بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

أوراق مسافرة

فخ البطولة أم مؤامرة!!

يطاردنى ما قاله الشاعر محمود درويش: ستنتهى الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل لا أعلم من من باع الوطن لكننى رأيت من دفع الثمن.
ستنتهى الحرب وسيقف المؤرخون طويلاً تتنازعهم الحيرة وهم يحاولون كتابة هذا التاريخ وما تبعه من أحداث ونتائج، طوفان الأقصى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، ستختلط أمامهم الأوراق مع تلك النتائج التى لم تكن متوقعة لقراء التاريخ ولا حتى لمن عاصروا الوقائع نفسها، المحايدون سيبحثون وراء الأحداث عسى أن يصلوا للحقائق مجردة دون تزييف وبعيداً عن شطحات المزايدين، سيبحثون عن إجابة أهم سؤال، هل ما حدث كان بطولة مفرطة من حركة حماس غير محسوبة العواقب، أم ما حدث كان مؤامرة محبوكة الخيوط والخطوط تم الدفع فيها بعناصر حماس لتقع فى الفخ لتمهد دون علم وقصد فى تحقيق المخطط الصهيوأمريكى بتفريغ غزة من أهلها وإضافة أرض فلسطينية أخرى لكيان الإحتلال، وفى مقدمتها غزه بأهميتها الإستراتيجية والجيوسياسية على غرار ما حدث من فخ أمريكى لصدام حسين، حين زينت له غزو الكويت لتنفيذ مخطط ضرب العراق والقضاء على أحد الجيوش العربية الثلاثة التى هى الأقوى بالمنطقة بجانب نهب بترول العراق واستنزاف الثروات من دول الخليج وزرع قواعد عسكرية..الخ من المكاسب التى حصدتها أمريكا من هذا الفخ المحبوك للعراق.
ومعروف أن قطاع غزة بمثابة الشوكة فى حلقوم الكيان المحتل والذى لا أريد أن أطلق عليه أبدا إسم دولة فلا دولة تقام أركانها على باطل، غزة كانت بؤبؤة المقاومة برجالها وسلاحها وأنفاقها، منها تنطلق الهجمات الفدائية ضد الكيان المحتل، منها يتم تهديد المستوطنات الإسرائيلية فى غلاف غزة الذى يضم اكثر من 50 مستوطنة تحيط بالقطاع، بالطبع بجانب أهمية غزة لجوارها للحدود المصرية وكتقاطع حيوى يربط البحر المتوسط بشمال افريقيا والمشرق وغيرها الكثير، لذا كانت غزة هى الهدف الأكبر لإسرائيل، وكانت عملية ٧ اكتوبر رأس الحربة التى استخدمتها إسرائيل بحنكة لتنفيذ مخطط الاستيلاء على غزة، ولم يكن عجيباً أن تتضح معالم التهجير القسرى منذ بداية مجازر إسرائيل ببناء أمريكا ميناء على شاطئ غزة زعمت انه مؤقت لهداف وصول المعونات الإنسانية لأهل القطاع، فيما تم استخدامه لنقل الغزاويين إلى الخارج وتهجيرهم قسراً من أراضيهم.
سيقف المؤرخون المحايدون طويلاً فى محاولة لقراءة عملية طوفان الأقصى، وكيف لم تكن محسوبة العواقب لو صح وأنها كانت مجرد هجوم من حركة المقاومة لا تشوبه شائبة الوقوع فى فخ نصب لها بحنكة، خاصة مع اختفاء الأمن الإسرائيلى وغياب المراقبة الدائمة البشرية والإلكترونية أثناء هجوم حماس فى حدث غير مسبوق، سيحتار المؤرخون فى سرد التراخى العالمى والعربى لإنقاذ غزه والتصدى لإسرائيل بأى شكل من الأشكال، وترك أهل غزة وحدهم يواجهون حرب الإبادة والتصفية غير المسبوق فى التاريخ الحديث، ولن يجدوا إجابات وافية حول الدور الإيرانى الغامض وصواريخها التى أطلقتها أو أطلقها حزب و« طاشت» ولم تصب اهدافا تذكر فى كيان الإحتلال، عن التراخى السورى، وكيف وصلت اسرائيل لقادة حماس وقامت بتصفيتهم، ولا قادة حزب الله وقيامها بتفجيرهم عبر هواتفهم، ولن يجد التاريخ إجابة شافية حول سرعة سقوط بشار الأسد فى أيام معدودات رغم فشل الشعب فى إسقاطه على مدار ١٣ عاماً، وكيف صعد للحكم رجل تطلبه أمريكا مصنف لهم كإرهابى، فى توقيت أعقبه وقف إطلاق النيران وإعلان ترامب لخطة تهجير الغزاويين وكيف فتح «البجلانى» ذراعيه على مصراعيها استعداداً لاستقبال الغزاويبن المهجرين قسرا وكأن سوريا عذبته وإعلان عناصر من حماس نفسها أن غزة منطقة لا تصلح إنسانياً لأهلها حتى قبل أن يعلنها ترامب فى وقاحة بتهجير أهل غزة لمصر والأردن ودول أخرى.
أسئلة حائرة لن يجد لها التاريخ المحايد إجابة، فيما سيبادر المتحمسون بسرد التاريخ من وجهة نظرهم، بأن طوفان الأقصى صنع تاريخاً جديداً للقضية الفلسطينية، وأن أبطال طوفان الأقصى يجب أن يخلدهم التاريخ لأنهم حركوا المياه الراكدة للقضية الفلسطينية، وكشفوا للعالم الوجه القبيح لإسرائيل «على أساس أن وجهها لم يكن مكشوفًا ولا قبيحًا من قبل فى كل مجازرها ضد فلسطين»، وأن فلسطين حققت مكاسب من وراء ما حدث، وسيتجاهلوا فى نوبة حماسهم ذكر أن وقوع غزة فى يد الإحتلال أو حتى إعلانها كمنطقة منكوبة غير صالحة لأهلها وإقامة مشاريع سياحية أمريكية وإسرائيلية فوقها سيعنى اقتطاع أرض أخرى من فلسطين، سيعنى إضعاف يد السلطة الفلسطينية أكثر وأكثر، وهيمنة إسرائيل على ممرات فلسطينية حيوية، سيعنى أن حلم إقامة دولة فلسطينية مترابطة ومتماسكة وقوية قد أصبح مستحيلا.
من سيكتبون التاريخ سيقفون طويلاً يتأملون المعطيات والنتائج لطوفان الاقصى، المحايدون سيقولون ليتها ما تمت لأنها ارتجلت ولم تفكر فى العواقب، المؤمنون بنظرية المؤامرة سيكتبون أنها كانت مجرد مؤامرة أو فخ تم إسقاط حماس به، وقد لا يصل التاريخ إلى الحقيقة أبداً.

[email protected]