بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

في برد السياسة.. يظل الوفد شعلة وطن لا تنطفئ

في أحيان كثيرة، تمر الأوطان بمواسم تشبه الفصول الأربعة، هناك ربيع يزدهر فيه الأمل، وصيف يشتد فيه العمل، وخريف تتساقط فيه بعض الأوراق، وشتاء يبرد فيه الهواء لكن تشتعل فيه جذوة التفكير. 

ربما نعيش الآن فصلا يشبه الشتاء السياسي في مصر؛ فصل تتراجع فيه الضوضاء قليلا، ويعلو فيه صوت الأسئلة أكثر من الشعارات، لكن في هذا الهدوء البارد، هناك من لا يزال يحافظ على دفء الفكرة، وعلى جذوة الوطنية التي لا تنطفئ، وحزب الوفد واحد من هؤلاء الذين ظلوا على الدرب رغم عواصف الزمن وتقلباته.

الوفد، بكل ما يحمله من تاريخ نضالي طويل، لم يكن مجرد حزب سياسي، بل كان وما زال فكرة عن مصر نفسها، فكرة أن السياسة يمكن أن تكون أخلاقا قبل أن تكون صراعا، وأن المعارضة يمكن أن تكون حبا في الوطن لا خصومة معه. 

ورغم ما تمر به الحياة السياسية من ركود نسبي أو حالة انتظار، فإن الوفد لا يزال يحتفظ بمكانته في ضمير الناس، لأن اسمه ارتبط دوما بالوطن، لا بالمصلحة.

الشتاء السياسي ليس بالضرورة موسم موت، بل ربما هو زمن الصبر والنضج، زمن مراجعة الذات، والبحث عن الطريق الصحيح قبل عودة الربيع. 

وفي هذا الزمن الصعب، يحتاج كل بيت سياسي عريق إلى أن يعيد ترتيب أوراقه، وأن يسأل نفسه بصدق: كيف يمكن أن نبقى أوفياء لتاريخنا ونحن نعيش حاضرا مختلفا؟

إن الوفد، بتاريخه الممتد من ثورة 1919 وحتى اليوم، يواجه تحديات ليست سهلة، العالم تغير، والناس تغيرت، والمفاهيم السياسية نفسها صارت أكثر تعقيدا. 

لم يعد الانتماء مجرد شعار أو ذكرى، بل صار اختبارا حقيقيا للقدرة على البقاء في ضمير الناس وعلى أرض الواقع معا. لكن الوفد، بتجربته العميقة ومرونته التاريخية، يملك ما يؤهله لأن ينهض من جديد، شرط أن يعود إلى روحه الأولى، الدفاع عن الوطن من موقع المحبة لا المزايدة، وعن المواطن من موقع الاحترام لا الوصاية.

أنا شخصيا، حين أتأمل تاريخ هذا الحزب، لا أراه فقط ككيان سياسي، بل كمدرسة وطنية تربي أجيالا على حب مصر، أنا واحد من الذين تعلموا في مدرسة الوفد أن حب الوطن ليس كلاما يقال في المناسبات، بل إحساس متجذر في القلب، ورغبة صادقة في أن ترى بلدك أجمل وأعدل وأقوى. 

تعلمت من تاريخه أن تراب مصر أغلى من كل المناصب، وأن خدمة الناس هي أعلى درجات الشرف، الوفد بالنسبة لي لم يكن حزبا فقط، بل ضميرا وذاكرة، صوتا من الماضي يذكرنا أن مصر لا تستحق إلا من يحبها بصدق.

وحين ننظر إلى واقعنا اليوم، نرى أن التحديات كثيرة، من تغير شكل السياسة إلى تغير أولويات الناس، الشباب، الذين يشكلون أغلب المجتمع، يبحثون عن معنى جديد للمشاركة، عن قنوات يسمعون من خلالها صوتهم دون خوف أو يأس. 

هنا بالضبط يمكن للوفد أن يجد دوره الحقيقي من جديد، إذا اقترب من الناس لا من فوقهم، واستمع أكثر مما يتكلم، وفتح أبوابه للعقول الجديدة التي تريد أن تبني لا أن تهدم.

الشتاء السياسي قد يكون قاسيا، لكنه لا يدوم، ومصر، بطبيعتها، لا تعرف الجمود طويلا، في داخلها دائما حركة حياة، مثل النيل الذي يبدو هادئا لكنه لا يتوقف عن الجريان. والوفد، إن ظل أمينا لتاريخه ومخلصا لمستقبله، سيبقى جزءا من هذا الجريان الوطني الجميل، لأنه حزب يعرف معنى الصبر ومعنى الجذور.

ربما نحتاج اليوم أن نعيد اكتشاف معنى السياسة في حياتنا، أن نراها كمساحة للنقاش الشريف لا للصدام، كوسيلة للبناء لا للانقسام، والوفد، إذا تمسك بروحه القديمة في ثوب جديد، يمكنه أن يكون جسرا بين الأجيال، بين من عاش زمن الوطنية الكلاسيكية ومن يبحث عنها في عصر السرعة والقلق.

في لحظات الشتاء، الناس لا تبحث عن من يصرخ، بل عن من يمنحهم الدفء، والوفد، بتاريخ رموزه وبمخزونه الوطني، قادر أن يكون هذا الدفء في برد السياسة، بشرط أن يتجدد دون أن يتنازل، وأن يتذكر دائما أن ما من حزب يبقى حيا إلا إذا ظل قريبا من نبض الناس.

وسيظل الوفد شاهدا على أن الوطنية ليست فصلا في كتاب التاريخ، بل حالة مستمرة من الإخلاص والوفاء، قد يتغير الزمن، وقد تمر السياسة بمواسم من الصمت، لكن حب مصر لا يعرف الفصول، إنه الدفء الدائم في قلب كل من آمن أن الوطن هو البدايات والنهايات معا.