بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

قناة السويس.. إرادة وطن وعزيمة شعب مصر

افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869 لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل كان ميلاد مشروع قومي حيوي، تجسيدا لطموح مصر وإرادتها في أن تكون قلب العالم النابض بالحياة الاقتصادية والتجارية. 

في ذلك اليوم، اجتمعت مياه البحر الأحمر مع مياه البحر المتوسط في بورسعيد، معلنة نهاية رحلة شاقة من التخطيط والعمل الشاق، وبدء حقبة جديدة لمصر على الصعيدين الإقليمي والعالمي. 

كان الحفل مهيبا، حضره كبار الشخصيات من جميع أنحاء العالم، من الإمبراطورة أوجيني زوجة إمبراطور فرنسا، إلى الإمبراطور فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا، وملك المجر وولي عهد بروسيا، بالإضافة إلى الأمير محمد توفيق ولي عهد مصر، وكلهم جاءوا ليشهدوا هذا الإنجاز الفريد، الذي لم يكن مجرد إنجاز هندسي، بل رمزا لإرادة أمة وعزم شعب.

قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، إنها شريان اقتصادي عالمي، يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، ويختصر المسافات بين الشرق والغرب، مسهلا حركة التجارة العالمية بطريقة لم يكن يتصورها أحد قبل هذا المشروع. 

ومع مرور الزمن، أصبحت القناة مصدر فخر لمصر، فهي ليست مجرد طريق للملاحة، بل رمز لقدرة الوطن على مواجهة التحديات وتحويل الأفكار الكبيرة إلى حقيقة ملموسة. 

العائدات الاقتصادية من رسوم العبور لم تقتصر على تعزيز الاقتصاد المصري فحسب، بل منحت مصر مكانة استراتيجية على الساحة الدولية، وأكدت أن للقاهرة دورا لا يمكن تجاوزه في التجارة العالمية.

التاريخ يعلمنا أن أي مشروع ضخم يحتاج إلى قيادة حازمة ورؤية واضحة، مصر منذ افتتاح القناة أولت أهمية قصوى لتأمين الملاحة فيها وحماية السفن العابرة، فكان هناك مراقبة مستمرة وتطوير دائم للبنية التحتية، لضمان سلامة الملاحة واستمرارية الأداء بكفاءة عالية. 

ومع مرور الزمن، لم تتوقف مصر عند حد الإنجاز الأول، بل انطلقت إلى المستقبل بمشروعات مثل قناة السويس الجديدة، التي زادت من القدرة الاستيعابية للقناة وسهلت حركة الملاحة، وأثبتت أن مصر قادرة على التطوير المستمر ومجاراة العصر. 

هذا الإصرار على الابتكار والتحديث يعكس وعي القيادة المصرية بأن الحماية والتطوير لا ينفصلان عن رؤية الوطن واستراتيجيته في العالم الحديث.

على الصعيد الشخصي، لا أستطيع الحديث عن فخر مصر بالقناة دون أن أذكر كيف تعلمت حب الوطن منذ نعومة أظافري في مدرسة الوفد، حيث زرعوا فينا معنى الانتماء وعلمونا أن أرض مصر، كل ذرة فيها، غالية، وأن علينا أن نحميها ونعمل من أجلها دائما. 

تعلمت هناك أن حب الوطن ليس مجرد شعارات نرددها، بل عمل يومي نعيشه في كل لحظة، وأن الإنجازات الكبرى، مثل قناة السويس، هي ثمرة هذا الحب والعمل المستمر.

أشعر دائما بحماس خاص عندما أتذكر افتتاح القناة، ليس فقط لمكانتها الاقتصادية، بل لما تحمله من روح مصرية صلبة، عزيمة لا تعرف المستحيل، وقدرة على تحويل التحديات إلى إنجازات. 

كل مرة أعبر فيها هذه القناة أو أسمع عن تطويرها، أشعر أن مصر أمامها رسالة واضحة: مهما كانت التحديات كبيرة، بإرادة الشعب وحنكة القيادة، يمكن تحقيق المعجزات. 

وهذه الروح الوطنية، التي تعلمتها في مدرستي وفي تراب الوطن، هي ما يجعلني أكتب هذا المقال اليوم، ليس فقط لأحدث الآخرين عن قناة السويس، بل لأشعرهم معنا جميعا بهذا الفخر الذي لا يمكن أن يزول.

قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل هي رمز لإرادة أمة وثبات شعب، شاهدة على أن مصر تستطيع أن تكون قلب العالم النابض بالحياة، وأنها تملك القدرة على حماية مصالحها وتطويرها بعزم وإصرار. 

هي درس في التاريخ، درس في الوطنية، درس في القدرة على مواجهة المستحيل وتحويله إلى واقع ملموس، وفي كل مرة أسترجع تفاصيل هذا الإنجاز، من الحفل المهيب إلى الإرادة الصلبة التي جعلت حلم المصريين حقيقة، أشعر بدفء ووجدان قوي يجبرني على الاعتزاز بكوني مصريا، وبأنني جزء من شعب يعرف قيمة الوطن ويعمل من أجله بلا كلل أو ملل.

قناة السويس، بهذا المعنى، ليست مجرد مشروع هندسي، بل هي مدرسة تعلمنا أن العمل الجاد، والحب الصادق للوطن، والوفاء للماضي مع رؤية المستقبل، يمكن أن تصنع المعجزات. 

وكلنا مسؤولون اليوم عن استمرار هذه الروح، عن حماية الإنجاز، وعن المساهمة في تطوير وطننا الحبيب، لكي تبقى مصر دائما في قلب العالم، شامخة، قوية، وملهمة لكل من يؤمن بالقدرة على الإنجاز وبقوة الانتماء الحقيقي للوطن.