بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

«الوفد» تحاور الدكتورة آلاء القطراوي:

خنساء غزة: استشهاد أولادي في سبيل الوطن «منحة إلهية»

الدكتورة آلاء القطراوي
الدكتورة آلاء القطراوي

* الاحتلال يحاول إلغاء وجودنا.. لكن فلسطين لن تُمحى من ذاكرة العالم

* الكتابة وسيلة للتعافى والوجود الفلسطينى يتحدى الكيان الصهيوني

* المرأة الفلسطينية رمز للصمود والقضية ستنتصر حتمًا

* فلسطين حاضرة فى كل كلمة وأدب

صوتنا لن يُسكت مهما كانت الضغوط

* الكتابة سلاحى فى مواجهة الاحتلال

في غزة الجريحة، حيث تصوغ الأمهات حكايات البطولة من دماء الشهداء ودموع الفقد، تبرز خنساء غزة، الدكتورة آلاء القطراوي، كصوتٍ فلسطيني خالد، يروي للعالم ملحمة الصمود في وجه الاحتلال. أمٌ عاشت ألم الوداع على أعتاب الشهادة، ودفنت فلذات كبدها الأربعة، لكنها لم تنحنِ أمام جبروت القيد والحصار. في صمتها جلالُ التضحية، وفي كلماتها شعلةُ أمل لا تنطفئ.

آلاء القطراوي ليست فقط أمًا للشهداء، بل أيقونة تمثل صلابة المرأة الفلسطينية التي تتقدم الصفوف، تحمل في قلبها نبض الوطن وفى روحها عبق الأرض. هي أمٌّ وأيقونة، شاعرة وكاتبة، حافظت على رسالتها كجسر بين الأجيال، تنقل لهم حكايات البطولة التي ولدت من رحم الألم. في كل كلمة تنطق بها، يتجسد تاريخ شعبٍ لا يقبل الانكسار، وفي ملامحها يتلخص صمود أمةٍ راهنت على دماء أبنائها لتكتب مستقبل الحرية.

في هذا الحوار، تفتح خنساء غزة قلبها لـ«الوفد»، لتروي وجع الأم التي احتضنت القيد بشموخ، وحملت جراح الوطن بكرامة. تكشف في حديثها عن معاركها مع الاحتلال، وصبرها في مواجهة الحزن، وإيمانها بعدالة القضية التي دفعت أثمانها الغالية.

وإلى نص الحوار:

* كيف تعبرين عن الفقد والحزن فى قصائدك؟ وهل ترين الكتابة وسيلة للتعافي؟

- لا أعرف كيف أصف لك كيفية التعريف عن الحزن والفقد، لكنَّ القصيدة تكتبني قبل أن أكتبها، فهي مرآةُ دمعي المتقد، تحاول أنْ تعكسه على الورق، ومهما اعتقدتُ أنها أجادت التعبير عن حزني، فما هو إلا غيضٌ من فيض، فحزني أكبر من كل القصائد، إلا أنني أحاول ألا يكون هذا الحزن منسيًا.

أمّا إنْ كانت الكتابة وسيلة للتعافي؟ فإنني أجيبك بنعم، وإنْ كنت أكتب والدمع يصهل في عيوني، والدم يتفتق من كبدي، إلا أن الكتابة تساعدني على الصمود ومحاولة البقاء واقفة رغم كل تلك الضربات المؤلمة فوقي، ينتهي الكاتب على الصعيد المعنوي حين يتوقف عن الكتابة، فالكتابة كالأكسجين لقلمه وورقه ورئتيه، إنها تمده بالطاقة حتى ولو أغلق كل العالم الأبواب أمامه.

* ماذا يعني لك لقب «خنساء غزة» وكيف تتعاملين مع هذا التشبيه؟

- لقب كبير، ربما لأن الخنساء شاعرة أيضًا وفقدت أولادها الأربعة وكانت محتسبة صابرة في ذلك، وقد تكرر الأمر ذاته معى، فقدت أبنائي الأربعة يامن ٨ أعوام، وكنان وأوركيدا ٦ أعوام، كرمل عامان، قدرًا من ربي عز وجل، ولا أرى هذا اللقب إلا منحة من الله وعطاءً إلهيًا غمرني به، فهو لقب تشريف للنضال والصبر والصمود، وكل امرأة فى فلسطين هي خنساء بحق، وأسأله ربي أن يتقبل أولادي الأربعة لوجهه الكريم وأن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

* كيف تصفين شعورك كأم قدمت أبناءها شهداء في سبيل فلسطين؟.. وكيف تعاملت مع هذه اللحظات الفارقة؟

- الشهادة ليست منالًا سهلًا، هى اصطفاء، الله عز وجل يقول «ويتخذ منكم شهداء» فحين علمت أن عظيم السماوات والأرض اختار أولادي شهداء من بين ملايين المسلمين على الأرض، بالتأكيد هو أمر يدعو للفخر وأيضًا في أعظم أراضي الرباط والجهاد في أكناف بيت المقدس، ومصير الإنسان هو فقط في يد الله عز وجل، كان يمكن أن يموتوا في حادث سيارة أو غرقًا أو إلى آخره لكن ربنا اصطفاهم شهداء على أرض فلسطين، والذي يمدني القوة أنه سيأتي وقت وتنتهي فيه رحلتي على الأرض وألتقي بهم لقاءً خالدًا، المهم أن يقابل العبد أقدار ربه بالتسليم واليقين به أن كل ما يكتبه الله هو خير.

* ما المحطات الأبرز فى حياتك التي ساهمت في تشكيل هويتك كرمز للصمود الفلسطيني؟

- كل المحطات ستتوقف أمام محطة الإبادة التي تعرضنا لها، لكننا مع كل صوت انفجار نسمعه ومع كل صاروخ يسقط فوق رؤوسنا ومع كل رصاصة تخترق نوافذنا وأجساد أهلنا نعرف أننا أمام قتل ممنهج يعتمد عليه احتلال خائف، من يختار الإبادة سلاحًا له، هو احتلال خائف بالتأكيد من صاحب الأرض، لذلك دائمًا يحاول إخفاء هويته بكل ما استطاع من وحشية، إن صمودنا هو مستقى من العنفوان الفلسطيني العالي منذ أن بدأ هذا الاحتلال وإلى أن يزول، نعم إلى أن يزول تمامًا.

* كيف تعكس كتاباتك معاناة الشعب الفلسطيني ونضاله؟

- كلنا يدرك أهمية الكتابة في توثيق الجرائم الصهيونية، من كتب تاريخية إلى مقابلات صحفية إلى دواوين شعر إلى روايات أدبية وإلى آخره من أشكال الأدب وصوره المختلفة، وكل ما نكتبه نحن كتاب وشعراء فلسطين، هو مساهمة حقيقية في توثيق هذه المعاناة ورفع علامة النصر في وجه الاحتلال، حتى وإن كان من تحت الركام، كنت نشرت كتاب (من المسافة صفر) رسائل تحت الحرب عام 2015 وهو يوثق حرب 2014، فأدب الحروب مهم كي لا تُنسى هذه المجازر وكل هذه المشاعر الصاخبة تحت أزيز الطائرات.

* ما الدور الذى يمكن أن تلعبه الكلمة والشعر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؟

- أهم دور هو (نحنُ هنا)، وإنّ أكثر ما يُقلق الاحتلال الإسرائيلي هذه (الوجودية النحنية لنا)، إنّه يسعى بكل جبروته وأسلحته الجرارة أن يعدم قدرتنا على قول (نحن هنا)، كل شاعر وكل كاتب وكل صحفي يساهم في توطيد هذه الوجودية، وطالما أنني موجود فهذا يعني أنكّ محتل وطالما أنني صاحب الأرض فهذا يعني أنك زائل، هذه هي القاعدة التى يستنتجها الاحتلال بعد كل قصيدة شعر فلسطينية ورواية فلسطينية ومقالة فلسطينية.

* كيف ترين دور المرأة الفلسطينية في النضال الوطني من خلال الأدب والفن؟

- دور عظيم ومتأصل عبر التاريخ، لولا هذه العظيمة، ما كان هذا الشعب العظيم، فهي أم الشهيد والجريح والأسير والمرابط والثائر وهي أم الأرض وابنتها البارة، فدوى طوقان وسميرة عزام وخالدة جرار وريم البنا كلهن أيقونات أدبية وفنية خالدة في التاريخ الفلسطينيي، والآن هنالك الآلاف منهن على الأرض، المرأة الفلسطينية قدمت صورة مشرفة وعالية من النضال والصمود والتصدي والثبات والصبر ولا تزال.

* كيف ترين تطور قصائدك وأساليبك الأدبية منذ بدايتك وحتى الآن؟

- بالتأكيد الشاعر والأديب يتطور، وهذا أمر طبيعي، ويكبر وينضج، لأن الشاعر مرهون بالتجربة، يكون المنتج الأدبي عظيمًا على قدر تجربتك أو على قدر ما منحتك إياه هذه التجربة من إلهامات وفيوضات على صعيد اللغة بكل ما تحمله من طاقات كامنة غير محدودة، فالتجربة تصقل لك الطريق، لتسير بثباتٍ أكبر، بالنسبة لي أرى فلسطين شريكةً ملازمة لتطور أي قصيدة لي، حتى وإن لم تكن حاضرةً بشكل مباشر، أو حتى لو لم يتحدث النص عن الوطن، لكن حاضرة في الحب والشوق والأمل والصمود والبحث عن لحظة دفء حقيقية، فلسطين دائمًا موجودة في قصيدتي، وقصيدتي تكبر بها.

* هل هناك قصيدة معينة كتبتيها وشعرتِ بأنها تمثل روح القضية الفلسطينية؟

- كل قصيدة كتبتها هي تمثل روح القضية الفلسطينية، لأننا أصلًا نكتب من مدد هذه الروح الثائرة، التى تعرف كيف تشق طريقها نحو الحرية والنصر، لا أستطيع تحديد قصيدة بعينها، فكل قصيدة وطنية لى هى من روح القضية وشعلتها.

* كيف أثرت تجربة فقدان أطفالك على نظرتك للحياة؟

- فقدان أطفالي بشكل بشع وسط صمت المؤسسات الدولية وعدم قدرتها على إنقاذهم وتركهم محاصرين بين الدبابات ليقصفهم بعد ذلك الاحتلال الغاشم بكل دم بارد كان كافيًا لتغيير نظرتي لمفاهيم الإنسانية، هذا يعنى أنني أقف أمام إنسانية كاذبة ومصطلحات حقوقية واهية، بعد هذه الإبادة لن أصدق أى كلمة عن حقوق الإنسانية فهى مجرد تفاهات لا قيمة لها بعد هذا الهولوكوست الدموي بحقنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

هل وجدت فى الكتابة ملاذًا للتعبير عن حزنك؟ أم أنها كانت وسيلة للتواصل مع العالم؟

بالتأكيد الكتابة هى الملاذ الأول للكاتب، قد يعيش الكاتب خارج بيته لكنه لا يستطيع أن يعيش بلا نصه، ذلك أن النص هو منزله الحقيقى دائمًا، لأنه سيجد أمانه فيه مهما تعاظمت عليه الكروب وحاصرته المصائب، لقد كانت الكتابة حضنًا حقيقيًا لحزنى، استطاعت أن تطبطب عليه وأن تروّضه ليهدأ ويتنفس ثم يبدأ بالكلام والتعبير عما يجول فى خاطره، لتخرج كل هذه النصوص الشعرية والسردية كأنها بيوت دافئة للحزن، نعم وإنها وسيلة تواصل مع العالم، إنها تجعلنى أشعر بأننى لست وحيدة على هذا الكوكب، هنالك الكثيرون ممن يحسون بى، تلك الرسائل التى تصلنى بشكل يومى من الناس وهى تخفف عنى، وكثيرًا يخبروننى أن كتاباتى رغم انها تعبر عن ألم كبير إلا أنها تخفف عنهم آلامهم وما ذلك من فضل الله عز وجل عليّ.

* ما الصعوبات التي يواجهها الكُتّاب والكاتبات الفلسطينيات؟

- الحصار، هنالك حصار عالمى على الكاتب الفلسطينى، بداية من اللوبى الصهيونى الذى يحاول أن يحارب الرواية الفلسطينية فى العالم بكل أشكال الحرب الممكنة، لذلك الكاتب والكاتبة الفلسطينية على حد سواء، يتشاركون هذه المعاناة، لكن القلم الفلسطينى قوى ويستطيع أن يثبت نفسه ويفرض روايته، وخير دليل على ذلك (محمود درويش) و(سميح القاسم) و(غسان كنفاني).

* هل هناك كاتبات فلسطينيات أو عربيات تشعرين بأنك تتشاركين معهن الرؤية والرسالة؟

- كل كاتبة فلسطينية وعربية تحمل فلسطين فى قلبها فهى تشاركنى الرؤية والرسالة، ذلك أن الانتصار لفلسطين هو الانتصار للإنسانية جمعاء، عدا عن كونه انتصارًا أيضًا للدين والهوية والانتماء والعروبة، ولكننى أحزن كثيرًا إذا وجدت كاتبًا أو كاتبة ولم أجد بين أقلامهم فلسطين حاضرة، فإنّ هؤلاء مهما بلغوا فى الشعر والكتابة فلن تخلد آثارهم طويلًا، ذلك أن فلسطين بوصلة كل شاعر وقمة كل جمال ومرتقى كل خلود.

* كيف تنظرين إلى دور الأم الفلسطينية في ظل الحروب والمآسي؟

- رسالة قوة وأمل وتحدٍّ، رسالة عظيمة تفوق الكلمات والأبجدية، تلك المرأة التى ودعت ابنها مقاومًا وكفنته شهيدًا، وضمدته جريحًا، وحملته فى ابتهالها أسيرًا، ستظل أيقونة النضال ليس فى فلسطين فحسب، بل فى العالم بأسره، وخاصة بعد ما شهدناه من آلام النزوح والعيش فى الخيام، إلا أنّه لولا أن صمدت هذه الأم العظيمة لما بقى حجر ولا شجر ولا بشر فى غزة، إن صمودها الأسطورى أوقف هذه الإبادة، فالاحتلال راهن على انهيارها ولكنه خسر الرهان، كيف لا يخسر الرهان وهو يقف أمام أم الشهداء.

*  ما الذي يجعلك تؤمنين بأن الحرية قادمة رغم كل هذه المعاناة؟

- الله عز وجل، وأسأل الله أن يظفّر أهل فلسطين بالتحرير المبين وأن نشهده بأم عيوننا، والله إنّى أرى تحرير فلسطين كل يوم كما أرى الشمس فى كبد السماء، سيكون حتمًا، لأن شعبى العظيم تليق به فلسطين، والأرض لن تكون إلا لأهلها.

*  كيف ترين المطالب الرامية إلى تهجير الفلسطينيين، وما رأيك فى موقف مصر الرافض لهذه المحاولات؟

- موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين ليس فقط موقفًا سياسيًا، بل هو واجب أخلاقى وأخوى وعربى إسلامى، فمصر تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه الشعب الفلسطينى، وترتبطان ليس فقط على المستوى الجغرافى بل على مستوى العروبة والإسلام، ولا يمكن السماح بتشريد مزيد من الفلسطينيين من أرضهم بعد أن عانوا مرارة اللجوء والنفى منذ نكبة 1948. مصر لديها القدرة على القيام بدور محورى فى حماية الحقوق الفلسطينية، وعلى دعم الحق المشروع للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على أرضه، وفى إعادة اللاجئين الذين هُجّروا قسرًا إلى ديارهم. إن هذا الموقف يعكس إصرار مصر على عدم السماح بتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يتطلب توحد العرب جميعًا خلف هذه القضية والتصدى للمخططات التى تستهدف تصفية الوجود الفلسطينى. القدس، فى نهاية المطاف، تستحق منا كل دعم وتضحية، ونأمل أن يبقى الموقف المصرى ثابتًا ومؤثرًا فى مسار الأحداث لصالح الحق الفلسطينى.

*  ما الرسالة التي تودين إيصالها إلى العالم من خلال أعمالك الأدبية؟

- يستطيع الاحتلال إعدام الفلسطينى وخنقه وتشويهه واعتقاله وقصفه والتنكيل به وقنصه ودهسه، لكنه لن يستطيع ولو لثانية أن يمنع صوته الثائر أن يقول كما قال درويش: «أيها المارون بين الكلمات العابرة احملوا أسماءكم وانصرفوا».