاقتصادى. وعلى هذا الأساس تم تنفيذ مشروع توسيع قناة السويس، وتهيئة المنطقة المحيطة، ومد الخدمات والمرافق الأساسية لها.
كانت منطقة قناة السويس مثالية فى الموقع، وجيدة فى المرافق، ومتنوعة فى الفرص، غير أنها مع ذلك لم تجذب منذ عام 2015 وحتى نهاية 2023 إلا عددا محدودا من المشروعات لم تتجاوز استثماراتها خمسة مليارات دولار، وهو رقم هزيل جدا بحساب الإمكانات الممكنة، ويثير كثير من علامات الاستفهام، بل ويدفعنا للبحث والدراسة والسعى للوقوف على أهم معوقات جذب رؤوس الأموال العالمية سواء تشريعية أو تنظيمية أو روتينية، والعمل على إزالتها.
إن علينا أن نتساءل بصراحة إن كان أداء الترويج للفرص الاستثمارية بمنطقة قناة السويس جيدا أم لا؟ وإن كانت النتائج مُرضية لنا ولطموحاتنا أم هى أقل مما خططنا له وسعينا إليه؟ وإن كان هناك ما ينبغى عمله للوصول إلى ما نستهدفه؟ كذلك فعلينا أن نفكر فى الصلاحيات الممنوحة للهيئة المنوط بها الإشراف على المشروعات وتنظيمها هل هى كافية أم لا؟
إننا فى تنافس إقليمى وعالمى كبير يُحتّم علينا النظر بعين الاعتبار إلى الحوافز المتاحة فى كل ممر عبور أو منطقة خدمات عالمية، والسعى لتحقيق السبق عليها، فضلا عن التحاور والتباحث مع الشركات العالمية للوقوف على أسباب تجنبها الاستثمار فى منطقة قناة السويس رغم مزاياها العظيمة.
إننى أكرر ما قلته مرارا بأن ملف الاستثمار الأجنبى والمحلى يمثل عنصر من عناصر الأمن القومى، ولابد من التفاعل مع هذا الملف على أعلى المستويات. ولا شك أن مشروعات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمثل واحدة من أهم الفرص المهدرة فى هذا الملف.
وسلامٌ على الأمة المصرية..