بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

السوق الحر «شماعة التجار» لفرض الزيادات

مافيا الاحتكار تشعل الأسعار قبل رمضان

بوابة الوفد الإلكترونية

مطالب بتشديد الرقابة على الأسواق وتوفير السلع

محمد محمود: التحوط فى موازنات الشركات عامل مؤثر فى الارتفاع

 

«الأسعار فى مصر بتطلع ما بتنزلش».. جملة على لسان كل مواطن مصرى تقريباً، ولا يكاد أى حديث يخلو من هذه الجملة، فى ظل الارتفاعات المتتالية فى أسعار السلع والخدمات خلال السنوات الماضية.

هذه الجملة أثارت الكثير من التساؤلات عن هذا الأمر، فلماذا لا تنخفض الأسعار بعد ما ترتفع فى مصر كما يحدث فى أى بلد فى العالم؟ ولماذا تتجه صعوداً فقط دون انخفاض رغم تغير الظروف؟

على الإدريسى: التشوهات السعرية وزيادة الحلقات بين المنتج والمستهلك ترفع الأسعار
على الإدريسى: التشوهات السعرية وزيادة الحلقات بين المنتج والمستهلك ترفع الأسعار

الإجابة عند الخبراء الاقتصاديين كانت واضحة ولم يختلف عليها اثنان وهى وجود ممارسات احتكارية فى الأسواق المصرية بمختلف المجالات، فضلاً عن ضعف الرقابة   على الأسواق، وترك الأمر لكل صانع أو تاجر فى تحديد أسعار المنتجات كيفما يشاء، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية أكثر من مرة خلال سنوات قليلة.

صلاح فهمى: احتكار القلة وضعف الرقابة سببان رئيسيان
صلاح فهمى: احتكار القلة وضعف الرقابة سببان رئيسيان

فى خلال الأعوام القليلة الماضية ارتفعت أسعار كل شىء فى مصر، وكانت الحجة أزمة الدولار وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، وعدم وجود إفراجات جمركية وهو ما أدى إلى انخفاض الإنتاج فى الأسواق، بالإضافة إلى لجوء الشركات والمستوردين إلى السوق السوداء لشراء الدولار لتمويل استيراد مستلزمات الإنتاج، وهو ما انعكس على ارتفاع الأسعار.

ولكن فى الآونة الأخيرة استقرت أسعار الصرف إلى حد ما، ورغم انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار إلا أنه لم يصل إلى ما كان عليه فى السوق السوداء وقت الأزمة، وأفرجت الحكومة عن الكثير من البضائع المخزنة فى الجمارك، وانتهت معظم الحجج التى كانت سبباً فى رفع الأسعار من قبل، ومع ذلك استمر الارتفاع كما هو، وهو ما أثار العديد من التساؤلات والشكوك فى عقول المواطنين الذين زادت معاناتهم بسبب هذه الارتفاعات المتوالية التى لا تتوقف.

وفى هذا السياق، قال الدكتور على الإدريسى، أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم، إن هناك عدة أسباب لعدم انخفاض الأسعار فى مصر منها: ضعف الرقابة على السوق وعملية ضبطه، فضلاً عن وجود تشوهات سعرية فى العديد من السلع، حيث تجد سوبر ماركت معيناً يبيع سلعة بسعر، وفى نفس المكان سوبر ماركت آخر يبيع نفس السلعة بسعر آخر، وهكذا فى مختلف السلع والمناطق، دون حسيب أو رقيب.

وأضاف أستاذ الاقتصاد أنه من ضمن الأسباب أيضاً وجود عدد كبير من الحلقات بين المنتج والمستهلك، وهذه الحلقات تخلق هوامش ربح كبيرة ما يؤدى إلى رفع الأسعار، لأن كل تاجر يقوم بممارسات احتكارية لزيادة أرباحه.

وتابع: «تكلفة الإنتاج والاستيراد المرتفعة أيضاً سبباً رئيسياً فى زيادة الأسعار، لأن الاستيراد مرتبط بسعر الصرف الذى زاد بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وبالتالى نحن هنا أمام تكلفة مضاعفة، خاصة أننا نعتمد على الاستيراد فى معظم المجالات».

ولذلك من أجل خفض الأسعار، فإننا نحتاج إلى سعر صرف مستقر وزيادة الإنتاج بشكل كبير، ووجود رقابة فعلية على الأسواق ومواجهة الممارسات الاحتكارية، وتفعيل دور أجهزة حماية المتسهلك ومكافحة الاحتكار، مع زيادة إمكانيات هذه الأجهزة البشرية والتكنولوجية، بحسب على الإدريسى الذى اختتم حديثه بقوله «المواطن يحتاج لمن يحميه».

احتكار القلة

وقال الدكتور صلاح فهمى، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن أحد أبرز أسباب عدم انخفاض الأسعار فى مصر بعد ارتفاعها هو ما يسمى باحتكار القلة، وهو ما يعنى اتفاق مجموعة من الشركات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة على تسعير معين للسلعة أو الخدمة يتم تطبيقه على كل المستهلكين، وهذا ما نلاحظه بشكل واضح فى بعض القطاعات مثل الاتصالات والصناعات الغذائية، وكل سوق أو قطاع تتحكم فيه مجموعة شركات يقال عليهم كبار السوق.

ودلل أستاذ الاقتصاد على ذلك بمثال شركات الاتصالات التى رفعت أسعار الإنترنت المنزلى والباقات وكروت الشحن مؤخراً، رغم أنها تربح حالياً أرباحاً صافية طائلة بعد الانتهاء من تنفيذ البنية التحتية لمشروعاتها خلال السنوات الماضية، وأصبحت لا ينفق استثمارات جديدة فى هذا المجال، فلماذا ترفع الأسعار وهى تربح مكسباً صافياً كل عام؟

وأشار فهمى، إلى أنه من ضمن الأسباب غياب دور جهاز حماية المستهلك وضعف الرقابة على السوق، وغياب التنافسية بين أصحاب القطاع الواحد ما يعنى دخول السوق فى شبه احتكار.

وأوضح أن التاجر البسيط يسترشد بالدولة فى رفع الأسعار وعدم خفضها، مدللاً على ذلك بعدم خفض الدولة لأسعار البنزين منذ تشكيل لجنة تسعير المواد البترولية منذ سنوات، مشيراً إلى أن هذه اللجنة لم تخفض أسعار البنزين عندما انخفضت أسعار النفط العالمية، ولذلك فإن التاجر هو الآخر يسترشد بسلوك الدولة فى مثل هذه الأمور وغيرها، قائلاً: «هل لجنة تسعير المواد البترولية ما شافتش ولا مرة انخفاض فى سعر البترول العالمى طوال السنين اللى فاتت مثلا».

وتابع: «من الأسباب أيضاً ظاهرة عجيبة فى مصر وهى استغلال المواسم فى رفع أسعار السلع سواء موسم رمضان أو الأعياد للمسلمين والمسيحيين وغيرها».

ولفت فهمى إلى أن الصدمات الخارجية تنعكس على الاقتصاد المصرى بشكل سريع سواء سلبية أو إيجابية، وبالتالى لابد عندما تنخفض الأسعار عالمياً أن نشعر بذلك محلياً، والعكس صحيح، موضحاً أن التوقعات أو التكهنات الخاصة بسعر الدولار تتسبب أيضاً فى لجوء التجار لرفع الأسعار، بينما لا يحدث العكس فى حالة توقعات انخفاض الأسعار، ووقتها يقال إننا فى سوق عرض وطلب، مضيفاً: «التجار الذين رفعوا أسعار المنتجات الموجودة لديهم قبل رفع الدولار تربحوا من لا شىء، لكن عندما انخفض الدولار لم يقوموا بخفض الأسعار بالشكل المطلوب، والسبب فى ذلك هو عدم وجود رقابة مشددة على الأسواق من جانب الحكومة، وعدم وضع أسعار المنتجات قبل خروجها من المصانع».  وأشار إلى أن المستهلك النهائى هو من يدفع ثمن أى ارتفاع فى الأسعار والظروف العالمية فى كل وقت.

واقترح أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن تتبع الدولة نظام التحوط فى شراء السلع الأساسية تجنباً للارتفاعات المستقبلية فى الأسعار العالمية سواء فى القمح أو البترول وغيرها من السلع الاستراتيجية التى يتم استيرادها، وبالتالى يتم تثبيت الأسعار على المستهلك، أى أن الدولة تتفق على شراء صفقة معينة من سلعة ما بسعر اليوم لكن تسليمها يكون فى موعد مستقبلى، وبالتالى إذا ارتفع سعر هذه السلع تكون فى مأمن من هذا الارتفاع لأنها سددت قيمة الصفقة وقت شرائها، وبالتالى المواطن لا يتأثر بهذا الارتفاع العالمى.

الغرف التجارية

وقال محمد محمود، الباحث الاقتصادى، إن الغرف التجارية فى الدولة هى المتحكمة بنسبة كبيرة فى الأسواق بمختلف السلع، لأنها تضم معظم الشركات العاملة فى السوق المصرى.

وأضاف محمود أن شركات القطاع الخاص وخاصة الكبيرة تقوم بإعداد موازنات تشبه الموازنة العامة للدولة، مشيراً إلى أن الفارق بين الموازنة والميزانية يتمثل فى أن الميزانية تشمل أرقاماً تاريخية وما حدث بالفعل خلال عام مضى، بينما الموازنة تتوقع أداء الشركة خلال عام قادم ومستهدفاتها.

وتابع: «وفقاً لذلك تعمل الشركات بمبدأ محاسبى يسمى التحوط ضد ارتفاع الأسعار، وهناك شركات تعمل وفقاً له بشكل مقبول، بينما أخرى تستخدمه لزيادة الربحية الخاصة بها، وهذا الأمر ظهر بشكل واضح جداً فى سلعة الذهب عندما وصل الدولار فى السوق السوداء إلى 70 جنيهاً، وتم التسعير وفقاً لهذا الرقم بسبب التحوط المبالغ فيه، بالإضافة إلى قطاع العقارات الذى زادت فيها الإيجارات وقيمة الوحدات بشكل كبير نتيجة هذا التحوط».

وأوضح الباحث الاقتصادى أنه على الجانب الآخر هناك شركات تتحوط بشكل منطقى ومقبول لكنها تعتمد على استيراد المواد الخام أو جزء منها بالدولار من الخارج، وبالتالى تقوم بتقدير سعره فى موازنتها بأعلى من السوق قليلاً تحسباً لأى ارتفاع مستقبلى، وإذا كان حالياً بـ50 جنيهاً تقدره هى فى موازنتها بـ55 جنيهاً، لأنها إذا لم تتحوط فسوف يتسبب ذلك فى ضرر مالى لها، مؤكداً أن الشريحة التى تحقق أرباحاً عالية فى الاقتصاد المصرى هى التجار وليس الصناع والشركات، التى تتحمل تكاليف تصنيع أكبر كثيراً من التجار.  وأشار إلى أن عدم هدوء الأسعار خصوصاً فى السلع الأساسية يرجع إلى التحوط والخوف من الغد لدى الصناع والتجار على حد سواء، خاصة عند الشركات التى تتحوط بشكل غير منطقى.

وأكد محمود أن مصر ليست فى جزيرة منعزلة عن العالم، وإذا تأثر الاقتصاد العالمى بأى هزة فإنها تنعكس على الاقتصاد المصرى بسرعة، وخير مثال على ذلك الرسوم الجمركية التى يحاول الرئيس الأمريكى ترامب فرضها على الدول المختلفة، وبالذات أن مصر تعتمد على الاستيراد بشكل كبير.

وأوضح أن الشعور بانخفاض الأسعار فى مصر لن يكون سريعاً، ويتطلب حلولاً طويلة المدى، تتمثل فى العمل على تقليل الأهمية النسبية للدولار من خلال إحلال الواردات بمنتجات مصنوعة محلياً فى مصر وتخفيض الاعتماد والطلب على الدولار، كما يجب زيادة الصادرات الصناعية وليس المواد الخام أو الحاصلات الزراعية، بحيث تكون لها قيمة مضافة صناع ية، مشيراً إلى أن الصادرات غير البترولية لم تتجاوز 40 مليار دولار وهذا رقم ضعيف مقارنة بدول أخرى أصغر من مصر.

وأشار إلى أن التصدير يسهم فى تحسن معظم مؤشرات الاقتصاد المصرى، وهذا يتطلب تقديم حوافز ووضع برنامج مستدام لدعم الصادرات، من أجل زيادة الحصيلة الدولارية، مؤكداً أن هذا الأمر سيؤدى فى النهاية إلى استقرار سعر الصرف على المدى الطويل وبالتالى تحسين وتقليل نسب التضخم فى الاقتصاد وعدم الارتفاع المستمر فى الأسعار.