عمرو موسى وكتابيه
تعذر حضوري هذا العام إلي معرض القاهرة الدولي للكتاب وهذا من السنوات القليلة التي تخلفت عنه لرؤية هذا السوق العربي الكبير وإصداراته المتنوعة وهذا الملتقي الكبير للثقافة العربية وحضور الندوات ومشاهدة الإصدارات الجديدة لدور النشر العربية ولكي أخفف علي نفسي عدم الذهاب للمعرض قمت ابحث في مكتبتي عن الكتب ألتي قمت بشرائها وتوضع علي الارفف وإذ بي تقع عيني علي إحدى التحف والكنوز المدفونة وهو كتاب يعد وثيقة تاريخية واجتماعية مهمة وقد قرأته وانتويت أن أقرأه مرات أخري بل وضعت خطة لاعطيه لبعض الأصدقاء علي سبيل الإعارة لمدة محددة فهو صيد ثمين ومن الكنوز التي أتمني الا يفوت احد فرصة الاطلاع عليه حتي تعم الفائدة أنه المجلد الأول من كتابيه وهو الجزء الأول من السيرة الذاتية للسيد عمرو موسي فعندما رأيته قلت وجدتها لقد عثرت علي ضالتي فهو من يغنيني عن الف كتاب والحقيقة إنني قبل ان اقرأ الكتاب قلت لنفسي إن عمرو موسي يسجل فيلما وثائقيا عن مسيرة حياته يكون أفضل لما يمتلكه من كاريزما وطريقة أداء مبهرة ولكن بعد قراءتي لهذا الكتاب اندهشت من مجلد بهذا الحجم ويمثل جزءا من مسيرته ويكون بهذه الدقة والجمال والمتعة والتوثيق وجدة المواضيع بعيدا عن كل مناحي الطرافة والتسري والتسلية، فهي مادة دسمة بامتياز وكتاب ماتع إلى ابعد الحدود وإن كان من دقة العبارات وروعة الكلمات وجمال المعني والمبني يجعلك تعيد قراءة الجملة لتستمتع بهذه التراكيب الخاصة والفريدة والجميلة من السيد عمرو موسي وهو ما دعاني لتذكر ما قاله السفير السيد قاسم المصري سفير مصر في الرياض في لقاء عائلي إبان تعيين السيد عمرو موسي وزيرا للخارجية مادحا اياه بأنه صنايعي كلام وهي حقيقة شهد له بها القاصي والداني، وقد ذكرت له ذلك والسفير سيد قاسم هو حفيد القطب الوفدي الكبير المصري السعدي رفيق الزعيم سعد زغلول وهو من رموز قبيلة الفوايد المليئة بالأعلام كصالح باشا لملوم وابنته خديجة زوجة اللواء صبحي الهرميل والحقيقة إنني منذ رأيت عنوان هذا المجلد كتابيه وهي مفردة قرآنية وقع في صميم فؤادي أنه لا يمكن لمن اختار بل ووفق في اختيار تلك المفردة أن يسطر بين دفتي الكتاب إلا ما كان صدقا وهذه حكمة بالغة لا ينالها إلا من انتوي الصدق فضلا عن مساع خيرة بعيدة عن تمجيد الذات وإنكار أدوار الآخرين وبعد أن أمسكت بالكتاب وجدت الفصل الأول بعنوان طفولة في رحاب الوفد فملئت سعادة وطاف بنا الكاتب مع الزعماء مصطفي النحاس وفؤاد سراج الدين وحكي قصصا وأحاديث ومشاهد عن الوفديين وكان والده محمود ابوزيد موسي نائبا عن الوفد وجده لأمه حسين الهرميل نائبا عن الوفد فسرد مواقف عديدة عن الوفد خاصة في ١٩٤٢ إلي ١٩٥٠ وفي رحاب الوفد تتداعي الذكريات ففي عام ١٩٤٢في ظل حكومة الوفد تم تعيين جدي شيخ العرب التايب مازق عمدة لقبيلة الفوايد بديلا عن عبدالله باشا لملوم وبقي الوفد يسري في دماء عمرو موسي فلما قال له الأمير خليفة آل ثاني أمير قطر انت ناصري رد بل انا وفدي وهذا يؤكد ان الوفد عقيدة سياسية لمن ينتمي إليه وعودا إلي صفحات هذا الكتاب الذي يعد وثيقة تاريخية وبحق ويمثل إطلالة مهمة علي المواقف المصرية والعربية والدولية برواية ورؤية عمرو موسي وكل صفحة من صفحات الكتاب تستحق مقالات للكتابة عنها لعمق الأفكار وذكاء وفطنة تناول الموضوعات بجمال الكلمة وسلاسة العبارة وتوثيق الاحداث والبعد عن الذاتية قدر المستطاع ويطوف بنا في دهاليز الدبلوماسية والسياسة وهو يحمل الجدة والجرأة بمفردات موسى الخاصة والكشف عن كافة ابعاد القضايا الأساسية كموضوع تبني مصر خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وتفاعل مصر الجاد مع دول حوض البحر المتوسط وكان لموسي بصمة واضحة في ذلك وادعو كل قارئ أن يقتني هذا الكتاب الفريد من السير الذاتية بكتابيه وللحديث بقية...