مراجعات
بالشعارات والأغاني!
موجة تعليقات «وطنية» اجتاحت مِنَصَّات التواصل الاجتماعي، بعد الأداء الباهر واللافت لنجم فريق «مانشيستر سيتي»، المصري الدولي عمر مرموش، الذي خطف الأنظار منذ انتقاله للدوري الإنجليزي لكرة القدم.
على مدار أسبوعين، لم تتوقف الأفراح و«الليالي المِلاح»، تحت شعار «الجينات المصرية تتفوق»، في محاولة «ما» لربط تفوق «مرموش» بأثر الجينات المصرية على تميزه الواضح!
المتابع لـ«سيكولوجية» كثير من المصريين، يلحظ بوضوح، أنه على مدى عقود، يحاولون جاهدين، تلمس أي شيء إيجابي، و«التمسّح» بأي إنجاز، ليس لأحد فيه فضل أو مِنَّة، إلا الله سبحانه وتعالى، ثم الشخص نفسه، كما هي الحال مع عمر مرموش، ومن قبله محمد صلاح.
هذا المشهد، يُعيد للذاكرة فوز الممثل «الأمريكي ـ المصري» رامي مالك بجائزة «أوسكار»، قبل سنوات، بعد أدائه لشخصية المطرب ومؤلف الأغاني «فريدي ميركوري» في فيلم «بوهيميان رابسودي»، رغم أن الفنان ذاته سبق أن قال في مقابلة تلفزيونية إن لديه أصولًا يونانية، ولم نسمع يومًا أن اليونانيين احتفلوا بتلك «الجينات»!
بعد «الهاتريك» الذي سجله عمر مرموش في مرمى «نيوكاسل»، أصبح الـ«تريند» الأول، في مصر والعالم العربي، حيث لم تتوقف المزايدات على السوشيال ميديا، خصوصًا تلك التي تتوقع مصيره لو أنه بقي في مصر، وأي حال سيكون عليها؟!
جميع التعليقات في أغلبها ممتعة وطريفة، لكن جزءًا كبيرًا منها يدور في إطار نقاش آخر معمق، حول الهجرة إلى مجتمعات «متحضرة»، تُصْقِل المواهب والمبدعين، وبالطبع تحضر أسماء لبارزين في مجالات عدة، مثل أحمد زويل ومجدي يعقوب.. وغيرهما.
إنها قضية في غاية الأهمية، تلك التي تتعلق بهجرة الأدمغة والكفاءات والمبدعين من بلادي، بل ربما تكون واحدة من أهم وأخطر المشاكل التي تواجهنا.. فبدلًا من اكتشافهم والاستفادة منهم والحفاظ عليهم والإعلاء من شأنهم، نرى دولًا أخرى تُقدم لهم إغراءات يسيل لها اللعاب، لكسبهم والاستفادة منهم لضمان تقدمها وتفوقها.
إذن، الحقيقة أن أغلب العقول ومعظم المبدعين والمتميزين، يهاجرون من مجتمعنا «الطارد»، بسبب عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، ليجدوا ـ للأسف ـ أوطانًا بديلة، تُعلي من شأنهم وتحتضنهم، اعترافًا بقيمتهم وكفاءاتهم!
لذلك نعتقد أن مسألة هجرة الكفاءات المتميزة يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول غياب التخطيط العلمي السليم، وقلة الإنفاق على البحث العلمي، وانخفاض مستوى المعيشة، وغلاء الأسعار، مقارنة بالرواتب المغرية في الخارج التي تصل إلى عشرات أضعاف ما يتقاضونه في مصر.
أخيرًا.. على مدى عقود، نعاني من تراكم موروث الفساد والمحسوبية والبيروقراطية، وعدم الاحتواء أو إتاحة الفرص، أو الاستفادة من الخبرات والمهارات، وكذلك إلحاق الكفاءات بأعمال لا تتلاءم مع خبراتها ومهاراتها وتخصصاتها!
فصل الخطاب:
الريادة لا تأتي من فراغ، أو بضربة حظ، أو بشكل عشوائي، أو ببركة دعاء الوالدين، وإنما تأتي بالتخطيط العلمي، لا برفع الروح المعنوية والشعارات والأغاني الوطنية!