دوافع التهدئة بين إسرائيل وحماس: محطات وتحديات (الرابحون والخاسرون)

بعد أكثر من 15 شهرًا أسفل آلة القتل الإسرائيلية، آن للشعب الفلسطيني أن يتنفس الصعداء، ويُفشِلون أكبر المخططات التي حيكت في الظلام الدامس لتهجيرهم من بيتوهم لانقضاض إسرائيل عليها، بمساندة باتت واضحة لكل لبيب من المعسكر الغربي “الولايات المتحدة الأمريكية”، بالعتاد والسلاح، والإغداق بالأموال على قادة الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ المخطط، والحقيقة الدامغة أنهم لا يعلمون أن الشعب الفلسطيني ليس لقمةً سائغةً يلوكها أصحاب المصالح ويتقاسم أراضيهم أصحاب الهوى، ليعطوا من لا يستحق ما لا يملكون.
ولعل هناك العديد من النقاط التي يجب تسليط الضوء عليها لتحليل اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل يمكن حصرها في التالي:
أولًا: 7 أكتوبر 2023 وإجهاض المخططات
ثانيًا: تحديات بين الأطراف الداخلية (الفصائل)
ثالثًا: دور مصر المحوري في إحلال السلام (فلسطين في القلب)
رابعًا: الرابحون والخاسرون من الحرب في غزة
خامسًا: تداعيات اتفاق الهدنة على إسرائيل
• 7 أكتوبر 2023 وإجهاض المخططات
جلى لنا ردود الفعل المتباينة التي خرجت منذ شن حماس الهجوم على جيش الكيان الصهيوني، تلك الفقاعة التي روج لها أنها لا تقهر ومن أقوى الجيوش، وهو ما يناقض الواقع حيث فشلت الاستخبارات في توقع الهجوم المباغت الذى شنته حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 والذي أذهل العالم أجمع، ولعل ذلك يكشف جملة من الاعتبارات منها: أن الجيش الإسرائيلي هش وضعيف ولولا جبهات الإسناد من المحور الغربي لسقط مغشيًا عليه عقب أسبوع من الهجوم.
كما أن من أسباب تفوق حماس على الجيش الإسرائيلي تمرس جنود المقاومة في قتال الشوارع، مقارنة بالجيوش النظامية التي لا تجيد القتال وسط البنايات والمنازل المهدومة، ورأينا كيف يخرج المقاتل الفلسطيني في عشرات المقاطع وهو يقصف دبابة ميركافا ويقصف تجمعات الجيش الإسرائيلي في العديد من المحاور المختلفة في غزة.
أيضًا إسرائيل تيقنت عقب الخسائر من الحرب أن مخطط التهجير القسري فشل فشلًا ذريعًا، عقب صمود الشعب الفلسطيني، والذي ضرب أروع الأمثلة في الدفاع عن الأرض، لذا تسبب ذلك في إجهاض المخططات ودفع من نسجوا خيوطها إلى التراجع للوراء وإتمام صفقة لتبادل الأسرى، وتيقن جميع صناع القرار أن فكرة القضاء على حماس التي روج لها نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي مستحيلة، ولا يمكن تنفيذها على أرض الواقع، وأنها حرب عبثية لا طائل منها، وأصبح الاتفاق على الهدنة هو الحل الوحيد لإحلال السلام، والمرهون بالتهدئة.
• تحديات بين الأطراف الداخلية (الفصائل)
وعقب الوصول لاتفاق بين إسرائيل وحماس، يجب أن ينظر الجميع في الداخل الفلسطيني إلى مصلحة البلاد، وتنحية جميع الخلافات جانبًا لإعادة بناء الدولة الفلسطينية، خاصة أن ذلك يبعد فكرة تعميق الانقسام بين الفصائل المختلفة، ويجهض المخططات التي تدعم شيطنة الأرضية المشتركة، وتضعف جبهات القتال مع الجيش الإسرائيلي، وهو ما يفتح الباب إلى عدم تحقيق أي تطلعات للشعب الفلسطيني الجريح والذي يعاني من ويلات الحرب، ودفع فاتورة من دماء أبنائه.
لذا يجب عدم إقصاء أي طرف شارك في مجابهة العدوان الإسرائيلي الهمجي على الفلسطينيين، ما يعني دعم التوافق الوطني في البلاد، ولعل المشاركين في إتمام اتفاق التهدئة يدعمون ذلك المسار، لعدم وجود خلافات تظل عالقة بين أحلام الشعب الفلسطيني، وبين الاستقرار والتفرغ لبناء الدولة، وجميع التجارب تثبت أن الإقصاء معول من معاول الهدم، ويعطي الفرصة للأطراف المعادية إلى الدخول على الخط وإحداث فتنة وقلاقل بالبلاد.
• دور مصر المحوري في إحلال السلام (فلسطين في القلب)
منذ نكبة 1948 حتى إتمام اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية - قطرية - أمريكية، والدولة المصرية تثبت يومًا بعد يومٍ أن القضية الفلسطينية، هي المركزية وتدافع عن حقوق الفلسطينيين سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، وظهر ذلك جليًا في تكثيف التشاور مع الرئيس عبدالفتاح السيسي من جميع قادة العالم للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع، ويأتي ذلك اعترافًا بدور مصر المحوري في إحلال السلام في الشرق الأوسط، وهي المسئولية التاريخية لذا إطلاق الشقيقة الكبرى على القاهرة، ليس من فراغ.
وتاريخيًا فقد تخضبت الأراضي الفلسطينية بالدماء المصرية، فقد شاركت القاهرة في حرب فلسطين عام 1948، ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى وكان الجيش المصري فى مقدمة الجيوش العربية التى دافعت عن الأرض والشعب الفلسطيني.
• الرابحون والخاسرون من الحرب في غزة
عقب 466 يومًا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت بعد عملية 7 أكتوبر 2023، وتوجت بالوصول إلى الاتفاق بين الأطراف لإنهاء الصراع الدائر، بالطبع هناك خسائر للمعركة، فوفقًا لوزارة المالية الإسرائيلية، تكبدت تل أبيب ما يصل إلى 125 مليار شيكل "نحو 34.09 مليار دولار" منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، كما سجلت إسرائيل عجزًا في الميزانية قدره 19.2 مليار شيكل "نحو 5.2 مليار دولار" في ديسمبر.
وعن الخسائر للجانب الفلسطيني، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية في آخر إحصائية عن ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 46,707، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء العدوان، وأن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 110,265 جريحًا، في حين لا يزال آلاف من الضحايا تحت الأنقاض.
• تداعيات اتفاق الهدنة على إسرائيل
من الواضح أن هناك تخبطًا واضحًا بشأن إتمام صفقة الهدنة وتبادل الأسرى مع حماس، خاصة أن هناك انقسامًا حادًا بين مؤيدٍ للصفقة ورافض لها، ما يعني دعم استمرار الحرب، في ظل تزايد الضغط الشعبي على الحكومة لإنجاز صفقة التبادل، بينما وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير هو أول من دعا علنًا إلى وقف الصفقة واصفًا بأنها "استسلام لحماس"، داعيًا وزير المالية “بتسلئيل سموتريتش” للتعاون لإبلاغ نتنياهو بأن تمرير هذه الصفقة يعني انسحابهم من الحكومة، بينما أعربت المعارضة بقيادة “يائير لبيد” عن دعمها للاتفاق وإتمام الصفقة لتبادل الأسرى، والسؤال الآن هل تستمر الهدنة أم يرضخ نتنياهو مرة أخرى لليمين المتطرف ويعود لشن الهجوم وتعود الحرب؟، ذلك السؤال مرهون بالضغوط الخارجية على الأطراف المعارضة للهدنة وإحلال السلام بالشرق الأوسط.
•الخلاصة
- يمكن القول إن إتمام صفقة التبادل يعكس مدى تعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للضغوط الخارجية، للقبوص بالصفقة، لاستشعار المعسكر الغربي الداعم لإسرائيل أن الحرب لن تحقق أهدافها، والتي لا طالما روج لها عبر الإعلام الإسرائيلي، والتي من بينها القضاء على حماس وتسليم أسلحتها شريطة توقف الحرب، وما حدث هو عدم الاستسلام، نحن الآن أمام اتفاق بأطراف مختلفة يرمي إلى الهدوء وتوقف القتال في غزة.
- اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل مرهون بمدى الضغوط من الدول الراعية لتوقف القتال، والعمل بشكل متواصل لإنجاح الصفقة وعدم وجود عراقيل قد تعيق إتمام الاتفاق، والمرجح أن تمر الصفقة ولكن هناك أطرافًا خاسرة من ذلك، وعلى رأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي من جانب اليمين المتطرف، وتبخر الوعود بمحو حماس، وهو ما يضع الحكومة على المحك، ويفتح الباب أمام المحاكمة لـ"نتنياهو" على الإخفاق الواضح في الحرب.