بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

نور

خسائر أمريكا بعد حرب غَزة!!

المشكلة الحقيقة التى لا تشعر بها الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس ترامب، هى أن أمريكا وصلت لمرحلة تبنى الخطاب السياسى الإسرائيلى، بل وتتبنى خطط رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وهى خطط شعارها الرئيسى «إما الطرد أو القتل» لسكان غَزة، وهو منطق ليس مقبولًا.. لاعربيًا ولا دوليًا.. وليس واقعيًا بحسابات المنطق أو الخيال.. لأن الواقع على الأرض أعمق وأشرس مما تتخيل الولايات المتحدة وإسرائيل.. فالمعركة قد تنتقل من غَزة إلى أى مكان آخر فى العالم.. وبالتالى فإن مقترح الطرد والتهجير أصبح فكرة تهدد السلم والأمن الدوليين.
قطعًا.. كلنا يعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية هى «أم إسرائيل» التى تُدافع عنها فى الحق وفى الباطل، والمبرر الأمريكى لهذا الدفاع، دائمًا، أمام العالم هو أن إسرائيل المسكينة، تعانى من خطر وتهديدات جيرانها العرب الأشرار.
كانت الولايات المتحدة تقول هذا التبرير رغم أن إسرائيل هى التى تعتدى على الجيران العرب وتغتصب أراضيهم وتهدد استقرارهم.
كان هذا عاديًا جدًا حتى يوم 7 أكتوبر 2023 الذى شهد تحول مُصطلح تعريف أمريكا من «أم إسرائيل» إلى «ابنة إسرائيل» بسبب تنفيذ الولايات المتحدة لتعليمات تل أبيب وكأنها طفل صغير يلتزم بتعليمات أمه.. فلم تعد أمريكا أمًا لإسرائيل ولكنها تحولت إلى طفل وديع ينفذ تعليمات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو!!
الموقف الأمريكى -بقيادة الرئيس بايدن ثم الرئيس ترامب- كان مُخزيًا من البداية.. فقد ترددت السياسة الأمريكية كعادتها قبل التحرك لاتخاذ موقف يمنع آلة القتل الإسرائيلية من ذبح النساء والأطفال قبل الرجال فى غزة، ولم تُفرق أمريكا بين مقاتلى حماس وبين الشعب الفلسطينى، فلم نسمع منها إدانة واحدة لانتهاكات إسرائيل لكل قوانين الحرب وحقوق الإنسان، فقد كان العقاب الإسرائيلى جماعيًا، وكان القتل يطول الأبرياء قبل المُسلحين، والتدمير ينال من البيوت قبل الأنفاق، والحرائق تلتهم المستشفيات قبل المخابئ.
حدث كل هذا وازداد بعد زيارة بايدن لتل أبيب، فقد اعتبرت القيادة الإسرائيلية «السياسية والعسكرية» هذه الزيارة ضوء أخضر لقتل الشعب الفلسطينى وارتكاب جرائم حرب بلا مُحاسبة!!
واستمرت الولايات المتحدة فى أداء دورها بمجلس الأمن لتمنع أى قرار يوقف القتل الجماعى للفلسطينيين، رغم أن الدول التى ترفض التصرفات الإسرائيلية، سواء كانت ذات عضوية دائمة أو مُتغيرة فى المجلس الأممى، لم تسع إلى إدانة إسرائيل أو اتهامها بارتكاب جرائم حرب، ولكنها فقط طلبت حماية المَدنيين الفلسطينيين، إلا أن الولايات المتحدة لم تهتم إلا بزيادة التسليح لإسرائيل لمزيد من قتل الفلسطينيين!!
ثم جاء الرئيس ترامب ليحاول فرض فكرة التهجير بالقوة والتهديد والوعيد.. وهو ما لم تقبله مصر والأردن والدول العربية وأوروبا والمجتمع الدولى، ليتأكد الجميع أن الفارق بين المصالح الإسرائيلية والأمريكية لا يزيد عن حجم سُمك شعرة الرأس!!
لقد خسرت الولايات المتحدة -تمامًا- أى تقدير عربى لمواقفها فى المستقبل.. لقد خسرت علاقاتها الجيدة بكثير من الدول العربية.. فقد اهتزت العلاقة.. بعد اهتزاز المصداقية فى السياسة الأمريكية لعدم إجبارها إسرائيل على وقف القتل الممنهج بأسلحة فتاكة تُدمر بلا تمييز وتقتل بلا رحمة!!
خسرت بعدما حاولت طرد سكان غَزة من أراضيهم وبيوتهم، وحل أزمة إسرائيل على حساب أراضٍ عربية أخرى.. ورغم صلابة مصر وقيادتها وشعبها فى مواجهة المُخطط ومنعه من التحقق.. إلا أن الصدر أصبح فيه ألم من مواقف من يقولون أنهم أصدقاء.. فقد اتضح انهم لا يختلفون كثيرًا عن الطامعين فى أراضينا منذ عام 1948!!
خسرت الولايات المتحدة تحالفها الواسع والهادئ والمستقر فى المنطقة، وسوف تتحرك روسيا والصين بشكل أكثر حرية من فوق أنقاض بيوت غزة التى هُدمت فوق رؤوس أصحابها!!
الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج أصبحت فى حالة غليان ولم تعد تستطيع حكومات هذه البلدان مع ارتفاع حِدة الغضب الشعبى أن تعمل فى اتجاه منفرد نحو الولايات المتحدة ولا تعاون معها أكثر من النقطة الحالية.. وفى نفس الوقت لا تستطيع أمريكا توجيه اللوم لهذه الدول -فى ظل هذا الغضب الشعبى العربى- فى حالة تعاملها بشكل أكبر مع قوى عسكرية واقتصادية كبرى تنافس الأمريكيين على النفوذ فى منطقة الشرق الأوسط.
الإدارة الأمريكية سوف تواجه، من الآن فصاعدًا، تصديًا داخليًا كبيرًا فى كل مؤسساتها، تصديًا من أصحاب الرأى الذين يريدون للولايات المتحدة ممارسة العدالة أو الانتباه لمصالح الولايات المتحدة فى منطقة الشرق الأوسط، وتصديًا من أنصار حقوق الإنسان الذين يرفضون التناقض الأمريكى بخصوص هذا المجال، وتصديًا من نواب الكونجرس الذين يعرفون مخاطر التلاعب بمصائر الشعوب، ومساهمة هذه السياسات على المصالح الأمريكية.. بل إن المواجهات بين المتحمسين لإسرائيل أو ضدها سوف تزداد داخل الساحة السياسية الأمريكية بما سوف يؤثر على تماسك القرار الأمريكى فى مواجهة الخارج.
عمومًا.. لقد قُتل الأبرياء.. وتوحشت إسرائيل بمساعدة أمريكية.. صحيح لن تبقى خريطة السياسة فى الشرق الأوسط كما هى.. ولكنها لن تتغير بسهولة لصالح إسرائيل.