العثور على نظريات رياضية خفية داخل لوحات دافنشي
أظهرت دراسة جديدة أن الأشجار التي تم تصويرها في أعمال رسامين معروفين مثل ليوناردو دافنشي وبيت موندريان تتبع القوانين الرياضية التي تفسر نمط تفرعها في الطبيعة.
وبحسب البحث المنشور في مجلة PNAS Nexus، فإن هذه الأنماط الرياضية قد تكون السبب وراء قدرتنا على التعرف على هذه الأعمال الفنية باعتبارها تصويرًا للأشجار.
الكسير: نمط رياضي متكرر في تفرع الأشجار

تتبع الأشجار في الطبيعة نمط تفرع يُعرف بالكسير (fractal) وهو نمط متشابه ذاتيًا، حيث تتكرر نفس الهياكل على نطاقات أصغر وأصغر من الجذع إلى أطراف الفروع.
واستطاع العلماء في دراستهم تحليل مقياس سمك الفروع في تصوير الأشجار عبر الأعمال الفنية باستخدام الرياضيات، وتمكنوا من استنتاج قواعد رياضية تحدد النسب بين أقطار الفروع وعدد الفروع المختلفة.
الرياضيات وراء الأشجار في أعمال الفنانين
أوضح الباحثون أنهم قاموا بتحليل الأشجار في الفن على اعتبارها أشكالاً كسورية متشابهة ذاتيًا، وقاموا بمقارنة ذلك بالمعادلات البيولوجية لسمك الفروع. وكشفت الدراسة أن قيم معامل α (الذي يعكس العلاقة بين سمك الفروع) تتراوح في الأعمال الفنية بين 1.5 و 2.8، وهو ما يتوافق مع النطاق نفسه الذي يظهر في الأشجار الطبيعية.
ليوناردو دافنشي وبيت موندريان: فنانان عبر العصور
من بين الأعمال التي تم تحليلها، وجد الباحثون أن رسم ليوناردو دافنشي لشجرة يظهر كيف تحافظ أغصان الأشجار على سمكها في مراحل التفرع المختلفة. وقد استخدم دافنشي معادلة رياضية تُعرف بالمعامل α لتحديد العلاقات بين أقطار الفروع، مؤكداً أن معامل α يكون قيمته 2 عندما يكون سمك الفرع مساوياً لمجموع سمك فروعه الأصغر.
كما قام الباحثون بتحليل الأعمال الفنية الحديثة مثل لوحة "الشجرة الرمادية" لبيت موندريان من عام 1911، والتي رغم كونها تجريدية، يمكن التعرف عليها كصورة شجرة بفضل تطابق قيم α الواقعية.
الفن والعلم: عدسة لفهم الطبيعة
تقدم هذه الدراسة منظورًا جديدًا لفهم الجمال الطبيعي للأشجار، كما تسلط الضوء على الترابط بين الفن والعلم، حيث يمكن لكل منهما أن يوفر رؤى تكمل الأخرى لفهم العالمين الطبيعي والبشري.
تؤكد الدراسة على أن الأشجار، سواء في الطبيعة أو في الفن، تتبع قوانين رياضية يمكن تحديدها، وتساعدنا على تقدير جمالها وتفسير تفاصيلها. كما أن هذا الاكتشاف يعكس قدرة الفنانين على التقاط هذه الأنماط الرياضية في أعمالهم، مما يعزز قدرتنا على التعرف على هذه الصور كتمثيلات طبيعية واقعية.
ليوناردو دا فينتشي
تلقى ليوناردو تعليمه في مرسم فنان إيطالي ذائع الشهرة آنذاك، وهو أندريا دل فروكيو، وانتقل فيما بعد إلى مدينة ميلان فأمضى فيها جل شبابه بخدمة الدوق لودوفيكو سفورزا، ثم انتقل منها إلى روما وبولونيا والبندقية، وعاش الأعوام الثلاثة الأخيرة في حياته بفرنسا وتوفته المنية فيها سنة 1519.
نال ليوناردو دا فينتشي جل شهرته من الرسم، فأشهر لوحاته هي الموناليزا، وهي -كذلك- أشهر لوحة لشخص رسمت قط، وأما العشاء الأخير فهي أكثر جدارية دينية أعيد رسمها في التاريخ كافة، وللوحة الرجل الفيتروفي قيمة أيقونية تعرف بها في شتى الأنحاء. وبيعت لوحة سالفاتور مندي بمبلغ قياسي في 15 نوفمبر سنة 2017 هو 450.3 مليون دولار أمريكي في مزاد كريستيز العلني، وهذا أعلى ثمن بيع لقائه عمل فني في التاريخ أجمع. ولما تركه دا فينتشي من لوحات ورسومات تخطيطية ومذكرات وكتيبات شخصية قيمة فنية هائلة، وخصوصا لما فيها من رسوم علمية ومسودات وأفكار عن كينونة الرسم، ولما تركه فيمن بعده من الفنانين أثر لا يعدله فيه إلا مايكل أنجلو.
لم ينل دا فينتشي تعليما أكاديميا خلال حياته، على أن الكثير من المؤرخين والباحثين يرون فيه مثلا أعلى لنبوغه بشتى المجالات ولحمله روح «رجل عصر النهضة» ولفضوله النهم ولخياله المتيم بالابتكار، فيشاد به على أنه من أكثر من تعددت مواهبهم في تاريخ البشرية، وتقول مؤرخة الفن هيلين غاردنر أنه لم يسبقه إنسان في تعدد مواهبه وعمقها، «فيبدو عقله وشخصيته غير بشريين لنا». ويرى الباحثون أن نظرة دا فينتشي إلى العالم كانت مبنية على أساس المنطق الراسخ.
تحظى اختراعات دا فينتشي العلمية باحتفاء كبير، فقد وضع في فترة حياته مخططات لآلات حديثة كثيرة منها آلة طيران ومركبة مدرعة للقتال ولاقط للطاقة شمسية وآلة حاسبة وبدن مزدوج للسفن، ولم يبن من هذه الاختراعات في زمنه إلا قسم قليل بل إن بناء معظمها لم يكن ممكنا حينذاك، إذ كان المنهج العلمي في الهندسة وسبك المعادن ما يزال في مهده. على أن ثلة من اختراعات دا فينتشي البسيطة ظهرت في المصانع أثناء عصر النهضة وحققت نجاحا جما، ومنها مغزل مؤتمت وآلة تؤدي اختبار الشد (للتحقق من احتمال الأسلاك)، كما ينسب إليه اختراع المهبطة أو المظلة والمروحية والدبابة، وله اكتشافات كبيرة في علم التشريح والهندسة والجيولوجيا والبصريات وجريان الموائع، لكن جل هذه الاكتشافات لم يكن لها أثر يذكر على تطور العلم لأنها لم تنشر قط.