بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مسلسل 6 شهور

التسويق والإعلان ما هى إلا علوم إدارية حديثة دعت إليها المنظومة الرأسمالية وقد طغت على جميع مناحى الحياة وأصبحت الكيانات الكبرى تخاطب الجمهور المستهلك وفق الشريحة الاجتماعية والدرجة المالية التى ينتمى إليها وقد حدث ذلك الشرخ الاجتماعى الطبقى الشديد فى معظم الدول النامية بينما الدول الصناعية والمتقدمة تكنولوجيًا خاصة الأوربية مازالت تراعى البعد الاجتماعى ولا تقسم المجتمع إلى أكثر من ثلاث طبقات، العليا والوسطى والعاملة مما يسهم فى تناغم أفراد الوطن وتكامل معانى العمل مع العلم مع المال لأن النظام الضريبى متوازن وكذلك الأجور والمرتبات مما يتيح للجميع قدرًا وحدا أدنى من التعليم والرعاية الصحية والمواصلات والسكن وتظل الرفاهية لمن يعمل ويتعلم أكثر ويمتلك مهارات وقادر على التطور والتقدم، لكن للأسف هذا النظام هدمته الرأسمالية الأمريكية وحولت المجتمعات إلى أكثر من خمس طبقات فزادت الهوة بين الأثرياء الجدد وطبقة المشردين والعاطلين أو ما كان يسمى فى الماضى العبيد الذين لاحق لهم فى الحياة الكريمة لأنهم من وجهة نظر تلك المنظومة ما هم إلا كائنات قد لا ترقى إلى مستوى البشر، وتنتقل الآفة والمرض إلى البلدان النامية والنفطية وتقع فريسة لهذا الفكر الإستهلاكى وهذا المخطط الإستعمارى الإستثمارى الجديد القديم، وتصبح الطبقات الإجتماعية داخل الوطن فى مأزق حقيقى حيث التوسع فى المشروعات العملاقة والدولية ومخاطبة المستهلك الخارجى والترحيب بالمستثمر الأجنبى على حساب الطبقتين الوسطى والعاملة ولم تفلح منظومة الضرائب فى تحقيق أهدافها لأنها وقعت على عاتق تلك الطبقتين وتهرب منها بحرفية وكفاءة الطبقة الأكثر ثراء وتواصلًا مع ما يسمى الإستثمار الخارجى ومن هنا جاء ذلك الشرخ فى الكيان الإجتماعى داخل مجتمعنا الحالى... وانطلاقا من هذا المنحنى الخطر نجد بعض الأعمال الجيدة والتى تحاول رسم صورة فنية عن هذا الواقع الجديد بأسلوب بسيط وسلسل وكوميدى ساخر إلى حد كبير.. « مسلسل 6 شهور» تأليف عمرو أبو زيد وأحمد هشام وإخراج مصطفى صولى وبطولة نور النبوى فى دور البطل مراد ونور إيهاب فى دور لطيفة ومراد مكرم مدير الشركة، هو عمل يناقش قضية المطور العقارى ومندوبى المبيعات أو التسويق فى هذه الشركات العملاقة والتى هدفها بيع وحدات سكنية وفيلات وقصور بأسعار خيالية وخرافية لعملاء من الداخل والخارج لا يهم مصدر المال ولا يهم طبيعة ومكانة المشترى ولا يهم أى شيء إلا أن تحقق الشركة المسؤلة عن التسويق العقارى أعلى المكاسب والربحية وتتخلص من هذه الوحدات وذلك عبر هؤلاء الشباب الذين يعيشون حيوات صعبة ما بين تناقض فظيع، فهم قد تعلموا واجتهدوا ولكنهم ما زالوا غير قادرين حتى على الحلم، يبيعون الأحلام والفيلات بالملايين وهم لا يملكون سكنًا يأويهم وعليهم ديونا وأقساطا لمجرد العيش على الكفاف دون أى مظاهر أو كماليات رفاهية.. شبه جوعى وعطشى لحياة أكثر أمنا ورفاهية لكنهم بلا أى سقف آمن ولا بارقة أمل فى مستقبل أفضل إنما المهم تحقيق الهدف أو مايسمى «التارجت» وعلى أساسه يتقاضون رواتبهم، يتصارعون ويتنافسون بعضهم بشرف والآخر بدون المهم الوصول إلى الهدف المالى وتحقيق أكبر ربحية لتلك الكيانات العملاقة..

المسلسل سريع الإيقاع والموسيقى التصويرية تضفى الطابع الكوميدى الساخر وإن كان حجم الإحباط وتكرار الفشل للأبطال يدعو إلى اليأس ويعمق من الشعور بالخوف على مستقبل هذا الجيل وهذا الوطن.. الحوار بسيط ولكن تداعيات المواقف والأحداث التى هى مزيج من الواقع والخيال تجعل المتابعة رحلة شيقة تأمل فى نافذة خلاص وبصيص نور لهؤلاء المكافحين المجاهدين من الطبقة الوسطى التى على وشك لتلاشى.

يتقدم نور النبوى بهدوء نحو الإمساك بخيوط الشخصية وإن كان يغلب عليه مظهر الكآبة والعبوس بينما نور إيهاب تمثل بعفوية وإحساس عال وكذلك أحمد فاضل فى دور زياد وأمجد الحجار فى دور حليم؛المسلسل بسيط فى ظاهره وتكوينه ومفرداته وتصويره ولكنه يرسل رسالة هامة للمجتمع وللشباب وللمستقبل الذى لا نعرف ملامحه حيث أنواره بعيدة خافتة ووجهه شاحب ذابل حزين...