بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

بعد النصف من شعبان.. باب الرحمة لا يزال مفتوحًا بعمل بسيط

بوابة الوفد الإلكترونية

 قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، أن ليلة النصف من شعبان مرت سريعًا، لكنها حملت معها نفحات جليلة وفيوضات غزيرة من الرحمة والمغفرة، مشيرًا إلى أن السعيد هو من اغتنمها بالعبادة والدعاء وطلب القرب من الله.

باب الرحمة والمغفرة: 

 وأوضح جمعة، أن البعض يظن أن باب الرحمة والمغفرة يُغلق بانقضاء هذه الليلة، ولكن الحقيقة أن هذا الباب يظل مفتوحًا إلى يوم الدين، ومن أراد أن ينهل من هذه الرحمات فعليه أن يحرص على قيام الثلث الأخير من الليل، حيث يتنزل الله سبحانه وتعالى بفيض كرمه وجوده على عباده، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (صحيح البخاري).

 وأشار إلى أن هذا التنزل الإلهي لا يختص بليلة معينة من دون غيرها، بل هو مستمر في كل ليلة، مما يدل على أهمية اغتنام هذا الوقت في الدعاء والاستغفار وطلب العفو والرحمة من الله عز وجل.

إصلاح القلوب قبل رمضان:

 وشدد الدكتور علي جمعة على أهمية أن يُقبل المسلم على شهر رمضان بقلب صافٍ خالٍ من البغضاء والعداوات، موضحًا أن أحد أهم الأمور التي يجب التركيز عليها قبل دخول هذا الشهر الكريم هو إصلاح ذات البين بين المسلمين، وجمع الكلمة وإزالة الشحناء والخصومات، حتى يستقبل الإنسان رمضان بنفس راضية وروح عالية، فيكون أكثر قربًا من الله وأعظم أجرًا عنده.

 واستدل بقوله تعالى: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" (النساء: 114).

 وأوضح، أن القرآن الكريم أكد أيضًا على أهمية إصلاح ذات البين بين المؤمنين، فقال سبحانه وتعالى:

"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات: 10).

فضل الإصلاح بين الناس:

 أضاف جمعة، أن النبي ﷺ بيَّن الفضل العظيم والنفع العميم الذي يترتب على إصلاح ذات البين، وجعل أجره أعظم من كثير من العبادات، فقال في الحديث الشريف: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة"، قالوا: بلى، قال: "صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" (سنن الترمذي).

 وأوضح أن النبي ﷺ حين قال: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين"، كان يقصد أن الخصام والعداوة بين الناس تمحو الدين وتذهب بأجر العبد، وتجعل قلبه ممتلئًا بالحقد، فيحرم من لذة العبادة وقرب الله.

 وبناءً على ذلك، شدد جمعة على ضرورة الحرص على إصلاح العلاقات، ومد جسور الود والتسامح، وجعل رمضان فرصة لتجديد العلاقات الطيبة، وتصحيح الأخطاء، والتخلص من المشاحنات، لأن القلوب المتصالحة أقرب إلى القبول عند الله، وأعظم حظًا من رحمته.

الحاجة الملحة إلى التسامح في زماننا:

 أشار جمعة إلى أننا في هذه الأيام أحوج ما نكون إلى التأكيد على قيمة التسامح وإصلاح ذات البين، بسبب ما يعيشه العالم من أزمات وصراعات. فالمجتمعات التي يسودها التراحم والتسامح تكون أكثر استقرارًا وترابطًا، وتصبح بيئة مناسبة لنمو القيم الأخلاقية والدينية، فينعكس ذلك على الأفراد والمجتمع ككل.

 وأضاف أن التسامح ليس ضعفًا، بل هو قوة في الأخلاق، ودليل على نقاء القلب وصفاء النية، وأن النبي ﷺ كان أحرص الناس على إرساء ثقافة التصالح والتراحم بين المسلمين، فكان يعفو ويصفح، ويدعو إلى المغفرة والتسامح حتى مع أعدائه، وختم حديثه بالدعاء قائلاً: "فاللهم أصلح ذات بيننا، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، وبلغنا رمضان بقلوب نقية وأعمال مقبولة".