حكم الحلف على المصحف بقطع صلة الرحم
كشفت دار الإفتاء المصرية حكم الحلف على المصحف بقطع صلة الرحم، مؤكدة أن الحلف على المصحف يمين بالله تعالى، ويجب على الحالف في الحالة المذكورة أن يحنث في يَمِينِه ويصل إخوته؛ لأن صلة الرحم مأمورٌ بها شرعًا، ثم يُكفِّر عن يمينه.
وورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فأْتِ الذي هو خير وكَفِّرْ عن يمينك» رواه النسائي، وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ويجوز دفع القيمة، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
الحلف على المصحف ينعقد به اليمين:
أكدت دار الإفتاء أنه إذا حلف الشخص بأن لا يدخل أحد من أهله او اخوته منزله فيكون ذلك الحلف يمين منعقدة، وتجب فيها الكفارة إذا حنث الحالف في يمينه بأن دخل أحد منهم لبيته.
قال صاحب "مجمع الأنهر": [وفي "الفتح": ولا يخفى أن الحلف على المصحف الآن متعارف فيكون يمينًا، وقال العيني: لو حلف على المصحف أو وضع يده عليه، أو قال: وحق هذا، فهو يمين ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الحلف] اهـ.
كفارة اليمين:
كفارة اليمين هي الواردة في قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة المائدة: 89].
وأوضحت الإفتاء المقصود بكفارة اليمين كما تدل عليها الآية الكريمة وهي إطعام عشرة مساكين، ويجزئ في إطعام كل مسكين ما يجزئ في صدقة الفطر، وذلك بإعطاء كل مسكين نصف صاع من القمح عند الحنفية، والصاع بالكيل المصري هو قدحان وثلث، ويجوز عند الحنفية إعطاء القيمة نقدًا، فإن لم يطعم العشرة المساكين فليكسهم الكساء المتعارف، فإن لم يستطع الطعام ولا الكسوة فليصُم ثلاثة أيام متتابعات.
وأضافت الإفتاء أنَّ صلة الرحم ليست مكافأة على معروف، ولا جزاء على إحسان، وإنَّما هي واجب ديني وإنساني حثت عليه الشرعية الإسلامية.
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: 33- 34].
ويقول صلوات الله وسلامه عليه سيدنا محمد: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» رواه البخاري.
وورد في "صحيح مسلم" جاء رجل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.." فامتدحه صلوات الله وسلامه عليه وحثه على التزامه وعدم العدول عنه، وفي "صحيح ابن حبان": «ومَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
وقد أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة الوالدين؛ قال تعالى: ﴿ ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)﴾ [الإسراء: 23.
وورد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي في "سننه" واللفظ له، والإمام أحمد في "مسنده"، ومعنى التوقير المأمور به في هذا الحديث الشريف أن يُعطيَ الإنسان لِذَوِي الشرف والمنزلة حقَّهم؛ بما يتناسب مع أقدَارِهم، سواء كان هذا الشرف وتلك المكانة لنحو سِنٍّ أو عِلمٍ أو غير ذلك.