بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

«محسوب» أسيوط ليس «روبن هوود»

ماذا حدث للمصريين؟!، تابعنا جميعا ما حدث بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط، ونجاح وزارة الداخلية فى القضاء على واحد من أخطر العناصر والبؤر الإجرامية، بعد معارك استمرت لساعات متواصلة. لكن على الجانب الآخر فى مواقع التواصل الاجتماعى وبالتزامن مع أخبار القضاء على العنصر الإجرامى محمد محسوب إبراهيم أحمد، نشطت عديد من صفحات «السوشيال ميديا» فى محاولة إظهاره على أنه بطل شعبى مغوار، وليس مجرما هاربا من العدالة والقضاء. ولست هنا فى محل وقدرة الإفتاء بجواز الترحم عليه من عدمه كما هو متداول على كل منشور ومقطع للعنصر الإجرامى فهذا الأمر له رجاله من العلماء.
ظاهرة التعاطف هذه أعادت للذاكرة فترة الفوضى ما بعد أحداث يناير 2011، كنت تجد فى مدخل بعض الشوارع لافتات باسم الشهيد فلان، وعندما يتم استبانة الأمر تجد أن فلانا ذلك المتوج بالشهادة أحد المسجلين خطر الهاربين من السجون واستغل فترة الفوضى وعاد لاستئناف نشاطه الإجرامى مرة أخرى حتى نجحت الداخلية فى القضاء عليه وحماية المجتمع من شره وإجرامه.
محسوب أسيوط ليس «روبن هوود» هذه الشخصية الإنجليزية الفلكلورية التى برزت فى القرن الرابع عشر، ذلك البطل الخارج على القانون الذى كان يسرق من الإقطاع والأغنياء من أجل مساعدة الفقراء. ومن هنا اتخذت ضرائب إعادة توزيع الثروة مسمى ضرائب روبن هوود. وقطعاً الخارج على القانون محمد محسوب لا تنطبق عليه نظرية «اللصوصية الاجتماعية» للمؤرخ البريطانى إريك هوبسباوم؛ فما ارتكبه محسوب من جرائم وفقا للبيان الرسمى لوزارة الداخلية بلغ 44 جناية ما بين «مخدرات - قتل – سلاح – سرقة بالإكراه – الحريق المتعمد - إتلاف» ومحكوم عليه بالسجن والسجن المؤبد بمدد بلغت 191 سنة، وكذا باقى أفراد عصابته ارتكبوا جنايات «قتل – شروع فى قتل – الاتجار فى المخدرات – سلاح - سرقة بالإكراه» وأحدهم بلغت مدد سجنه 108 سنوات. وأخف جرائم هذا الـ«محسوب» هى الاستيلاء بالقوة على أراضى جيرانه. وهى جميعها جرائم لا تأتى فى إطار التمرد والمقاومة الاجتماعية التى قدم فيها هوبسباوم هؤلاء باعتبارهم متمردين ما قبل سياسيين. وكان أهلهم يعتبرون قطاع الطرق الاجتماعيين أبطالاً ومناصرين ومقاتلين من أجل العدالة فى عالم كان يحرمهم من العدالة فى كثير من الأحيان. والفرضية الرئيسية التى حاول الماركسى إريك هوبسباوم إثباتها فى نظرية اللصوصية الاجتماعية هى أن هؤلاء المتمردين من طبقة الفلاحين الخارجين عن القانون الذين يعتبرهم اللورد والدولة مجرمين، ولكنهم يظلون داخل مجتمع الريف، ويعتبرهم شعبهم أبطالاً، مناضلين، ومنتقمين، ومقاتلين من أجل العدالة، وربما حتى قادة للتحرير، وهم فى كل الأحوال رجال يستحقون الإعجاب والمساعدة والدعم.
وتستكشف نظرية «اللصوصية الاجتماعية» الأساطير والخرافات حول الخارجين على القانون وتتطرق إلى عناصر التبرير والشرف التى يضفيها البسطاء على هؤلاء الخارجين عن القانون. وبالطبع محسوب لم يكن يقاوم سلطة احتلال حتى يمكن اعتباره بطل مقاومة. بل خارج على القانون يمارس استعراض القوة ليس فقط على المواطنين لكن على الدولة أيضا وهو ما استدعى تدخلا حاسما منها حفاظا لهيبة القانون قبل هيبتها.
وللدلالة على مدى خطورة الرجل وعصابته؛ وزارة الداخلية استعانت بقوات «بلاك كوبرا» المتخصصة فى مكافحة الإرهاب، والبيان الثانى لوزارة الداخلية قال إن خبراء المفرقعات نجحوا فى تفكيك عدد من العبوات البدائية التى كانت مزروعة بمحيط أسوار بيت خط الصعيد الجديد من الداخل للحيلولة دون مداهمته، كما تم ضبط مخزن الأسلحة الخاص بالبؤرة الإجرامية والذى يحتوى على عدد (٢٠١) قطعة سلاح ليصل إجمالى الأسلحة المضبوطة (٣٥٩) قطعة سلاح منهم قاذفات «آر بى جى»!!
ظاهرة التعاطف مع محسوب وأمثاله تستدعى البحث والدراسة من قبل المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية والتوعية بها، لتفسير وتبرير وضع البطل والأسطورة الذى أحاط بهؤلاء «الخارجين عن القانون». لكن فى كل وجميع الأحوال «محسوب» أسيوط ليس بطلاً ولن يكون.