سياسي يكشف دور ألمانيا في الصراع على موارد القارة الإفريقية
قال المحلل السياسي المهتم بالشأن الليبي أحمد البدواني: إن الأهمية الجيوسياسية لإفريقيا تنبع من خلال موقعها الاستراتيجي الذي يعتبر ممرًّا مهمًّا في طرق المواصلات العالمية، وسيطرتها على أهم الأذرع المائية من وجهة الملاحة الدولية، وبما تملكه من ثروات وموارد طبيعية، وعلى مر القرون، كانت القارة الأفريقية محور اهتمام القوى العظمى في العالم، التي تتسابق إلى يومنا هذا للعثور على موطئ قدم فيها. لكن اليوم، وعلى عكس مؤتمر برلين الشهير في عام 1885، حيث قسمت القوى الأوروبية القارة بشكل علني بغرض التوسع والاستعمار، تسعى بعض الدول إلى ترسيخ وجودها في هذه المنطقة الغنية بطرق غير معلنة وبعيدًا عن الأنظار.
وأضاف أنه بينما تراقب عدسات الإعلام والمنظمات البحثية والسياسية نشاط الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا في القارة وتخضع باستمرار للتدقيق، فإن ألمانيا، من جانبها غالبًا ما تمرّر سياساتها وأجنداتها دون أن يلاحظها أحد، حيث كان الحدث الأخير الذي أثار تساؤلات حول دور ألمانيا في أفريقيا هو انسحاب القوات الألمانية من جمهورية النيجر في أغسطس من هذا العام، وكانت هذه القوات الألمانية موجودة في البلاد منذ عام 2013، واستخدمت قاعدة نيامي الجوية كمركز إمداد لقواتها المسلحة في دولة مالي المجاورة، والتي كانت متمركزة هناك كجزء من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي حتى حلّها في عام 2023.
وتحدث المحلل السياسي والباحث في مركز الفكر الاستراتيجي، حول سياسات وخطط ألمانيا الحالية في أفريقيا، التي قامت بصوغ استراتيجية شاملة لتقديم نفسها إلى القارة الأفريقية بطرق هجينة من خلال الدول الشريكة والشركات متعددة الجنسية، والتي تهدف في المقام الأول لتجنب لفت الانتباه إلى مشاريعها وأجنداتها في أفريقيا في وقت مبكر، حتى لا تواجه معارضة من منافسها الأوروبي الرئيسي - فرنسا.
وألقى البدواني، الضوء على عدة أسباب أخرى لاستخدام ألمانيا للنهج الهجين في إفريقيا منها عدم وجود تجربة إيجابية للتعاون مع دول القارة ووجود خلفية تاريخية سلبية مثل الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ألمانيا بحق سكان ناميبيا إبان استعمارها، وكذلك سعي برلين لإخفاء وجودها في إفريقيا عن سكان القارة أنفسهم من أجل تجنب الحاجة إلى تنسيق السياسات والأجندات مع حكام الدول المعنية، الأمر الذي قد يجعل خططها غير مرنة وغير مستدامة.
وأشار إلى أن سياسات ألمانيا ونشاطها في القارة السمراء يقتصر على الزيارات الدبلوماسية والمشاركة في القمم وإقامة مراكز للتعاون الاقتصادي، حيث ترعى الحكومة الألمانية عددا من المنظمات التي تهدف إلى تطوير التعاون الاقتصادي مع أفريقيا، مثل "جمعية الأعمال الألمانية الأفريقية" و "منتدى الأعمال الألماني الأفريقي"، وترعى ألمانيا أيضا عددا من المنظمات غير الحكومية "المنظمات غير الربحية"، مثل حركة المعلومات الأفريقية، التي تعمل في مشاريع البنية التحتية والمشاريع الخيرية.
وبحديثه عن الطاقة والموارد الاستراتيجية أكد البدواني على أن ألمانيا ولتحقيق أهدافها تتعاون بشكل مباشر مع إيطاليا، التي تملك مشاريع ضخمة في عدد من البلدان الإفريقية وعلى رأسهم ليبيا. ففي مارس 2024، تم توقيع اتفاقية تضامن بين البلدين في قطاع الغاز، والذي يتعلق إلى حد كبير بالسوق الأفريقية. وفي مايو 2024، وقعت ألمانيا وإيطاليا وسويسرا اتفاقية للتعاون في تطوير شبكة لنقل الهيدروجين من جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى شمال المنطقة.
وأكد على مساعي ألمانيا لاستبدال موارد الطاقة الروسية من خلال ليبيا، التي تتمتع باحتياطيات ضخمة من الغاز والنفط، مشيرا إلى أن التعاون الألماني مع إيطاليا دفعها خلال العام الماضي، لزيادة وارداتها من النفط والغاز الليبي بنسبة 26٪. منوهًا إلى أنها تسعى إلى زيادة هذه النسبة ففي نهاية أكتوبر، تزعم رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني لزيارة ليبيا للمرة الرابعة خلال عام ونصف، ويتضمن جدول أعمال الزيارة، من بين أمور أخرى، زيادة واردات الطاقة الليبية.