حكم الصلاة في مسجد به ضريح أو بجواره

تتجدد التساؤلات الفقهية حول حكم الصلاة في المساجد التي تحوي أضرحة أو تلك المجاورة لها، خاصة مع ما يثار من جدل حول ارتباط ذلك باتخاذ القبور مساجد.
وقد تناولت الفتاوى الشرعية هذه المسألة بتفصيل، مستندة إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع العلماء.
التفريق بين المسائل الثلاث
عند الحديث عن الصلاة في أماكن القبور أو المساجد المتصلة بها، من المهم التفريق بين ثلاثة أمور:
الصلاة في المقابر نفسها: اتفق الفقهاء على أن المقبرة ليست مكانًا صالحًا للصلاة، خاصة إذا كانت تحوي قبورًا منبوشة أو مختلطة بأجساد الموتى، باستثناء ما إذا خصص فيها موضع للصلاة ولم يكن فيه قبر. وقد ذهب جمهور العلماء إلى كراهة الصلاة فيها، فيما اعتبرها الحنابلة غير صحيحة مطلقًا.
الصلاة في المسجد الذي به ضريح: أكد العلماء صحة الصلاة في المساجد التي بها أضرحة للأنبياء والصالحين، بل ذهب بعضهم إلى استحبابها، استنادًا إلى قوله تعالى عن أصحاب الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} [الكهف: 21].
اتخاذ القبر مسجدًا: وهو المحظور شرعًا، ويعني بناء القبور في مواضع الصلاة بطريقة تجعل المصلين يتوجهون إليها أو يقدسونها بدلاً من التوجه إلى الله، وهذا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث.
الأدلة الشرعية على جواز الصلاة في المساجد التي بها أضرحة
- من القرآن الكريم: تشير الآية السابقة إلى أن اتخاذ المسجد على القبور ليس أمرًا مستنكرًا في ذاته، بل كان من أفعال الموحدين في زمن أصحاب الكهف.
- من السنة النبوية: ثبت أن الصحابي أبا جندل بن سهيل بن عمرو دفن أبا بصير رضي الله عنه ثم بنى على قبره مسجدًا، كما ورد في عدة مصادر تاريخية مثل الاستيعاب لابن عبد البر.
- من فعل الصحابة: لم يُنكر الصحابة بناء المسجد النبوي حول الحجرة النبوية الشريفة التي تضم قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهو ما يؤكد جواز الصلاة في المسجد المتصل بالقبور ما لم يكن فيه تعظيم للقبر أو توجه بالدعاء إليه.
الرد على من يمنع الصلاة في المساجد ذات الأضرحة
يرى بعض المعارضين أن وجود الضريح داخل المسجد يجعل الصلاة فيه غير جائزة، مستندين إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد. غير أن العلماء ردوا على ذلك بأن النهي خاص بمن يتخذ القبر نفسه موضعًا للسجود أو يعتقد أنه ذو بركة مستقلة، أما وجود القبر في المسجد دون توجه خاص له فلا حرج فيه.
خلاصة الحكم الشرعي
- الصلاة في القبور مباشرة مكروهة أو محرمة بحسب الحال.
- الصلاة في المسجد الذي به ضريح جائزة، بل ومستحبة، بشرط عدم تعظيم القبر أو التوجه إليه بالدعاء.
- اتخاذ القبر مسجدًا، بمعنى السجود عليه أو التوسل به، هو الأمر المنهي عنه شرعًا.
وبذلك يتضح أن المسألة فقهية فرعية لا يجوز استغلالها لإثارة الفتن أو التفريق بين المسلمين، بل يجب التعامل معها وفق مقاصد الشريعة التي تقوم على التيسير وعدم التضييق.