جمعة: النهضة العلمية لن تتحقق إلا بالعودة إلى القراءتين اللتين أمر بهما الله في القرآن

أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن توليد العلوم كان من السمات البارزة لأصحاب الدين الإسلامي حتى القرن الرابع الهجري، وامتد ذلك إلى القرن السادس، حيث أبدع العلماء في استحداث مجالات علمية جديدة.
توليد العلوم
وأشار إلى أن أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو علم "الوضع"، الذي أسسه عضد الدين الإيجي، مستلهِمًا مبادئه من علم اللغة والنحو والأصول والمنطق، ليعالج قضية المصطلح التي تعد حجر الأساس للحفاظ على لغة العلم وضمان استمراريته وتطويره عبر الأجيال.
تراجع التوليد العلمي بعد سقوط بغداد
وأوضح جمعة أن وتيرة الإبداع العلمي بدأت تتباطأ بعد القرن السادس الهجري، حيث انشغل العلماء بتكرار الموروث والحفاظ عليه بدلاً من استحداث علوم جديدة، وكان ذلك رد فعل طبيعيًا لما شهدته الأمة الإسلامية في القرن السابع الهجري، من غزو التتار وسقوط بغداد عام 656 هـ، وهو الحدث الذي شكل صدمة حضارية أثرت على الإنتاج العلمي والفكري.
القراءتان.. مفتاح النهضة المفقود
وتابع جمعة أن القرآن الكريم أمر المسلمين بقراءتين، وليس بقراءة واحدة، حيث ترك المسلمون القراءة التي توصلهم إلى الله، كما تركوا القراءة التي توصلهم إلى الشرع الشريف، مما أدى إلى تخلفهم عن ركب الحضارة، وتقدم خصومهم عليهم.
وأكد أن مصادر المعرفة لدى المسلمين تتمثل في "الوحي والكون معًا"، حيث يمثل الوحي كتاب الله المسطور، بينما يمثل الكون كتاب الله المنظور، وكلاهما صادر عن الله تعالى، مما يثبت أنه لا تناقض بينهما، بل إنهما ركيزتان أساسيتان لاكتساب المعرفة.
العلم بين الإيمان والتجربة
وأشار مفتي الجمهورية السابق إلى أن المنهج التجريبي، الذي اعتمده المسلمون في العصور الذهبية ثم انتقل إلى العالم، كان مبنيًا على إدراك الواقع الحسي والتجربة العلمية، وهو ما ساهم في تقدم العلوم الطبيعية. لكنه أوضح أن بعض المفكرين في العصور الحديثة اقتصروا على هذا المنهج دون ربطه بالإيمان بالله، مما أدى إلى فكر "عميق ولكنه غير مستنير"، على حد وصفه، إذ تجاهلوا الجانب الروحي والإيماني الذي يمثل جزءًا جوهريًا من الحقيقة الكونية.
وختم جمعة حديثه بالتأكيد على أن النهضة العلمية لا يمكن أن تتحقق إلا بالعودة إلى القراءتين اللتين أمر بهما الله في القرآن، مما يضمن توازنًا بين المعرفة المادية والإيمان الروحي، ويعيد للأمة الإسلامية دورها الريادي في إنتاج العلوم وتطويرها.