ثورة 1919.. الشعب كله متحد في حب مصر الأبية
في 9 مارس من كل عام، يظل في قلب كل مصري ذكرى خالدة لا تمحى، ذكرى ثورة 1919، حين خرج الشعب كله – الفلاح والشيخ والطالب – متحدين تحت علم واحد، متحدين بروح وطنية صافية، بلا تمييز طبقي أو ديني، متحدين في حب مصر والتمسك بكرامتها.
نفي الزعيم الوطني سعد زغلول في 8 مارس 1919 لم يكن مجرد حدث سياسي، بل كان الشرارة التي أشعلت في النفوس شعلة الثورة العظيمة، شعلة لم تنطفئ إلا بعد أن شاهد العالم كله وحدة شعب لم تعرف الخضوع أو الانكسار.
ثورة 1919 ليست مجرد صفحة في كتب التاريخ، بل درس حي لكل الأجيال عن معنى الوطنية الحقيقية، عن كيف يمكن لقلب مصر كله أن ينبض في اتجاه واحد، وكيف يمكن للوطن أن يجمع بين الهلال والصليب، بين الفلاح والمهندس، بين البسيط والمثقف، على مائدة واحدة من الحب والانتماء.
كان الشعب في تلك الأيام يرفع صوته متحديا الاستعمار، متحديا الظلم، متحديا كل ما يفرق بين أبناء الوطن الواحد، ولم يكن الأمر مجرد احتجاج على نفي زعيم، بل كان إعلانا عن إرادة مصرية لا تقهر، عن رفض لكل أشكال الفتنة والتمزيق بين أبناء الوطن.
ما تعلمته من مدرسة الوفد، التي نهجها الزعيم سعد زغلول، هو حب الوطن بكل تفاصيله، حب ترابه وسمائه، حب شعبه بكل اختلافاته، وإيمان راسخ بأن مصر لكل المصريين، لا لأحد دون الآخر.
مدرسة الوفد علمتني أن الوطنية ليست شعارات على الحوائط أو كلمات تتردد في المناسبات، بل هي فعل يومي، هي التضحية من أجل الخير العام، هي وحدة الصف في وجه كل من يريد أن يضعفنا أو يفرقنا.
واليوم، ونحن نستحضر ذكرى تلك الثورة العظيمة، نستحضر أيضا تضحيات الجيش والشرطة، الذين يضحون بأرواحهم يوميا في حماية الوطن، ليبقى أمن مصر وسلامتها فوق كل اعتبار.
استشهاد الفريق عبد المنعم رياض في عام 1969 يظل رمزا للتفاني والإخلاص، وهو تذكير لنا جميعا بأن حماية الوطن ليست مهمة لحظة واحدة أو يوم واحد، بل واجب مستمر على كل مصري.
فالوطن الذي تعلمنا حبه على يد رواد الوفد، هو نفسه الوطن الذي نراه اليوم يبني مستقبله على أسس قوية، مستندا إلى تاريخ طويل من الوحدة الوطنية، ويواجه التحديات بعزم لا يلين.
الوحدة الوطنية التي أضاءت في ثورة 1919 هي الروح نفسها التي نراها اليوم في كل إنجاز تحقق لمصر، روح الشعب المصري التي لا تقهر، روح الفلاح والشيخ والطالب التي تتحد رغم اختلافاتها، روح الوفد التي علمتنا أن مصر للجميع، وأن الانقسام لن يؤدي إلا إلى ضعفنا جميعا، لقد مرت علينا سنوات طويلة، وتحولات كثيرة، لكن جوهر الوطنية الحقيقية لم يتغير، ولم تفقد مصر بريقها الذي أضاءته ثورة 1919.
إن الاحتفال بذكرى الثورة ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو تأكيد على أن مصر قوية بوحدتها، وأن كل تضحيات أبطالها – سواء في الماضي أو الحاضر – لم تذهب سدى.
هو أيضا فرصة لنقف جميعا، أبناء هذا الوطن، ونتذكر أن الانتماء لمصر هو أعظم شرف، وأن كل خطوة نخطوها من أجلها، مهما كانت صغيرة، تعيد إحياء روح ثورة 1919 فينا.
ومن هذا المنطلق، أشعر بفخر عميق وأنا أستلهم من تلك الأيام درسا في التضحية والوحدة، وأجد في نفسي الالتزام بأن أكون جزءا من مصر التي نحلم بها جميعا، مصر التي تعلي قيم الوحدة الوطنية وتحتفي بكل من يضحي من أجلها.
ثورة 1919 علمتنا أن الوطن لا يصنع بالكلام وحده، بل بالعمل المشترك، بالوفاء لتاريخه، وبالإيمان بأننا مهما اختلفنا، فإننا جميعا أبناء أرض واحدة، شعب واحد، قلب واحد ينبض بحب مصر.
وبينما نستذكر تلك الثورة العظيمة، نشعر بأن كل المصريين، على اختلافهم، يحملون نفس الشعور، نفس الحب، نفس الانتماء، إنها ذكرى لا تنتهي، ونور لا يخبو، ودعوة مستمرة لكل جيل ليواصل المسيرة، ويؤكد أن مصر اليوم كما كانت بالأمس، تبقى قوية بعزيمة أبنائها ووحدتهم.