الإذاعة المصرية صوت الوطن وروح الانتماء
في كل يوم 13 فبراير، يستيقظ قلبي على ذكرى يوم عالمي عميق المعنى، يوم الإذاعة، الذي يذكرنا بدور هذه الوسيلة العريقة في توحيد الصف ونشر الوعي بين البشر.
الإذاعة، هذه الحكاية القديمة التي بدأت بصوت متردد عبر الأمواج، ما زالت قادرة على أن تصل إلى القلب والوجدان، وتعيد للأذهان قيم التواصل والتفاهم بين الشعوب، وهو ما جعل الأمم المتحدة، ممثلة في اليونسكو، تعلن عن هذا اليوم في عام 2011، تكريما لدورها العظيم، واحتفالا بذكرى أول بث إذاعي للأمم المتحدة عام 1946، وكأن التاريخ نفسه يريد أن يكتب بهذه المناسبة فصلا من فصول الإنسانية المشتركة.
وبالنسبة لي، ولشعب مصر، للإذاعة قيمة أكبر من مجرد وسيلة إعلامية، فهي أول صوت رسمي يصل إلى البيوت، وتحمل بين ثنايا كلماتها نبض الوطن وروحه.
الإذاعة المصرية، التي بدأت بثها في 31 مايو 1934، كانت وما زالت قلب الإعلام الوطني النابض، وكان المذيع أحمد سالم يردد كلماته الشهيرة "هنا القاهرة"، لتصبح هذه الجملة رمزا لهويتنا المصرية وصرخة وطنية تتردد في كل بيت.
هذا الصوت لم يكن مجرد أخبار، بل كان رابطا بين كل مصري وآخر، حاملا رسالة توحيد الصف وتعزيز الانتماء الوطني، خصوصا في أوقات الحروب والأزمات، حينما كان الشعب يتطلع إلى هذه الإذاعة ليعرف الحقيقة ويشعر بالأمان والطمأنينة.
لقد تعلمت منذ صغري، على مقاعد مدرسة الوفد، حب الوطن وتراب الوطن، وكيف يكون الانتماء شعورا نابضا في القلب قبل أن يكون واجبا على الورق.
وهنا يظهر دور الإذاعة الوطني في تعزيز هذا الانتماء، فهي ليست مجرد ناقل للأخبار، بل وسيلة لتثقيف المواطن، لنشر الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي، ولإشعال الروح الوطنية في النفوس.
برامج الإذاعة التي تناولت التعليم والصحة والتنمية، كانت دائما أكثر من مجرد برامج؛ كانت رسائل موجهة لكل مصري لتذكيره بمكانته في هذا الوطن، وبأن دوره في المجتمع مهم وأن مشاركته في بنائه واجب لا غنى عنه.
خلال فترات حاسمة من تاريخ مصر، مثل حروب 1956 و1967 و1973، لعبت الإذاعة دورا محوريا في توحيد الشعب، فكانت المصدر الرئيسي للمعلومات، الذي يعطي للمواطن شعورا بالطمأنينة والثقة، ويقوي الروح الوطنية في النفوس.
الصوت الذي يخرج من المذياع ليس مجرد كلمات، بل هو رابط قوي يربط الماضي بالحاضر، ويمنح الأمل في المستقبل، هذا الرابط بين الشعب ووسيلته الإعلامية الوطنية، يخلق حالة من الانسجام والتماسك الاجتماعي، ويجعل المواطن يشعر بأنه جزء من قصة وطنية أكبر، وأن صوته مهم، وأن دوره لا يقتصر على الاستماع فحسب، بل يمتد إلى المشاركة والتأثير.
اليوم، وفي كل احتفال باليوم العالمي للإذاعة، تحتفل مصر بهذه الوسيلة العريقة التي كانت وستظل جزءا من وجدانها، وزارة الثقافة تنظم فعاليات ثقافية وفنية، تشمل ندوات ومعارض وورش عمل، لتسليط الضوء على أهمية الإذاعة في حياتنا اليومية.
كما تخصص الهيئة الوطنية للإعلام برامج إذاعية وتلفزيونية خاصة بهذه المناسبة، تروي تاريخ الإذاعة المصرية وإنجازاتها، وتستضيف إعلاميين ومؤرخين يشاركون تجاربهم وقصصهم، ليبقى صوت الإذاعة حاضرا في كل بيت، يذكرنا دائما بأن وطننا يستحق أن نحبه ونعمل من أجله.
الإذاعة، برغم بساطتها، ما زالت تحتفظ بسحرها الخاص، فهي تجمع بين الحنين إلى الماضي، والقدرة على التأثير في الحاضر، وتحمل في كل موجة صوتية رسالة حب الوطن والوطنية الحقيقية.
وكإنسان نشأت على حب مصر وترابها، أشعر بالفخر كلما أستمع إلى الإذاعة، ليس فقط لأنها أول وسيلة إعلامية في تاريخنا، بل لأنها كانت ولا تزال مدرسة لتعليمنا معنى الانتماء والوفاء، ولإعادة تأكيد هويتنا الوطنية في كل لحظة من حياتنا.
إن الإذاعة ليست مجرد وسيلة إعلامية، بل هي قلب ينبض بالوعي والحب والانتماء، وهي صرح وطني يذكرنا يوميا بأن مصر ليست مجرد أرض، بل هي روح، هي تاريخ وحاضر ومستقبل، وأن كل كلمة تبث فيها لها القدرة على تغيير النفوس وإشعال العقول.
لذلك، وفي يوم الإذاعة العالمي، أجد نفسي ممتنا لكل لحظة قضيتها أمام المذياع، وكل كلمة سمعتها، وكل درس تعلمته عن حب الوطن وخدمته، وعن أهمية الوحدة والتضامن، وعن أن الوعي مسؤولية الجميع، وأن لكل منا دور في كتابة مستقبل هذا الوطن العظيم.