بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

القمامة كنز لايفني

«الخردة» ملاذ الباحثين عن لقمة العيش

بوابة الوفد الإلكترونية

 500 جنيه دخلاً يومياً من تجارة الخردة

مواطنون: الخردة «مش عيب».. ولقمة العيش صعبة

نقيب الزبالين: خناقات فى قاعات الأفراح على علب «الكانز»

 

وسط الظروف الاقتصادية الطاحنة، يبحث ملايين المواطنين عن مصادر دخل تحت شعار «جهد قليل.. فلوس كتيرة»، فوجدوا من جمع علب المشروبات الغازية والبلاستيك فرصة لتحقيق الربح السريع، حتى إن الأفراح شهدت مشاجرات بين الباحثين عن «الكانزات» وزجاجات المياه.

فكرة جمع الخردة وإعادة بيعها لا تراود محدودى الدخل فقط، بل وصلت للأغنياء فى المناطق الراقية، فكثير منهم حولوا منازلهم لمخازن الكانزات والبلاستيك وعلب الشامبو، وغيرها مما «خف وزنه وثقل تمنه»، ليصبح حلم عبدالغفور البرعى يراود ملايين المصريين.

ويكشف شحاتة المقدس، نقيب الزبالين، أن كثيرًا من المواطنين يخوضون مشاجرات طاحنة فى قاعات الأفراح على جمع المواد الصلبة مثل الكانز وزجاجات المياه المعدنية خاصة بعد ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ.

يسخر شحاتة المقدس قائلًا: «يروح بقى الزبال يشتغل موظف والموظف يروح يلم زبالة»، متهكمًا على إقدام الكثير من أبناء الطبقات المستورة على جمع الكانزات والبلاستيك لبيعها بالكيلو، وتابع: «سابولنا إيه إحنا بعد كده علشان ناكل عيش؟.. مش بناخد منهم إلا فضلات الطعام فقط».

وأضاف نقيب الزبالين: «يعنى أنا أشيل له بقايا الطعام المتعفنة وهو يلف ينقى لى شوية المواد الصلبة اللى أنا باسترزق منهم.. لأن أنا مش موظف باخد مرتب زيه من الحكومة».

يشير نقيب الزبالين إلى مشاركة ملايين المواطنين حاليًا فى جمع القمامة، ما أفسد عليهم حياتهم وعرّضهم لخسائر فادحة وقال: «ده خراب بيوت يا أستاذ.. زبالين كتير دلوقتى مش لاقيين ياكلوا العيش الحاف بسبب إن غيرهم دخلوا فى شغلهم».

وقال نقيب الزبالين إن العاملين فى مجال القمامة يتكبدون أموال العمالة والجاز والبنزين للسيارات الخاصة لنقل القمامة، وخلال السنوات الأخيرة لم يتحصلوا سوى على بضعة جنيهات من الطعام المتعفن ويلقى للخنازير لكن التجارة الحقيقية كانت فى الأقمشة والمواد الصلبة والبلاستيكية والتى ينتقيها المواطنون حاليًا من قمامتهم لأنفسهم.

وحول سعر كيلو البلاستيك والمواد الصلبة رد نقيب الزبالين قائلًا إنّ ذلك متغير بتغير سعر الدولار، وتابع: «إحنا بنوفر للدولة ملايين دولارات فى استيراد المواد الصلبة من الخارج».

واستكمل: «الناس ابتدت تتطاول على المواد الصلبة وتنقيها من الشوارع.. خاصة البوابين وأفراد أمن الفنادق والنوادى بينقوا كل الحاجات دى. وإحنا بنعمل مشكلة عليها.. المفروض اللى يشيل ده يشيل ده لكن ما ياخدش الحلو ويسيب لى عفانتهم»، ويشير إلى أنهم يوردون للمصانع 8 آلاف طن مواد صلبة يوميا، منها ما يتم تصديره للسعودية والباقى يعاد تصنيعه محليًا.

يشير نقيب الزبالين إلى أن هناك تحديات تواجه النشاط، منها غياب التشريعات الصارمة لتنظيم جمع وإعادة تدوير البلاستيك وعلب الكانز، وضعف الوعى البيئى لدى بعض الفئات حول أهمية إعادة التدوير، وارتفاع تكاليف النقل والطاقة اللازمة لعمليات التدوير، وتقلب أسعار المواد الخام المعاد تدويرها فى الأسواق المحلية والعالمية.

حديث نقيب الزبالين يؤكده عدد من المواطنين، منهم جمال أحمد، قائلًا إنّ الحياة وضغوطها الاقتصادية تدفع الجميع للتفكير كثيرًا فى مصادر دخل جديدة ليس شرطا أن تكون وظيفة أو عملا فى قطاع خاص، فجمع علب الكانز والبلاستيك نشاط خفيف موجود فى منازلنا بدون أدنى جهد، فبدلًا من إلقاء القمامة كاملة فى الصناديق يمكننا ببساطة وضع البلاستيك والكانز فى أجولة وبيعها بالكيلو بعد ذلك يحقق لنا ربحًا بدون الخروج لمقار العمل.

«الزبالين مضايقين ليه.. ليهم سنين فى شغلانتهم وعملوا ملايين الجنيهات وفيه ناس منهم أصحاب عمارات».. يستكمل «جمال» حديثه ويقول إنّه كثيرًا ما يدخل فى مشاجرات مع النباشين الذين يجمعون الكانز، واستحضر موقفا له حينما كان يسير فى أحد شوارع الهرم، فوجد عددا كبيرا من الكانز بجانب رصيف فما أن اقترب منها حتى انهال عليه أحد النباشين ضربًا وقال له «دى حاجتى أنا اللى لميتها جاى أنت تاخدها على الجاهز!».

سناء أحمد، قالت على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، قالت إنها مثل غيرها من النساء اللاتى قررن خوض تجربة بيع الخردة لتحقيق ربح لمساعدة أزواجهن، فمع مرور الوقت كان نشاط الخردة سببًا فى تحقيق عائد مادى لأسرتها يفوق الحد الأدنى لرواتب الموظفين.

«بشوف نظرة الغيظ فى عيون الزبالين لما بييجى ياخد الزبالة ومايلاقيش غير بواقى الطعام بس».. تستكمل حديثها وتقول إن الزبالين فى البداية كانوا لا يتوقعون قيام المواطنين بجمع الكانز والبلاستيك ويشاركونهم نشاطهم، حتى اكتشفوا الأمر فى الأفراح وحرص الأهالى على عدم التفريط فى علب الكانز والبلاستيك، ومنها أدرك الزبالون نشاط المواطنين الخفى ولماذا كانوا يتعرضون لخسائر فادحة مقارنة بالسنوات الماضية.

قالت إحدى السيدات أيضا إنّ نشاط الخردة مربح للغاية ولكن له عوائد سيئة على المنزل منها عدم تنظيف المنزل لفترات طويلة بسبب عمليات التخزين خاصة إذا كانت شقة وليس منزلا كاملا، إضافة إلى الروائح الكريهة التى تحاصر السكان نهارا وليلًا، وصراعات الجيران معهم بسبب ظهور الحشرات والزواحف مثل العقارب والثعابين.

من جانبه قال الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، إنّ جمع البلاستيك وعلب الكانز يعد من أكثر الأنشطة البيئية والاقتصادية انتشارًا فى مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث يُسهم فى تقليل التلوث البيئى، وإعادة التدوير، وتحقيق أرباح مالية للعاملين فى هذا المجال.

وأضاف الخبير الاقتصادى أنّ النشاط الآن يشارك فيه آلاف الأفراد من مختلف الطبقات، بدءًا من جامعى المخلفات فى الشوارع، وصولًا إلى شركات إعادة التدوير الكبرى التى تستثمر فى تحويل النفايات إلى منتجات جديدة قابلة للاستخدام إلى أصحاب الطبقات المرفهة.

وأوضح الخبير الاقتصادى أنّ المخلفات البلاستيكية وعلب الألمنيوم الكانز تعد ضمن النفايات التى تسبب تلوثًا بيئيًا، نظرًا لصعوبة تحللها الطبيعى، مشيرا إلى أنّ البلاستيك يستغرق مئات السنين ليتحلل، بينما يمكن إعادة تدوير الألمنيوم بنسبة 100٪ دون فقدان جودته.

وأشار الخبير الاقتصادى إلى أنّ إعادة تدوير المواد الصلبة توفر مواد خاما للصناعات المختلفة، مما يقلل الحاجة لاستخراج موارد جديدة، فضلًا عن خلق فرص عمل لمختلف الفئات، من العاملين البسطاء إلى المستثمرين فى قطاع التدوير، وغيرها من تحقيق أرباح مجزية نتيجة زيادة الطلب على المواد المعاد تدويرها.

وأضاف: تتم عملية جمع البلاستيك وعلب الكانز فى مصر بعدة طرق، منها الجامعون الأفراد وهم أشخاص يعملون بشكل مستقل فى جمع النفايات البلاستيكية وعلب الكانز من الشوارع، والمطاعم، والمقاهى، والمناطق السكنية، والشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تقوم هذه الشركات بشراء المواد المجمعة من الأفراد وفرزها حسب النوع والجودة، ثم بيعها لمصانع إعادة التدوير، وغيرها من المصانع الكبرى التى تتولى هذه المصانع عمليات التدوير وتحويل المواد إلى منتجات جديدة مثل حبيبات البلاستيك أو صفائح الألمنيوم المعاد تدويرها.

واستعرض الخبير الاقتصادى بعض الأسعار منها سعر طن البلاستيك المجمع يتراوح بين 10 و25 ألف جنيه حسب نوع البلاستيك وجودته، وسعر طن علب الألمنيوم الكانز، يتراوح بين 30 و50 ألف جنيه، نظرًا لقيمته العالية وإمكانية إعادة تدويره بالكامل.

وأوضح الخبير الاقتصادى أنّ تجارة الخردة حاليًا تحقق دخلًا يوميًا يتراوح بين 100 – 500 جنيه، حسب كمية الجمع، مشيرا إلى أن أصحاب الشركات الصغيرة يمكن أن يحققوا أرباحًا تتراوح بين 10 إلى 50 ألف جنيه شهريًا، بناءً على حجم النشاط، مؤكدا أنّ المصانع الكبرى التى تعمل فى إعادة التدوير قد تحقق أرباحًا سنوية تصل إلى ملايين الجنيهات، نظرًا لحجم الإنتاج والتصدير المحتمل.

وشدد الخبير الاقتصادى على ضرورة دعم الحكومة المبادرات البيئية لتشجيع السياسات التى تدعم إعادة التدوير من خلال منح الحوافز للمستثمرين والعاملين فى القطاع، فضلًا عن ضرورة نشر الوعى البيئى من خلال حملات التوعية يمكن أن تزيد من مشاركة المجتمع فى فصل المخلفات وتسهيل عملية الجمع، وتحسين البنية التحتية بتوفير نقاط تجميع منظمة فى المدن والقرى سيؤدى إلى زيادة كفاءة عملية الجمع، وغيرها من عمليات الاستثمار فى استخدام التكنولوجيا لتقليل التكاليف التشغيلية ويزيد من كفاءة الإنتاج.

الدكتورة هبة زكى، خبيرة البيئة، قالت إنّ عمليات التخزين التى تتم فى المنازل رغم كونها نشاطا اقتصاديا سريعا ومربحا لملايين الأسر إلا أنه يشوبه العديد من العوائق التى تسبب كوارث صحية وبيئية لأصحابها منها التسبب فى الفوضى داخل المنزل ونقص المساحة، فمع تراكم هذه المواد قد يؤدى إلى ازدحام المنزل ويقلل من المساحات المتاحة للاستخدام اليومى، وغيرها من جذب الحشرات والقوارض حال عدم تنظيف العلب جيدًا قبل التخزين، فقد تجذب الحشرات مثل النمل والصراصير.

وأضافت خبيرة البيئة أنّ تراكم البلاستيك قد يكون بيئة مناسبة لتكاثر البكتيريا، مما قد يؤثر على صحة أفراد الأسرة، فضلًا عن مخاطر الحريق والمواد الكيميائية، فكثير من أنواع البلاستيك القابل للاشتعال قد يشكل خطرًا إذا تم تخزينه بكميات كبيرة بالقرب من مصادر حرارة أو لهب.

وأشارت إلى أنّ علب الشامبو تحتوى على بقايا مواد كيميائية قد تكون ضارة إذا لم تُحفظ بشكل صحيح، فهناك كثير من أنواع البلاستيك قد تطلق مواد كيميائية ضارة فى الهواء بمرور الوقت، خاصة إذا تعرضت للحرارة أو الرطوبة، وغيرها من الروائح المتبقية فى العلب التى تؤدى إلى انتشار روائح غير مرغوبة داخل المنزل.

وأضاف: التحدى الأكبر للسيدات هو الحاجة إلى وقت وجهد للتنظيف والفرز، فتتطلب عمليات التخزين تنظيف العلب جيدًا قبل التخزين لمنع انتشار الروائح والبكتيريا، وغيرها من الوقت والجهد لفرز المواد حسب نوعها وتصنيفها قبل بيعها أو إعادة تدويرها.