بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

قضية ورأي

الكتاتيب وإعلانات «القرآن الكريم»

تخرجت مثل ملايين المصريين في مدرسة «كتاب القرية»، وتلقيت القرآن الكريم من مشايخى طوال سنوات سبع، مجردا بلا تسييس، ولا لى، ولا تلوين، ولا أرباح مجزية. 
كان ذلك فى الثمانينيات عندما كانت هناك بقايا من خدمة القرآن المجردة، وعندما كان هناك إرث من ثقافة العمل الدعوى الخالص، باعتبار أن مهمة الكتاب تعليم القراءة والكتاب وحفظ كتاب الله، وزرع القيم النبيلة، ثم يعقب ذلك دراسة المناهج سواء فى التعليم العام كحالى، أو التعليم الأزهرى كحال غيرى.
كان مشايخنا مثل غيرهم يعيشون على الكفاف، ليست لهم طموحات مالية أو توجهات سياسية، ويزهدون فى الدنيا ويتركون المشتبهات، لأن القرآن يجمع ولايفرق.
وكانت ثمة مقرأة أخرى فى المسجد، يقوم عليها “الحاج إمام” مأذون القرية وهو شيخ جليل ميسور الحال، لا يتقاضى أجرا.. وكل ما يطلبه أن يأتى الصغار إلى المقرأة فى ثياب بيضاء.
وللأسف.. فإن تراجع الكتاتيب والمقارئ لا يعود إلى الثمانينيات وإنما أبعد من ذلك، عندما ظن البعض أن ثمة تعارضًا بين الكتاتيب والتعليم المدنى.. وهذا خطأ وقعت فيه الدولة ودفعت الثمن لاحقا، إذ مع انهيار الكتاتيب تراجع مستوى التعليم فى ريف مصر العتيق والفقير، وأصبحت الساحة مفتوحة لجماعات دينية، تخلط المذهبية والسياسة مع الحفظ والتلقين.
وسيطرت الأفكار الشخصية والايدلوجية على الكتاتيب الجديدة، لدرجة أن المقرأة والكتاب أصبحت أداة تربية سياسية وتنظيمية.
والصغار أصبحوا كبارا، والأفكار الصغيرة استوحشت إلى أفكار غالبيتها يهمش الأزهر والأزاهرة، والدولة كلها.
لكننى مع عبارة « أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا».. وهذا حال الدولة.
فالشهر الحالى شهد اثنين من القرارات التى تأخرت الدولة فى اتخاذهما، الأول هو  تدشين مبادرة «عودة الكتاتيب»، والثاني نقل الإعلانات من إذاعة القرآن الكريم إلى الإذاعات الأخرى التابعة للهيئة الوطنية للإعلام.
وخيرا فعل الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف عندما دشن مع اللواء إبراهيم أبوليمون محافظ المنوفية مبادرة «عودة الكتاتيب» من جديد، على أرض الواقع بقرية كفر شحاتة مركز تلا، ضمن المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان».
وأتمنى أن تتوسع المنوفية فى هذه المبادرة الرئاسية، جنبا إلى جنب مع سعى محافظها النشط لتبريد الشارع المنوفى والتواصل المباشر مع المواطنين، وإن كانت هناك بعض السلبيات إلا أنها لاتطمس جهد اللواء إبراهيم أبو ليمون فى المنوفية.
فالمنوفية تنافس الدقهلية فى تاريخ الكتاتيب بالدلتا، وعماد التعليم فيهما الكتاتيب، وإبقاء الكتاتيب فى رعاية الدولة يضمن التنشئة السليمة للأجيال الجديدة، ويحول دون زرع أفكار متطرفة فى البراعم الصغيرة الطيعة اللينة، التى تنجذب لكل بريق.
والقرار الثانى، وقد جاء متأخرا أيضا، إلا أنه بعث ارتياحا كبيرا لمحبى القرآن الكريم، وهو وقف بث الإعلانات فى اذاعتنا الموقرة.
فلا يمكن أن تكون إذاعة القرآن تحت ضغط مالى يدفعها للبقاء تحت رحمة الإعلانات.
والشكر هنا واجب للكاتب الصحفى أحمد المسلمانى والهيئة الوطنية للإعلام، والمهندس خالد عبدالعزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، على قرار وقف الإعلانات.
كما أن الشكر أوجب لوزير المالية أحمد كجوك لتوفيره الدعم المالى الذى يغطى أية احتمالات لتراجع عوائد الإعلانات.
فكما نكافح تسييس الكتاتيب، علينا أن نرفع قدر القرآن وقدر العاملين عليه، حتى لايصبحوا سلعة فى سوق الإعلانات.
فالله عز وجل، وصف كتابه فى سورة فصلت بالعزيز «وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ».
وسيظل عزيزا ومنيعا وكريما..
حفظ الله مصر وشعبها العظيم