الوفد والمرأة المصرية.. من صفية زغلول إلى رموز اليوم
لقد لعب حزب الوفد، منذ فجر تاريخه، دورا وطنيا لا يمكن تجاهله في مسيرة الأمة المصرية، فهو ليس مجرد حزب سياسي عادي، بل مدرسة وطنية كبرى خرجت أجيالا من الرجال والنساء الذين آمنوا بأن الوطن هو الكلمة الأولى والأخيرة.
والحديث عن الوفد لا يكتمل أبدا دون الحديث عن المرأة المصرية التي كانت دائما جزءا أصيلا من تاريخه ومن نضاله، منذ الأيام الأولى لثورة 1919 حين خرجت صفوف النساء تهتف لمصر وتزغرد للحرية، تتقدمهن السيدة الجليلة صفية زغلول، التي لقبت ب“أم المصريين”، والتي أصبحت رمزا خالدا لعزة المرأة وقوة الإرادة الوطنية.
صفية زغلول لم تكن مجرد زوجة زعيم الأمة سعد زغلول، بل كانت زعيمة في حد ذاتها، آمنت أن المرأة شريكة في النضال، وأن صوتها لا يقل وطنية ولا تأثيرا عن صوت الرجل.
خرجت من بيت الأمة لتقود سيدات مصر في مظاهرات طالبت بالاستقلال، ورفعت علم الوطن في وجه الاحتلال، ومنذ تلك اللحظة، لم يعد من الممكن الحديث عن الحركة الوطنية المصرية دون ذكر المرأة الوفدية التي شاركت في صنع تاريخ هذا البلد بوعيها وشجاعتها.
ومع مرور السنوات، ظل الوفد على عهده في دعم المرأة وتمكينها، ليس كشعار يرفع في المناسبات، بل كإيمان حقيقي بأن نهضة الوطن لا تكتمل إلا بمشاركة المرأة الكاملة في الحياة العامة والسياسية.
المرأة في فكر الوفد ليست مجرد عنصر مكمل، بل شريكة في القرار، في الفكر، وفي الحلم بمصر قوية حرة عادلة، وعلى مر العقود، كانت السيدة الوفدية دائما حاضرة في الصفوف الأولى، سواء في البرلمان أو في النقابات أو في العمل الاجتماعي، ترفع راية العدل والكرامة والمساواة.
لقد تربيت أنا شخصيا على مدرسة الوفد، تلك المدرسة التي علمتنا أن حب الوطن ليس مجرد شعار نردده في المناسبات، بل هو عقيدة وسلوك ومعنى يعيش في القلب.
الوفد علمني أن مصر ليست مجرد قطعة أرض نعيش عليها، بل كيان نحمله في أرواحنا، نحميه بالكلمة، وبالعمل، وبالإخلاص، في بيت الوفد تعلمت أن الوطنية لا تعرف مصلحة شخصية، وأن الوفاء للوطن فوق كل انتماء آخر، ومن هذا الفهم، أدركت أن دعم المرأة المصرية ليس تفضلا أو مجاملة، بل واجب وطني أصيل.
اليوم، ونحن نعيش زمنا جديدا، نجد المرأة المصرية حاضرة بكل قوة، تواصل ما بدأته صفية زغلول ورفيقاتها قبل أكثر من قرن، في كل موقع من مواقع الدولة، نجد سيدات يرفعن اسم مصر بجدارة وكفاءة: في البرلمان، في الحكومة، في القضاء، في الإعلام، وفي ميادين العمل التطوعي والمجتمع المدني.
كلهن يحملن نفس الروح التي حملتها أم المصريين، روح التضحية والحب الصادق للوطن، وما يبعث على الفخر أن كثيرا من هذه الرموز النسائية تربت أو تأثرت بروح الوفد، تلك الروح التي تجمع بين الوطنية الصافية والعقل المستنير والإيمان بالديمقراطية والحرية.
المرأة الوفدية اليوم ليست فقط امتدادا لتاريخ مشرف، بل هي أيضا عنوان لمستقبل يليق بمصر الحديثة، فالوفد، بطبيعته، يؤمن بالتجديد والتطور دون أن يقطع جذوره من التاريخ، ويؤمن بأن المرأة قادرة على أن تكون في مقدمة الصفوف حين يتعلق الأمر بخدمة الوطن.
هذه الرؤية لا تأتي من فراغ، بل من تجربة طويلة أثبتت أن مصر لا تنهض إلا حين تتقدم نساؤها جنبا إلى جنب مع رجالها في ميدان العمل العام.
إن الحديث عن المرأة في مسيرة الوفد هو في جوهره حديث عن مصر نفسها، عن روحها وعن قدرتها على التجدد والعطاء، صفية زغلول لم تكن بداية فقط، بل كانت رمزا لمنهج حياة آمن به الوفديون؛ أن الوطنية ليست حكرا على أحد، وأن كل مصري ومصرية له دور في بناء الحاضر وصناعة المستقبل.
وما أجمل أن نرى اليوم هذا الفكر حيا، ينبض في قلوب الشابات المصريات اللاتي يؤمن بأن السياسة ليست عالما مغلقا، بل مساحة لخدمة الوطن وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأقول إن مدرسة الوفد ستظل مدرسة حب مصر. ستظل تعلم أبناءها أن الكرامة الوطنية لا تشترى، وأن الحرية لا توهب بل تنتزع بالوعي والإصرار، وأن المرأة المصرية كانت وستظل درعا وسيفا في حماية الوطن.
الوفد ليس مجرد تاريخ نقرأه في الكتب، بل هو روح تعيش فينا، ونبراس يضيء لنا طريق الأمل في مستقبل أفضل لمصر التي نحلم بها جميعا - مصر الوفدية الحرة، مصر التي آمنت بالمرأة كما آمنت بالحرية، ومصر التي علمتنا أن الوطن أولا، ودائما.