بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

خلاف الميراث انتهى بمأساة عائلية.. والجاني خارج القضبان

صراع اﻟﺪم وﻣﺎء اﻟﻨﺎر

مسعد عزب وأسرته ضحايا
مسعد عزب وأسرته ضحايا واقعة الرشق بماء النار

أيُذيب الحقد روابط الدم؟!.. نعم وتُذيب ماء النار وجوه الأبرياء بِيد "ابن العم"، لا غرابةَ في ذلك، فأنت في حضرة عائلة انصهرت في جحيم الكراهية.
كان "التنازع على الإرث" الشرارة التي أضرمت نيران العداء بين أبناء العمومة، القصة لم تنتهِ بعد؛ الآباء طواهم التراب، أمّا الأبناء.. فأفسحوا المجال للشيطان ليزرع بذور الشحناء في أرضٍ كان يفترض أن تُزهِر فيها شجرة القرابة ثمار الحب والمودة، ولكن أنبتت الأشواك، واستحال الدم الذي يجري في العروق نارًا تحرق ما تبقى من الإنسانية.
شهدت "الوفد" على فصول مأساة عائلية شُوِّهت فيها الوجوه والقلوب، حيث تحولت صلة القربى إلى خنجر مسموم يطعن دون ذنب، تاركًا نفوسًا مُشوهة وكراهية دفينة تتغذى بصمت وتنمو في الظل، حتى حانت لحظة انفجار حمم البركان؛ فالحقد الأعمى حوّل وجه البراءة إلى لوحة مشوّهة مؤلمة في ليلة باردة.

مسعد عزب


"عائلة تُعاني والجاني ليس بغريب".. سُطرّت أحداث الواقعة بقرية بني سلامة التابعة لمركز منشأة القناطر بمحافظة الجيزة، حيث تعرّض "مسعد عزب"، 40 عامًا للرشق بماء النار على يد ابن عمه بمساعدة شقيقه، وتناوبا الرشق بالمادة الحارقة على زوجته "إيمان صبري" ونجلهما "عبدالرحمن"، 13 عامًا، ما خلف حروقًا خطيرة في وجههم وأنحاء متقرقة من أجسادهم.


وجوه مشوهة وأجساد مُذابة.. والمتهم طليق


"ابن عمي شوّه ملامح زوجتي وابني بماء النار ولا يزال طليقًا".. بهذه الكلمات بدأ "مسعد عزب" رواية مأساته قائلًا: "أعمل في طلاء السيارات "دوكو"، أعيش حياة بسيطة ومتواضعة، أكافح يوميًا من أجل لقمة العيش وتوفير حياة كريمة لأسرتي الصغيرة. أتنقل يوميًا إلى عملي في إحدى الشركات بأبو رواش، وأحمل على عاتقي أحلام أسرتي بعيدًا عن أي خلافات أو نزاعات، أحلم بغدٍ أفضل، وحياة مستقرة هادئة، ولكن تلك الأحلام تحطمت فجأة وبقسوة، فبين عشيّة وضُحاها وجدت نفسي طريح الفراش في مستشفى قصر العيني، أتأوّه أنا وزوجتي وطفلي من آلام الحروق والتشوهات المروعة التي طالتنا من يد الغدر، فقد أقدم ابن عمي على سكب ماء النار علينا بلا رحمة.. كانت تلك اللحظة كفيلة لتُغير مجرى حياتنا إلى كابوس دائم، وتركتنا نصارع الألم ونداوي جراحًا جسدية  ونفسية لا تندمل ولن تُغتفر".
كشف مسعد لـ"الوفد" تفاصيل خلافه مع أبناء عمومته قائلًا: "منذ سنوات طويلة، وأنا بعيد عن أبناء عمي، لا يوجد بيننا أي اختلاط أو تواصل. كلٌ منا مختلف عن الآخر في الطباع والخصال. ورغم أنني اخترت الابتعاد عنهم إثر خلافات قديمة تتعلق بالإرث، والتي انتهت إلى قطيعة، إلا أنني لم أسلم من ألسنتهم الحاقدة، التي لا تكف عن الافتراء عليّ وعلى أسرتي. فهم لا يتركون لي فرصة للسلام الداخلي، دائمًا ما يحيكون ضدي الأكاذيب والاتهامات.

زوجة مسعد عزب ضحية واقعة الرشق بماء النار

وفي تلك الليلة المشؤومة، وأنا في وضعي الطبيعي أعمل على طلاء سيارة أمام المنزل، فوجئت بابنة عمي تُشعل نارًا بالقرب من السيارة، فحذّرتها من خطر ألسنة اللهب على السيارة، فهي ليست ملكي، لكنتها صدمتني بكلماتها النابية، وأمرتني بإقصاء السيارة على الرغم من أنها كانت في مكان آمن وبعيد عنهم".

واستكمل الضحية: "اتصلت بعمدة البلد والذي استنكر ما حدث، ولم تكد تمر لحظات حتى فوجئت بأخيها يحمل جركنًا من ماء النار، ليصوبه نحوي أنا وزوجتي وابني بمساعدة شقيقه، فكانت النتيجة مُروعة بكل المقاييس! تساقطت بشرة ابني أمام عيني. وإذا بزوجتي تصيح من الألم، فقد نالت المادة الحارقة من وجهها وعينها وجسدها، وأصابني أيضًا السائل الحارق في وجهي، وامتدت آثاره إلى جسدي وملابسي، التهمتنا النيران كما لو كانت أصابتنا لعنة، طلب الجيران سيارة الإسعاف حيث نقلتنا إلى مستشفى مبارك والتي حوّلتنا لمستشفى قصر العيني، لخطوة الحالة والتي تحتاج إلى تدخل جراحي عاجل".

عبدالرحمن مسعد


اختتم ضحية ابن عمه حديثه مستجيرًا بالعدالة لتنصفه: "حررت محضرًا رسميًا بالواقعة في مركز شرطة المناشي، أشعر بالعجز كلما نظرت إلى زوجتي وابني وما ألمَّ بهما من ظلمٍ فادح. والآن أنا في أمس الحاجة إلى حل عادل وسريع، حياتنا تدمرت على يد بلطجي لا يعرف للرحمة طريقًا، حرقهما بماء النار في تصرف همجي ووحشي لا يرحم. ورغم تقدمي بشكوى إلى السلطات، إلا أنه لم يتم القبض عليه من قِبل الجهات ىالمعنية حتى الآن، الأمور تراوح مكانها. والمعتدي يتصل بنا بشكل مستمر من أرقام مختلفة ليهددني بالتنازل عن المحضر، في حين يعاني ابني وزوجتي من جراحٍ خطيرة، ويخضعان لعمليات متكررة بمستشفيات متعددة. فماذا كان ذنبهم؟ ما ذنب عائلتي في هذا الاعتداء البشع؟ حتى لو كانت هناك خلافات بيننا، فهل يُعقل أن تدفع أسرتي الثمن بهذه الطريقة؟ ابني الذي لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره يعاني من جروح بالغة بعدما أذابت ماء النار وجهه. والجاني لا يزال طليقًا يستعرض قوته ويستخدم تهديداته وبلطجته دون رادع أو ضمير. لن أتنازل عن حقي وحق أسرتي وأطالب بمعاقبة الجاني أشد العقاب وأثق أن حقنا لن يضيع أمام مرأى القانون".


خبير نفسي: الواقعة تطعن الأسرة في مقتل 

الدكتور عبدالعزيز آدم


الدكتور عبدالعزيز آدم، أخصائي علم النفس السلوكي وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية علّق على بشاعة الواقعة قائلًا إنها تبرز مأساة إنسانية مركبة، ليس فقط على مستوى الجريمة ذاتها، وإنما على مستوى تفكيك القيم الإنسانية والاجتماعية التي تنظم العلاقات بين الأفراد، وخصوصًا داخل العائلة. فالعلاقة بين الأقارب من المفترض أن تكون قائمة على الثقة، الدعم، والحب المتبادل، لكن عندما تتحول إلى مصدر عداء يصل حد الاعتداء بماء النار، فإننا أمام انهيار شديد في منظومة القيم الأسرية.
وأضاف: من منظور علم النفس يمكن أن يتضح أن الدوافع النفسية والاجتماعية لهذه الجريمة نتجت عن الكراهية والغيرة والخلافات حول الإرث، وهي عوامل خارجية، لكنها تنبع من دوافع داخلية متجذرة، مثل الشعور بالإحباط، الإحساس بالظلم، أو الرغبة في الانتقام. ومثل هذا السلوك يعكس اضطرابًا نفسيًا حادًا، يتسم بعدم القدرة على ضبط النفس أو التعامل مع الخلافات بطرق صحية.
كذلك فقدان الروابط الأسرية قد أصيب بخلل شديد، لأن العلاقة بين الأقارب، خاصة أبناء العمومة، من المفترض أن تكون أكثر العلاقات قربًا وتواصلًا في المجتمعات التقليدية. ولكن عندما تتحول هذه العلاقة إلى صراع، فإن ذلك يشكل ضربة قاسية للبنية الاجتماعية. هذه الجريمة تحديدًا تحمل رمزية خطيرة، حيث إن التعدي على أفراد العائلة يعني غياب الحدود الأخلاقية، وتلاشي الحواجز الطبيعية التي تُحافظ على الروابط الأسرية.
واستطرد: ومن جانب التأثير على الأبناء، فإن مثل هذه الأحداث تترك آثارًا نفسية مدمرة على الأبناء، ليس فقط لأنهم شهدوا العنف وتعرضوا له، بل لأنهم فقدوا الإحساس بالأمان الأسري. الأبناء الذين ينشؤون في بيئات تسودها الخيانة والعنف يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل نفسية، مثل القلق، الاكتئاب، وانعدام الثقة في الآخرين. وقد يتطور لديهم أيضًا شعور بعدم احترام قيمة العائلة ككيان اجتماعي، مما يؤثر على علاقاتهم المستقبلية.
فهذه الحوادث لا تعبر فقط عن نزاعات فردية، بل هي مؤشر على تغيرات أعمق في القيم الاجتماعية، مثل تزايد الفردية، وغياب آليات حل النزاعات بشكل سلمي داخل العائلة. كذلك، تعكس هذه الحوادث ضعفًا في الوعي النفسي والقانوني لدى الأفراد، حيث يلجأ البعض إلى أساليب انتقامية مدمرة بدلًا من اللجوء إلى الحوار أو المؤسسات القانونية.

واختتم أخصائي علم النفس السلوكي حديثه مؤكدًا أن هذه الجريمة تعبر عن أزمة أخلاقية ونفسية في مجتمع يعاني من تصدع في قيمه الأسرية. معالجة مثل هذه الظواهر تحتاج إلى تدخل متعدد المستويات، يشمل التوعية بأهمية القيم الأسرية، وتعزيز دور القانون في حل النزاعات، والعمل على تحسين الصحة النفسية للأفراد من خلال الدعم المجتمعي والمؤسسات المتخصصة.


قانوني: السجن 10 سنوات في انتظار مرتكبي جرائم التشويه والعنف

عصام الدين أبو العلا المحامي بالنقض


علق المستشار عصام الدين أبو العلا، المحامي بالنقض، على الواقعة قائلًا: إن المشرع المصري حاول التصدي لمثل هذه الجرائم قبل وقوعها ووضع عقوبات رادعة على مجرد التهديد أو التلويح بها، حيث نص قانون العقوبات المصري على عقاب كل من قام باستعراض القوة أو التهديد بالعنف بكل أشكاله وألوانه؛ ومنها المواد الحارقة سواء كان ذلك للتشويه أو القتل، نظرًا لأن هذه الجرائم ليست فقط تروع المجتمع إلا أنها أيضًا تهدد أمنه واستقراره.
وأشار أبو العلا إلى أن المادة 375 مكرر من قانون العقوبات نصت على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير بـاستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما، أو استخدامه ضد المجنى عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه ذلك بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أي أذى مادي أو معنوي به أو الإضرار بممتلكاته أو سلب ماله أو الحصول على منفعة منه أو التأثير في إرادته لـفرض السطوة عليه أو إرغامه على القيام بعمل أو حمله على الامتناع عنه أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو التشريعات أو مقاومة السلطات أو منع تنفيذ الأحكام أو الأوامر أو الإجراءات القضائية واجبة التنفيذ، أو تكدير الأمن أو السكينة العامة، متى كان من شأن ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب فى نفس المجنى عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره. 
وأضاف أن المشرع المصري لم يفرد نصًا خاصًا للعقاب على الجريمة بعد تمامها فعاقب في المادة المذكورة على الشروع والتهديد والتلويح بارتكابها دون أن ينص على عقوبة لمن ارتكب جريمة تشويه المجني عليه، لذلك فإن النص الواجب التطبيق في هذه الحالة هو نص المادة 240 من قانون العقوبات، حيث نصت على أنه كل من أحدث بغيره جرحًا أو ضربًا نشأ عنه قطع أو انفصال عضو فقد منفعته، أو نشأ عنه كف البصر أو فقد إحدى العينين، أو نشأ عنه عاهة مستديمة يعاقب بالسجن من 3 سنين إلى 5 سنين، أما إذا كان الضرب أو الجرح صادرًا عن سبق إصرار أو ترصد أو تربص فيحكم بالأشغال الشاقة من 3 لـ10 سنوات، ويضاعف الحد الأقصى للعقوبات المقررة إذا ارتكب الجريمة تنفيذًا لغرض إرهابي، وقد يواجه المتهمون تهمة الشروع في القتل المقترن بإحداث عاهة مستديمة طبقًا لما نص عليه المادة 46 من قانون العقوبات حيث تتراوح العقوبة من 5 لـ10 سنوات.