بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

في ذكري رحيلها..

صفية زغلول.. وثيقة نادرة عن تفاصيل ثروة "أم المصريين"

زعيم الأمة سعد باشا
زعيم الأمة سعد باشا زغلول وزوجته السيدة صفية زغلول

 اسمها في الأوراق الرسمية: "صفية مصطفى فهمي"، ولكن اسمها في صفحات التاريخ: "صفية زغلول"، ولقبها في ذاكرة الأمة المصرية هو: "أم المصريين".

جاءت " صفيه مصطفى فهمي "إلى الدنيا عام 1878، فأطلق عليها والدها اسم "صفية" تيمننا باسم أم المؤمنين "صفية" زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

 كان ميلادها مقرونًا بحسن طالع أبيها، الذي كان محافظًا لمديرية المنوفية، وبعد ولادتها بأسابيع تم اختياره محافظًا للأسكندرية، وبعد شهور تم اختياره وزيرًا للأشعال العامة، ثم وزيرًا للخارجية، ثم وزيرًا للعدل، فوزيرًا للمالية، ووزيرًا للداخلية، ووزيرًا للدفاع والبحرية، ثم تولى رئاسة وزراء مصر مرتين: الأولى خلال الفترة من 1891 حتى 1893، والثانية من 1895 حتى 1908، ليكون بذلك أحد أطول رؤساء الوزارات في مصر. 

 وفي منزل والدها السياسي الكبير عرفت "صفيه" أول أبجديات الحياة، وتلقت العلوم وأتقنت لغات عدة كعادة بنات الطبقات الأرستقراطية وقتها.

 لم ترث الصغيرة عن أبيها بعض ملامح وجهه فقط، ولكنها استقت منه أيضًا أفضل سماته.

يقول المؤرخون: إن" مصطفي باشا فهمي" كان يتميز بتمام الإخلاص والاستقامة والحرية والصدق في كل عمل من أعمال حياته".. وهكذا أيضًا كانت ابنته صفية.

 لم ينجب مصطفي باشا فهمي إلا ثلاث بنات، منهن صفية، وثلاثتهن دفعن أمير الشعراء أن يقول فيهن بعضًا من أشعاره، فقال: إن البناتِ ذخائرٌ من رحمة وكنوز وُدٍّ طاهر ووفاء

 ولما بلغت "صفية" عامها الثامن عشر، تزوجت من سعد زغلول، الذي كان وقتها قاضيًا، ومن هنا بدأت رحلة كفاحها الوطنى  التي انتهت بها ملكة متوجة على عرش قلوب المصريين.

 وكما كانت "صفية" تميمة حظ لوالدها، كانت أيضًا تميمة سعد لزوجها "سعد زغلول"، الذي أصبح بعد سنوات قليلة من زواجه وزيرًا للمعارف، ثم قاد الحركة الوطنية والدعوة لاستقلال البلاد من الاحتلال الإنجليزي، فقرر الإنجليز نفيه خارج البلاد، على أمل أن يخمد حلم المصريين بالاستقلال، إذا غاب عنهم بطلهم "سعد زغلول"، ولكن نفي "سعد" وزملائه خارج البلاد أشعل ثورة المصريين، وحملت" صفية" شعلة الثورة، وتركت منزلها وقادت ثورة النساء في شوارع القاهرة.

 وأثناء قيادتها لإحدى المظاهرات النسائية حاصرتهم القوات الإنجليزية، وقال قائد قوات الاحتلال معنفًا لها: من السهل أن نطلق الرصاص عليكن، ولكن ما  يمنعني عن ذلك هو أنكن لستم برجال، فما كان منها إلا أن نزعت نقابها، وردت بصوت عالٍ: نساء مصر كرجالها الكل ضد الاحتلال فاطلقوا علينا الرصاص إن شئتم".

 ولم تتوقف "صفية" لحظة عن قيادة ثورة المصريين، والمشاركة فيها، وخلال مشاركتها في إحدى المظاهرات وقفت السكرتيرة الخاصة بها تلقي كلمة على المتظاهرين، فقالت: إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد نفت سعدًا خارج البلاد فإن شريكة حياته وقرينته السيدة صفية زغلول تشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم فيه نفسه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة "صفية" تعتبر نفسها من الآن أُمًا لكل أولئك الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الوطن والحرية".

 وفور إلقاء هذا البيان هتف أحد المتظاهرين قائلًا: "عاشت أم المصريين" ومن هنا أطلق المصريون على صفيه زغلول لقب "أم المصريين"، وهو اللقب الذي لازمها طيلة حياتها، وبعد مماتها.

 ويحفظ التاريخ وقائع كثيرة بطلتها "صفيه زغلول"، فيذكر أن النساء عندما توافد عليها المهنؤون والمهنئات بعد تولي زوجها "سعد زغلول" رئاسة الحكومة، ولكنها ردت عليهن بعبارة ذات مغزي عميق، فقال: “يجب أن تقدموا لي العزاء وليس التهنئة، فما قيمة رئاسة الحكومة مقابل زعامة الأمة؟”.

ولما مرت السنوات وقدم "سعد زغلول" استقالة حكومتها احتجاجًا على الممارسات الإنجليزية وتدخلها في شئون البلاد، قالت صفيه زغلول عبارتها  الخالدة: هذا أسعد يوم في حياتي.. مهمتنا الكفاح وليست تولي المناصب".

 وبهذه الفلسفة الحياتية قضت "صفية زغول " سنوات عمرها مناضلة من أجل استقلال البلاد، ومن أجل إقرار الحقوق الكاملة للمرأة المصرية.

  وبلغ حب المصريين لها مبلغًا لم يسبقها إليه أحد منذ آخر عهد ملكات الفراعنة، لدرجة أن اسمها كان يطلق على جميع المنتجات النسائية التي شهدتها مصر طوال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، بما في ذلك العطور.

 وتفردت صفية زغلول أيضًا بأنها السيدة الوحيدة التي نشرت على الأمة تفاصيل ثروتها عقب وفاة زوجها.. ففور رحيل "سعد زغلول" حاول أعداؤه النيل من سيرته، فقالوا إن تركته تضم مبلغ 40 ألف جنيه ليست ملكه ولكنها ملك للوفد المصري، فما كان منها إلا أن أصردت بيانًا  يتضمن تفاصيل ثروتها كافة، ونشرته في الصحف، وقالت في البيان ما استحق أن يحفظه التاريخ.. قالت صفية زغلول في بيانها: لم يكف بعض جوي الأغراض ما نكدت به بفقد قريني العزيز، وما دهى الأمة بوفاة زعيمها الكبير، حتى سولت لهم أنفسهم -  وإن النفس لأمارة بالسوء – أن يطعنوننا في مكان الأمانة وهو أقدس شيء لدينا واختلقوا الأكاذيب حول تركة الراحل الكبير، الذي عفت يده ونفسه، وضحى بكل عزيز لديه في سبيل أمته، واسندوا لي وله وجود أموال طائلة وسندات من أسهم قناة السويس، موهمين أنها من أموال الأمة، وحددوا مقاديرها بما ابتدعته تصويرهم تضليلًا للايهام، وإني قطعًا لألسنة السوء واجلالًا لوفاء الشعب لزعيمه رأيت أن أنشر على الأمة، وهي مصدر فخره، تفاصيل التركة وهي: 8781 جنيهًا و33 مليمًا، ما خصني من تركة زوجي لحق الربع في الميراث، و14 ألفًا و779 جنيهًا و157 مليمًا قيمة ما هو باقٍ منذ عام 1915 من إيراد عزبتي بمسجد الوصيف البالغ قدرها 210 أفدنة و21 قيراطًا، وثلثا سهم، وهو مقدار حصتي من وقف المغفور له والدي،  ويدخل في ذلك مبلغ 3050 إيراد هذا العام، والذي حصلت عليه بعد وفاة زوجي المرحوم.. وليس لي مال ولا عقار غير ذلك وليس لي قبله وبعده مال ولا سندات".. نشرت بتاريخ 3 فبراير 1928. 

هكذا عاشت "أم المصريين" وطنية مخلصة ومناضلة لا ترضى عن الحق بديلًا، حتى رحلت عن دنيانا في مثل هذا اليوم 12 يناير من عام 1946.